في مجتمع يتآمر الناس فيه على قتل الوقت، ويبحثون عن فين إدوزوا الوقت يكون تدبير الوقت فيه آخر ما يمكن أن يثير الاهتمام. وكل مشروع لتنظيم الوقت أو تدبيره مهما نبلت أهدافه يواجه أوتوماتيكيا بمقاومة شرسة. وهذه المقاومة لا تتعلق بالأفراد فقط بل نجدها متجدرة في مؤسسات الدولة نفسها. آخر صيحة في هذا الباب تتعلق بإضافة ساعة إلى التوقيت الرسمي للملكة، وقد سمي من قبل بالتوقيت الصيفي. بالنسبة للأفراد يمكن تفهم دواعي المقاومة، فهي تتعلق في جزء كبير منها، من جهة ، بفرض الاستيقاظ المبكر بخصم ساعة من حصة النوم الصباحي اللذيذ ومن جهة ثانية، بفرض نوع من التناقض بين العادات المرتبطة بضوء الشمس والتي يكون أغلبها مرتبط بفضاءات خارج البيت وبين العادات المرتبطة بالليل الذي يجد الناس حصته المعهودة قد تقلصت بفعل تقدم الزمان المألوف بساعة كاملة. ولكن لماذا الزيادة في الوقت؟ من الصعب أن يدرك الناس جدوى التوقيت الصيفي ما دامت مؤسسات الدولة لا تؤمن به. فالتوقيت الصيفي ،بما هو أسلوب في تدبير استهلاك الطاقة، ليس جديدا بل اعتمده المغرب مرتين الأولى في صيف 1981 والثانية في صيف .1989 لكن لماذا اعتمد مرتين فقط في ظرف 27 سنة، مع العلم أن المبررات التي تطرحها الحكومة الحالية هي نفسها التي طرحتها حكومات الثمانينات؟ هل كنا في غنى عن اقتصاد الطاقة ؟ تتحدث الجهات المعنية اليوم عن اقتصاد 5 ملايين درهما بتطبيق التوقيت الصيفي ولكن لا يتحدث أحد عن من المسؤول عن إضاعة أكثر من 100 مليون درهما بعدم تطبيق النظام في كل السنين الماضية؟ إن موضوع تدبير الوقت في المغرب سواء تعلق الأمر بالتوقيت المستمر أو بالتوقيت الصيفي يظهر بكل وضوح أنه لا يدخل ضمن إستراتيجية الدولة بقدر ما يخضع لتقلبات أمزجة الوزراء في الحكومات المتعاقبة وإلا كيف نفسر التردد والاضطراب اللذان صاحبا، وما يزالان ، اعتماد النظامين معا ؟ وعموم المواطنين، فيما يتعلق بالتوقيت الصيفي، يجدون أنفسهم تحت نظام فرضته الإدارة لا أقل ولا أكثر. وفي أجواء الزيادات الشاملة للأسعار لا يكون لزيادة ساعة إلا دلالة يعبر عنها الناس عنها بالقول: حتى الساعة زادوا فيها. ويضحكون من النظام الجديد حين يختلفون حول المرجع في مخالفة موعد ما بالقول واش بالساعة القديمة ولا بالساعة الجديدة؟ ذلك أنه في ثقافة قتل الوقت تكون وحدة قياس مخالفة المواعيد وأوقات العمل هي الساعة وليس الدقيقة والثانية، ويميل غالبية هواة التأخر في العمل إلى اعتماد التوقيت القديم في الحضور إلى العمل والتوقيت الجديد في الخروج منه. ويقترح أحد الفضلاء على الحكومة حلا لمثل هذه المشاكل، ، انسجاما مع المنطق السائد وقياسا على نظام السلم المتنقل للأجور، يتمثل في اعتماد التوقيت الصيفي المتنقل. وهو نظام يجمع بين تحقيق راحة المواطنين وبين تحقيق أهداف الحكومة الاقتصادية والدبلوماسية. ومعناه بسيط جدا، فبدلا من نظام جامد على مدى 3 أشهر، يتميز النظام الجديد بالحيوية فهو يتطلب إضافة الساعة بعد الثانية عشر زوالا من كل يوم وخصمها في الثانية عشرة من منتصف الليل ؟ وبالطبع هناك ضياع ساعة عمل يوميا، لكن يمكن التفاهم عليها مع الموظفين في الإدارات العمومية مقابل التزامهم بالتوقيت الجديد في الحضور والخروج من العمل لفرض نوع من الوضوح يسمح للمواطنين من قضاء أغراضهم الإدارة بكل يسر. وعلى كل حال وفي إطار المنطق السائد حول الوقت وقيمته لا تهم تلك الساعة الضائعة ويمكن اعتبارها صدقة من حكومة عباس الفاسي على المواطنين بمناسبة الزيادة الشاملة في الأسعار.