لم يكن يخطر على بال المرحلين من حي الملاح بالمدينة العتيقة بالصويرة، أن ينتهي بهم المطاف إلى الإقامة بالمجزرة القديمة، اللصيقة بمربض للخيول، والمتاخمة للبحر الأطلسي، واعتبروا ذلك إهانة، تلقوها من قبل السلطات المحلية، الذين وعدوهم بتسليم سكن لائق بهم في غضون شهرين، إلا أن انتظاراتهم طالت إلى ما يزيد عن ثلاث سنوات لإعادة إسكانهم في إطار مشروع إعادة إسكان قاطني الدور المهددة بالانهيار. في انتظار الوفاء بالوعد.. إحباط ومرض تدهورت الأحوال الصحية والاجتماعية لنزلاء المجزرة القديمة بعيد المنال، وجل القاطنين بها أصيبوا بأمراض مختلفة، جراء التلوث المنبعث من مربض خيول لا يفصله بالنزلاء إلا جدار، هكذا تصف سعيدة الوضع بمجرزة مهجورة لم تعد تليق حتى بذبائح الحيوانات التي أنشأت من أجلها. الضيوف الذين لم يتوقعوا أن تمتد أيام ضيافتهم بهذا المكان لأكثر من شهرين، انتقلوا للعيش بالمجزرة كما حكت إحداهم بعد وعد تلقوه من السلطات المحلية بإعادة إسكانهم في شقق مستقلة في أجل لا يتعدى الشهرين، تقول لطيفة إن السلطات المحلية رحلونا بمعية جيران لنا إلى هذه المجزرة؛ بعد أن تلقينا وعدا منهم بإعادة إسكاننا في شقة مستقلة في أجل لا يتعدى شهرين، وتضيف في حسرة باتت لا تفارق محياها، لاسيما بعد التدهور المستمر لصحة والدها البالغ من العمر 75 منذ إقامتهم قبل ما يزيد عن ثلاث سنوات بالمجزرة، أن ما تعرضوا له هو الإهمال. وضع أثر على قاطني هذا المكان، الذي يفتقد في مجمله إلى شروط السلامة الصحية، والمرافق الأساسية للحياة الكريمة، فاطمة القاطنة هي الأخرى بمحاذاة الخيول، عبرت عن استيائها من جراء عدول المسؤولين عن وعدهم، لتقول في أسى إن الوعد الذي تلقوه بالإسكان في شقة مستقلة تحول إلى عرض يفيد إسكان أسرتين في الشقة الواحدة، وهو ما ترفضه الأسر المقيمة بالمجزرة المذكورة. ولأن الأمل ما يزال يراود النفوس، فإن والد لطيفة رغم معاناته مع المرض، وجه إلى باشا المدينة رسائل توصلت التجديد بنسخ منها يطالب فيها بتسوية وضعيته بتمكينه من سكن مستقل بدلا من إسكان شخص آخر معه في الشقة نفسها، يقول عنه أحمد إنه شخص عازب، وكون أحمد لا تسعه الشقة ذات الخمسة والأربعون مترا على افتراض أنه تسلمها فعلا، بمعية بناته البالغات، ومطلقة تقيم معه لها أبناء صغار، فإن احتوائها لأسرتين كاملتين ذوات العدد، شيء بات من المرفوض اجتماعيا وإنسانيا تقول ابنته لطيفة. تشكو سعيدة من وجود مرحاض أمام الغرفة الوحيدة التي تسكنها، قالت وهي تشير إلى هذا المرحاض أمام بيتي يتناوب نزلاء المجزرة على هذا المرحاض المشترك في منظر مقزز، وتضيف سعيدة، ذلك أن غرف النزلاء هنا لا تحتوي على مرحاض خاص بها، فهي ليست مهيأة لإقامة إنسان بل هي خاصة بالذبائح. العربي الذي استقبل والدته بمعية أصهاره بحضورنا أمام غرفته الوحيدة قال في تساؤل وهو يشير إلى عدد الأفراد الوافدين عليه لزيارته كيف تستوعب هذه الغرفة هذا العدد من الزائرين وهي المفتقرة إلى كل شيء، قبل أن يضيف أن جو الإقامة بهذه المجزرة يساعد على تفشي الأمراض والتلوث بكل أصنافه وعجائبه، واصفا ذلك بقوله إن الرطوبة والروائح الكريهة المنبعثة من مربض الخيول، والذباب والبعوض، تعرضنا لمخاطر صحية قد لا نستطيع مقاومتها إذا ما استفحلت، واستطرد قائلا إن معاناتنا تتضاعف، لاسيما وأننا بعيدون عن المستشفى والمراكز الطبية، وانعدام المدارس في محيطنا، وروض للأطفال وكافة المرافق الاجتماعية. إلى جانب ذلك، فإن الحياة بهذا المكان لا تطاق، لاسيما وأن الأسر تعيش في إزعاج مستمر، يقول محمد، مستطردا بالقول إن المشردين والمتسكعين والسكارى الذين يغزون المجزرة من بابها الرئيسي الذي يظل مفتوحة طوال الليل، يزعجوننا بصراخهم وشجاراتهم، فضلا عن وقع حوافر الخيول الرابضة بجوارنا، التي تشق الآذان، فلا يغمض لنا جفن. وعن ترحيلهم من دورهم الأصلية بحي الملاح يقول محمد القاطن مع والدته في غرفة واحدة بمعية زوجته وأبنائه، لقد طوينا السنوات هنا، في مكان لا يليق إلا بالحيوانات، ولا من مستجيب لمطلبنا خلال زياراتنا المتكررة إلى المسؤولين الذين يعطوننا الوعود تلو الأخرى، إذ لم تكن لنزلاء المجزرة القديمة البالغ عددهم 27 أسرة مطالب يستحيل الوفاء بها، فحسب تصريح مصطفى أن المطلب الوحيد الذي يطلبونه، هو تنفيذ الوعد الذي أعطاه المسؤولون للمرحلين بعد أن وقعوا على وثيقة إفراغ الدور الآيلة إلى السقوط،، المتمثل في إعادة إسكان كل أسرة مستقلة عن أختها، لاسيما وأن من الأسر من لها عزاب من الفتيان والفتيات، وآباء يخالطونهم يوميا، وفي تصريحات متطابقة أجمع النزلاء على أنهم لن يقبلوا غير ما وعدوا به، مؤكدين على أنهم وإن كلفهم ذلك عودتهم إلى بيوتهم بحي الملاح، مفضلين في تصريح لـ التجديد الموت السريع بدلا من الموت البطيء، في إشارة إلى الملل الذي أصابهم بسبب سوء الوضعية التي يعيشونها.