كتب الصحفي ألفريد كونتسكيو لوكالة أسوشيتيد بريس أول أمس مقالا إخباريا بعنوان الأذان يقسم المغاربة، ليقع ترويجه على نطاق عالمي واسع أقله أن موقع القناة الأمريكية إي بي سي نيوز أقدم على نشر مقال الوكالة وفتحه للمناقشة، وأعاد المقال بحث ما أثارته تصريحات الوزيرة نزهة الصقلي في اجتماع سابق للمجلس الحكومي قبل شهور، مركزا على قضية الصوت المرتفع للآذان، وذلك بعد أن امتنعت الوزيرة عن الكشف عن مضمون حديثها داخل المجلس ومكتفية بالقول بأنه تم تشويه كلامها ، وحصول اقتطاع له من سياقه وتوظيف في غير محله. توقف المقال بشكل كبير عند مخاوف نخبة سماها بليبرالية متغربة، من أن يزعج صوت الآذان المرتفع السياح الأجانب ويضطرهم إلى تغيير وجهتهم بعيدا عن المغرب، بل إنه مضى أبعد من ذلك، واعتبر الجدل الذي قام حول صوت الآذان في المغرب يعكس في حقيقته الهوة الصارخة التي تزداد عمقا بين حكومة تتطلع نحو الحداثة، وبين مطالب موجات الإسلام السياسي، ولم يفت المقال، كعادة عدد من الكتاب الغربيين، أن يذكر بأن الاحتكاكات التي انطلقت حول الآذان تجري في بلد يعتبر معتدلا في تدبيره لشؤون الدين، كما يعتبر حليفا للولايات المتحدةالأمريكية، في الوقت الذي تظهر فيه مخاوف من أن تؤسس القاعدة لوجودها في شمال إفريقيا، والأغرب من ذلك كله، أنه قدم الوزيرة نزهة الصقلي والدور الذي تقوم به في النهوض بحقوق المرأة وإسهاماتها باعتبارها تمثل النموذج المجتمعي المتطلع نحو الحداثة والمساواة والانفتاح، في مقابل النموذج المجتمعي المنغلق الذي يمثله الأصوليون، ولهذا السبب تم استهدافها على خلفية الآذان. ولم يفت الكاتب أن يعزز الموقف يالاستشهاد برأي للباحث الفرنسي في الحركات الإسلامية ليفي روي الذي اعتبر فيه صوت الآذان بالشكل المعروف في المغرب اليوم إنتاجا وهابيا مستقدما من السعودية، وأن الزائر للمغرب قبل ثلاثين سنة لم يكن يسمع بالكاد الآذان وتداعى روي إلى تفسير ثان لمسألة الجهور بالأذان في المغرب، معتبرا أن تطور التكنولوجيا في المجال السمعي أعطى الفرصة لأئمة المساجد للتنافس فيما بينهم لملأ مساجدهم بالمصلين. أول ملاحظة تبدو للناظر في هذا المقال هي الربط بين الحداثة وبين الدعوة إلى خفض صوت الأذان، فقد صور المقال ما جرى من جدل في موضوع الأذان على أساس أنه صراع بين جبهتين، جبهة الحداثة ويمثلها المنشغلون بمصير السياح والقلقون من أن يترك هؤلاء المغرب بسبب الأذان، وجبهة الانغلاق والرجعية، والتي تتمسك بالقيم الإسلامية حتى ولو تعلق الأمر بإزعاج السياح، وهو تفسير لا أساس له من الواقع، إذ إن الوزيرة نفسها، وهي التي سوقت كنموذج للاعتدال في المقال، قالت في بلاغ رسمي إنها لا تقول بمنع الأذان قرب الإقامات السياحية، وأنه لا يتصور ذلك من وزير يشتغل في ظل حكومة أمير المومنين ولم يظهر في صفوف النخب التي يسميها المقال متغربة من مناصر لضية منع الأذان أو خفص صوته، فكيف بالحديث عن تقسيم الأذان للمغاربة إلى جبهتين!، ورغم التوضيحات التي صدرت عنها فإن الموضوع مستمر في إثارة الإعلام العالمي وتشويش صورة المغرب. الملاحظة الثانية، وتتعلق بالسياق، فالمقال استغرب كيف يحدث هذا في بلد معتدل في تدبير شؤونه الدينية، وحليف للولايات المتحدةالأمريكية، لينتقل للحديث عن تفكير القاعدة في تأسيس وجودها في شمال إفريقيا، وهنا يبرز التساؤل، وما علاقة الأذان بالقضية، وهل يفت من اعتدال المغرب أن يبقي على صيغة الأذان كما عرفت تاريخيا عند المالكية، وكما تسطرت في دليل الإمام؟ وما علاقة امتداد تنظيم القاعدة بشمال إفريقيا بقضية الأذان؟ المشكلة أن بعض الكتابات الغربية درجت على اعتبار كل دفاع عن مظهر من مظاهر الدين وكأنه تأكيد لمواقع الجماعات المسلحة، في حين أن التمييز ينبغي أن يكون واضحا بين ما يحسب على رصيد الدين وما يعتبر من تمثلات الجماعات المسلحة، وهو نفس الخطأ الذي ارتبكه الباحث ليفي روي، حين اعتبر صيغة الأذان المغربي، إنتاجا وهابيا مستقدما من العربية السعودية، في حين أن أبسط الأدبيات في تاريخ الإسلام وحضارة المسلمين، فضلا عن كتب الفقه تؤكد أن الأمر يتعلق بالدين وليس باجتهاد جماعات تقدم قراءتها للدين، وما يثير التعجب في تفسير روي، أنه اعتبر مسألة صوت الأذان قضية تنافس بين الأئمة للزيادة في عدد المقبلين على المساجد، وهو تفسير أسوأ من الأول، وأبسط ما يقال عنه إنه خارج السياق تماما. والحقيقة أن صاحب المقال، وهو يجتهد في البحث عن عينة من المغاربة لتأكيد فرضية تقسيم الأذان للمغاربة بين جبهة معتدلة تتطلع للانفتاح، وبين جبهة رجعية منغلقة، نسي أن يقلب الصورة، ويحرك مهارته المهنية، لينظر إلى الفرضية بل الحقيقة المقابلة، وهي أن الأذان يجمع المغاربة ولا يفرقهم، وبالمناسبة، فشهر رمضان قادم، ويمكن التحقق من هذه الفرضية بشكل جيد.