من دون شك، كانت الانتخابات الجزئية الأخيرة فرصة لحزب العدالة والتنمية لتشكيل رؤية ما عن الصورة التي ستكون عليها الانتخابات الجماعية التي ستمر في صيف ,2009 فقد رفعت هذه الانتخابات الشك باليقين، وأظهرت المعالم القادمة للمعادلة الانتخابية بحضور الوافد الجديد، ولا شك أن قيادات الحزب أخذت صورة عن الحراك الانتخابي الذي ستكون عليه الانتخابات الجماعية المقبلة، لكن التعاطي السليم مع ما أفرزته نتائج الانتخابات الجزئية لا ينبغي أن يتغافل عن تحديين اثنين: هما التحجيم والفساد، واللذان يفرضان على الحزب أن يقدم إجابات سياسية بصددهما. على أن الإجابة على هذين التحديين لا ينبغي أن تعفي قيادة الحزب من الالتفات إلى تحديات أخرى لا تقل أهمية عن التحجيم والفساد. - فقد كشفت الانتخابات الجزئية الأخيرة عن تراجع نسبة المشاركة السياسية، بل وتراجع نسبة التصويت لصالح بعض الأحزاب الوازنة، وهو ما بات يطرح تحدي تعبئة الناخبين بنفس الحجم الذي طرح به في انتخابات 2007 أو أكثر، وهو ما يعني بلغة أخرى أن حزب العدالة والتنمية لا زال مطالبا باستخلاص الدروس من اقتراع السابع من شتنبر؛ على النحو الذي يجعل من أولى أولوياته رفع تحدي تعبئة أوسع كتلة ناخبة للمشاركة في الانتخابات ومناصرة مشروعه. لقد كرست الانتخابات الجزئية ظاهرة جديرة بالتأمل في الكسب الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، ذلك أنه وعلى مدار تجربته الانتخابية المحدودة، لا يشارك في الانتخابات الجزئية بنفس النفس الذي يشارك به في الانتخابات التشريعية العامة، وهو ما يرفع تحدي التعبئة الداخلية وتأهيل الأداة الحزبية للإجابة عن هذه المشكلة. - لقد كشفت الانتخابات التشريعية السابقة، كما كشفت الانتخابات الجزئية الأخيرة، أن الفساد ظاهرة لا تنفك عن العملية الانتخابية، وهو ما يجب أن يدفع قيادة الحزب إلى اعتبارها معطى من معطيات الخريطة الانتخابية؛ لا يعفي من المسؤولية الذاتية للحزب في كسب رهان كسب مواقع انتخابية جديدة، أوعلى الأقل المحافظة على مواقعه الانتخابية السابقة. فالثابت من خلال هذه التجربة الانتخابية الأخيرة أن الفساد الانتخابي واقع بنيوي لا سبيل إلى تجاوزه في المدى القريب وحتى المتوسط، ولذلك يطرح على الحزب بهذا الخصوص تحديان متلازمان، تحدي مواجهة الفساد بالطرق السياسية والقانونية، وتحدي بناء الأداة الحزبية القادرة على تحقيق مكاسب انتخابية رغم هذا المعطى، وهو تحد ليس بالسهل، لأنه سيجعل الحزب يتوجه إلى تأهيل ذاته والقطع مع أي خطاب يبرر فيه عدم كسبه لمواقع انتخابية جديدة، أوعدم حفاظه على مواقعه السابقة بالفساد المالي.