ما كاد الرئيس ديمتري مدفيديف يصادق على قرار البرلمان الروسي الاعتراف باستقلال هذين البلدين حتى بدأت الردود تتوالى من مختلف أنحاء العالم. فقد أدان الاتحاد الأوروبي القرار الروسي واعتبر في بيان صدر من مكتب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد، أن هذا القرار يتعارض مع سيادة ووحدة الاراضي الجورجية المعترف بها. من جانبه أعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أن الاتحاد الاوروبي سيتخذ قرارا موحدا في هذا الشأن خلال اجتماعه المقرر الأسبوع المقبل. وأضاف كوشنير قائلا: سنتخذ تدابير محددة خلال اجتماع الاتحاد الاوروبي في الأول من شتنبر وسيتم اعتماد موقف مشترك من قبل الدول السبع والعشرين.. وهذا يبدو بالتأكيد أكثر فعالية.. هناك مقترحات أمريكية للرد وأيضا لمنظمة التجارة العالمية، ومنظمة حلف شمال الاطلسي.. وايضا الرئيس مدفيديف نفسه قال انه كان يرغب في وقف العلاقات مع حلف شمال الاطلسي. لذا، يجب ان يتم درس هذه المسألة بدقة.. ولكن بالتأكيد هذا ليس بالأمر الجيد ونحن ندين بشدة هذا القرار... أما الأمين العام لحلف الناتو ياب دي هوب شيفر فقد رأى أن القرار الروسي يشكل انتهاكا لقرارت مجلس الأمن الدولي، مؤكدا رفض الناتو لهذا القرار. وعبرت منظمة الأمن والتعاون الاوروبي عن رفضها لهذا القرار. كما اعتبرت المستشارة الألمانية أن القرار الروسي غير مقبول..وانضم أيضا وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند إلى الرافضين لقرار روسيا، بل تخطى ذلك ليدعو إلى تشكيل جبهة دولية في مواجهة ما سماه الاحتلال الروسي لجورجيا. الموقف الأمريكي لم يختلف عن المواقف الاوروبية المنددة بالقرار الروسي، فقد وصف البيت الأبيض خطوة روسيا باللاعقلانية وبأنها تزعزع العالم. وقد ترجم الرئيس الامريكي جورج بوش هذا الموقف بقوله إن خطوة موسكو ستؤدي إلى تفاقم التوتر وتعقيد المفاوضات الدبلوماسية. في حين استغلت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مؤتمرها الصحفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي كان مخصصا للحديث عن عملية السلام في الشرق الأوسط، لتندد بقرار موسكو وتشدد على أن أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ستظلان جزءا من الأراضي الجورجية. وأضافت رايس: أنه يعني ببساطة ان الرئيس الروسي يواصل عدم احترام الالتزامات التي وقع عليها الروس، لكنني أريد ان اكون واضحة جدا، انطلاقا من أن الولاياتالمتحدة هي عضو دائم فى مجلس الامن، فإن هذا القرار سيكون ميتا حال وصوله الى مجلس الأمن. وبالتالي وفقا لقرارات مجلس الامن الاخرى التي لا تزال نافذة، فإن ابخازيا واوسيتيا الجنوبية هي جزء من الحدود المعترف بها دوليا لجورجيا، وستظل كذلك. وقد أعطت هذه المواقف الغربية دفعا للقيادة الجورجية فخرج الرئيس الجورجي ميخائيل ساكشفيلي ليعلن رفضه للقرار الروسي، حيث قال: اعتراف روسيا باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبيه غير قانوني بالنسبة إلى جورجيا والمجتمع الدولي.. روسيا ارتكبت العديد من الأخطاء الاستراتيجية اليوم وامس وخلال الأسابيع الماضية، وتسببت باضرار كبيرة يتعذر إصلاحها في إطار حضورها على الساحة الدولية. ومما يجدر قوله إن المجتمع الدولي الذي لم يتحرك لإنقاذ الأوسيتيين الجنوبيين من آلة الحرب الجورجية والعمل على تطبيق القرارات الدولية، يتسابق اليوم لإصدار المواقف المنددة بالقرار الروسي والدعوة إلى وحدة الأراضي الجورجية، وهو المبدأ الذي لم يعتمده في موقفه من كوسوفو. وكان الرئيس الروسي قد دعا في خطاب بثه التلفزيون بقية دول العالم إلى أن تحذو حذو بلاده، وقال إنه لم يكن قرارا سهلا ولكنها الفرصة الوحيدة لإنقاذ أرواح الناس. وأعلن ميدفيديف أنه وقع مرسوم الاعتراف باستقلال الاقليمين. وجاء القرار الروسي بعد يوم من تصويت البرلمان الروسي بمجلسيه بالإجماع على قرار يدعو الرئيس إلى دعم استقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المطالبين بالانفصال عن جورجيا. وافاد مراسل بي بي سي في موسكو ان ميدفيديف قد طلب من الخارجية الروسية إعداد اتفاقية للصداقة مع كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وأعطى أوامره بالاستعداد لإقامة علاقات دبلوماسية معهما واضاف المراسل ان زعيم إقليم أبخازيا الانفصالي سيرجي باجابش طالب في اعقاب القرار الروسي بالتوقيع على اتفاقية للدفاع المشترك مع روسيا، كما طالبت أوسيتيا الجنوبية بإقامة قاعدة عسكرية لروسيا على أراضيها وقال ميدفيديف لـبي بي سي ان روسيا حاولت الحفاظ على وحدة أراضي جورجيا لمدة 17 سنة، ولكن الوضع تغير بعد أحداث العنف الأخيرة، وأضاف أن روسيا أحست الآن بضرورة الاعتراف بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا كما فعلت دول أخرى مع إقليم كوسوفو. من جهته قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في تصريحات للصحفيين إن روسيا ستسحب قواتها من جورجيا فور تحقيق ما أسماه بنظام أمني فعال. وكان الرئيس الروسي أعلن أول أمس الثلاثاء أن بلاده لا تخشى شيئا حتى لو آلت الأمور إلى قيام حرب باردة جديدة مع الغرب، مؤكدًا في الوقت نفسه أنها لا تريد هذه الحرب. وقال الرئيس الروسي لقناة روسيا اليوم بنسختها الإنجليزية: لسنا نخشى شيئًا. (حتى لو كان) اندلاع حرب باردة. بالتأكيد نحن لا نريد هذا. وأضاف: في هذه الحال كل شيء رهن بشركائنا، بالمجتمع الدولي وبشركائنا في الغرب، مؤكدًا أنه إذا أراد الغربيون المحافظة على علاقات طيبة بروسيا فهم سيفهمون أسباب قرارنا الاعتراف باستقلال جمهوريتي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا عن جورجيا. وجدد الرئيس الروسي تأكيده أن بلاده طبقت بالكامل خطة السلام التي توسط فيها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بما يتعلق خصوصًا بانسحاب القوات الروسية من جورجيا. وكانت روسيا قد أجلت زيارة كانت مقررة لمبعوث حلف شمال الأطلسي (الناتو) الى موسكو. وصرح مبعوث روسيا الى الناتو ديميتري روجوزين في حديث أدلى به الى صحيفة ار بي كي اليومية أن أجواء السياسة الأوروبية تذكر بالتوتر الذي كان سائدا في أوروبا عشية الحرب العالمية الأولى. وكان روجوزين قد استدعي الى موسكو للتشاور عقب قرار الناتو تجميد الاتصالات المنتظمة مع روسيا بعد أن قامت الأخيرة باحباط محاولة جورجيا استعادة اقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي بالقوة. وقال روجزين انه لن تكون هناك مناورات عسكرية مشتركة مع الناتو، وأضاف انه سيكون من المفيد تجميد التعاون بين قوات روسيا والناتو في مهام حفظ السلام لمدة ستة شهور على الأقل، ولكنه أكد أن التعاون في أفغانستان سيستمر في الوقت الحاضر.