أعلن الملك محمد السادس مساء يوم الخميس 6 نونبر 2008 عن إطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية. وقال الملك في خطاب سامي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء قررنا, بعون الله, فتح صفحة جديدة في نهج الإ صلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها بإ طلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة تشمل كل مناطق المملكة وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية . وأكد الملك في هذا السياق عزمه على تمكين كافة ساكنة جهة الصحراء وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد, سواء بإقامة جهوية واسعة وملائمة، طبقا لإرادتنا الوطنية أو من خلال الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي من طرف المنتظم الأممي . ووضع الملك في هذا الصدد خارطة طريق تتضمن أهداف ومرتكزات ومقاربات مسار الجهوية, باعتباره إصلاحا هيكليا عميقا يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه. وقال إن طموحنا الكبير من هذا الورش الواعد هو ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ولبلوغ هذه الأهداف، فإن هذا الإصلاح يجب أن يقوم على مرتكزات الوحدة والتوازن والتضامن فأما الوحدة, فتشمل وحدة الدولة والوطن والتراب التي لايمكن لأي جهوية أن تتم إلا في نطاقها. وأما التوازن, فيؤكد جلالة الملك أنه ينبغي أن يقوم على تحديد الاختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة مع تمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية, للنهوض بمهامها التنموية في مراعاة لمستلزمات العقلنة والانسجام والتكامل. وفيما يلي نص الخطاب الملكي إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء: الحمد لله, والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه, شعبي العزيز, نخلد اليوم الذكرى الثالثة والثلا ثين للمسيرة الخضراء المظفرة, ليس باعتبارها ملحمة للعرش والشعب تكللت باسترجاع المغرب لصحرائه, وإنما لكونها شكلت, أيضا, منعطفا في تاريخ بلادنا الحديث, بما تمخض عنها من إعطاء دينامية جديدة للمسار الديمقراطي وللإجماع الراسخ حول الثوابت الوطنية. ومنذ تولينا أمانة قيادتك, عملنا على تعزيزها بمنهج متجدد, منطلقه الاقتناع الجماعي الراسخ, بكون قضية الصحراء, أمانة في أعناق كل المغاربة, قوامه الحكامة المحلية الجيدة لأ قاليمنا الجنوبية والمشاركة الواسعة في تدبير قضيتنا الوطنية, وجوهره إضفاء عمق تنموي وتضامني على روحها الوحدوية. كما اعتمدنا, على الصعيد الدولي, مقاربة جعلت المغرب الطرف الوحيد, الذي استجاب لدعوة المجموعة الدولية كافة الأ طراف المعنية, منذ نهاية التسعينات, لاتخاذ مبادرات, لتجاوز مأزق محاولا ت تسوية النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء والبحث عن حل توافقي , وذلك ضمن مسار ثالث, يقوم على التخلي النهائي عن المقترحات السابقة للتسوية, بعدما اقتنع المجتمع الدولي بعدم صلاحيتها وقابليتها للتطبيق لأسباب موضوعية. وقد قامت بلادنا بجهود مشهود بها, توجناها باقتراح مبادرة مقدامة للحكم الذاتي, حرصنا على أن تكون المشاركة الديمقراطية هي السمة المميزة لكافة مراحل إعدادها من لدن كافة الأحزاب السياسية والقوى الحية للأمة, وكذا سائر الهيآت التمثيلية للأقاليم الجنوبية. وهو ما جعل هذه المبادرة ملكا للمغاربة جميعا, ولا سيما أبناء أقاليمنا الصحراوية, لأ نها فتحت أمامهم أبواب المصالحة مع إخوانهم العائدين لحضن الوطن-الأ م, ليتولوا جميعا التدبير الذاتي لشؤونهم المحلية. كما عملنا على توسيع المشاورات بشأنها لتشمل المجتمع الدولي الذي أسفر تشجيعه ودعمه لها, عن قيام عدة هيآت دولية وأممية بمراجعة مواقفها من هذه القضية , وفي طليعتها, مجلس الأ من, الذي جسد إجماعه وتزكيته لمبادرة بلادنا في عدة قرارات, وآخرها القرار1813 الذي أشاد بجديتها ومصداقيتها وخولها صفة الأ فضلية, مما يعني استبعاد أي مقترح آخر متجاوز ملفق وعديم الواقعية والنظرة المستقبلية. وبفضل دينامية هذا المسار البناء, تأكد التطابق التام بين مجهودات المملكة ورغبة المجتمع الدولي في الوصول, سريعا, إلى حل توافقي وواقعي وقابل للتطبيق, من خلال مفاوضات مكثفة وجوهرية تشارك فيها كافة الأطراف المعنية بصدق وحسن نية, في إطار القرار1813 وبرعاية الأ مم المتحدة. وبغية إيجاد مخرج لهذا الخلاف, أبان المغرب عن إرادته الصادقة في الفصل بين النزاع الإ قليمي حول الصحراء وبين التطور المنشود للعلاقات الثنائية مع الجزائر. وللأ سف, فإن موقفها الرسمي, يسعى لعرقلة الدينامية الفاضلة التي أطلقتها المبادرة المغربية, مسخرة طاقاتها لتكريس الوضع الراهن, المشحون ببلقنة المنطقة المغاربية والساحلية, في الوقت الذي تفرض عليها التحولات الإ قليمية والعالمية التكتل لرفع ما يواجهها من تحديات تنموية مصيرية. ومخاطر أمنية. كما أن التمادي في رفض كل مساعي التطبيع المغربية, أو تلك المبذولة من بلدان شقيقة وصديقة وقوى فاعلة في المجتمع الدولي, يعد توجها معاكسا لمنطق التاريخ والجغرافية الذي يتنافى مع إغلا ق الحدود بين بلدين جارين شقيقين. فتشبث بلادنا بفتح هذه الحدود وتطبيع العلاقات, ليس إلا وفاء لأواصر الأخوة وحسن الجوار وتمسكا بحقوق الإ نسان في حرية التنقل والتبادل, وكذا استجابة لحتمية الاندماج المغاربي. وفي جميع الأحوال, فإن المملكة ستظل وفية لهويتها الحضارية في الا نفتاح, رصيدها في ذلك المصداقية التي يحظى بها النموذج المغربي في محيطه الإقليمي والدولي. وفي هذا الصدد, نعرب عن اعتزازنا بحصول المملكة, في سابقة رائدة من نوعها, على وضع متقدم في شراكتها بالا تحاد الأ وروبي. إن هذا النظام المتميز, الذي مافتئنا ندعو إليه ونعمل من أجله منذ سنة2000 , يشكل اعترافا بوجاهة اختياراتنا الاستراتيجية ونجاعة دبلوماسيتنا ومصداقية جهودنا الإ صلاحية ومنجزاتنا التنموية الكبرى التي هي محط تنويه ودعم من المؤسسات النقدية والا قتصادية العالمية. وهو ما يقتضي مواصلة العمل الجاد, من أجل حسن استثمار شتى الفرص والآفاق التي يتيحها هذا النظام المتدرج, بما يتضمنه من تدابير ومكاسب ملموسة على الأمد المنظور , وبما يفتحه من آفاق واسعة, مؤكدين حرصنا على تقوية وتوسيع شراكاتنا المتعددة شمالا وجنوبا. شعبي العزيز, كيفما كانت التطورات التي يعرفها التعاطي الجهوي والدولي مع قضيتنا الوطنية, فإن المغرب سيظل معولا على ذاته والتمسك بحقوقه المشروعة والتحلي باليقظة المستمرة ومواصلة التعبئة الشاملة ووحدة الجبهة الداخلية التي هي مصدر قوتنا. ومن هذا المنطلق, فإن المغرب يؤكد استعداده التام للتفاوض الجاد بشأن الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع, معتبرا أن مبادرته مطروحة باستمرار على طاولة الحوار في نطاق الأ مم المتحدة , واثقا من أن منطق التعقل والنظرة المستقبلية سيتغلب, لا محالة, على الأطروحات المتجاوزة وأوهام الماضي. وإلى أن يتم ذلك, فإن المغرب لن يبقى مكتوف الأيدي ولن يقبل بأن يكون تقدمه الديمقراطي والتنموي رهين حسابات ومناورات الغير. لذلك قررنا, بعون الله, فتح صفحة جديدة في نهج الإ صلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها , بإ طلا ق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة, تشمل كل مناطق المملكة, وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية, مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد, سواء بإقامة جهوية واسعة وملا ئمة, وذلك طبقا لإرادتنا الوطنية , أو من خلال الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي, من طرف المنتظم الأممي. شعبي العزيز, إن مشروع الجهوية, إصلاح هيكلي عميق يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه, لذا, ارتأيت أن أخاطبك في شأن خارطة طريقه : أهدافا, ومرتكزات, ومقاربات. فطموحنا الكبير من هذا الورش الواعد هو ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة, الا قتصادية والا جتماعية والثقافية. ولبلوغ هذه الأهداف, فإن هذا الإصلاح يجب أن يقوم على مرتكزات الوحدة والتوازن, والتضامن. فأما الوحدة, فتشمل وحدة الدولة والوطن والتراب, التي لا يمكن لأي جهوية أن تتم إلا في نطاقها. وأما التوازن, فينبغي أن يقوم على تحديد الاختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة مع تمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية للنهوض بمهامها التنموية, في مراعاة لمستلزمات العقلنة والانسجام والتكامل. ويظل التضامن الوطني حجر الزاوية, في الجهوية المتقدمة, إذ أن تحويل الاختصاصات للجهة يقترن بتوفير موارد مالية عامة وذاتية. كما أن نجاح الجهوية رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا. وعلى غرار نهجنا في تدبير القضايا الكبرى للأمة, ارتأينا اعتماد مقاربتنا الديمقراطية والتشاركية في إعداده ولهذه الغاية, نعتزم, بحول الله, إقامة لجنة استشارية متعددة الاختصاصات. مكونة من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والخبرة الواسعة وبعد النظر, مكلفين إياها باقتراح تصور عام للجهوية, في استشعار لكل أبعادها واستحضار لدور المؤسسات الدستورية المختصة في تفعيلها, بعد رفع الأمر إلى نظرنا السامي. وإننا لحريصون على أن يتمخض التصور العام لهذا المشروع الكبير عن نقاش وطني واسع وبناء, تشارك فيه كل المؤسسات والسلطات المختصة والفعاليات التمثيلية والحزبية, الأ كاديمية والجمعوية المؤهلة. ومهما وفرنا للجهوية من تقدم, فستظل محدودة, ما لم تقترن بتعزيز مسار اللاتمركز , لذلك, يتعين إعطاء دفعة قوية لعمل الدولة على المستوى الترابي, خاصة في مجال إعادة تنظيم الإ دارة المحلية وجعلها أكثر تناسقا وفعالية وتقوية التأطير عن قرب. وفي هذا الصدد, نوجه الحكومة لأن ترفع إلى نظرنا السديد اقتراحات بشأن إحداث عمالات وأقاليم جديدة, على أن تراعي في ذلك مستلزمات الحكامة الترابية الجيدة وخصوصيات وإمكانات بعض المناطق والمتطلبات التنموية لسكانها. كما نهيب بالحكومة, إلى إعداد ميثاق وطني لعدم التمركز يتوخى إقامة نظام فعال لإدارة لا ممركزة, يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية المتحجرة, نظام يعتمد مقاربة ترابية ويقوم على نقل صلاحيات مركزية للمصالح الخارجية وانتظامها في أقطاب تقنية جهوية. كما يتعين تضمين هذا الميثاق الآليات القانونية الملائمة لحكامة ترابية تخول للولاة والعمال الصلاحيات اللازمة للنهوض بمهامهم, ولا سيما ما يتعلق منها بالإشراف على نجاعة ممارسة اختصاصات أجهزة الدولة وتناسق عمل كافة المتدخلين على المستوى الترابي الإ قليمي والجهوي. وإننا ندعو الجميع إلى التحلي بروح الوطنية والمواطنة لرفع التحدي الكبير لانبثاق نموذج مغربي لجهوية متميزة, نريدها, بحكم ما تجسده من تقدم ديمقراطي وتنموي, ترسيخا للحكامة الجيدة وتأهيلا للإصلاح المؤسسي العميق. وفي ذلك خير وفاء لروح والدنا المنعم, جلالة الملك الحسن الثاني, أكرم الله مثواه, مبدع المسيرة الخضراء وباني صرح الدولة المغربية الحديثة, التي نحن على سيادتها ووحدتها مؤتمنون, ولتجديد هياكلها ومؤسساتها راعون, وعلى تحقيق تقدمها وتنميتها عاملون. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب , صدق الله العظيم, والسلا م عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .