عندما دخل رئيس الوزراء الموريتاني في جولة من المفاوضات مع الأحزاب السياسية كان الإسلاميون في موريتانيا في جولة نقاش داخلية ساخنة يهيئون من خلالها أرضية التفاوض وما هي القضايا التي ستكون مرجحة لخيار المشاركة والقضايا التي ستدفعهم إلى التخلي عن هذا الخيار. لم يكن حزب التجمـع الوطني للإصلاح والتنمية - الصيغة الجديدة للإسلاميين في موريتانيا، وهو يهيئ قرار المشاركة يعتبر قضية قطع علاقة مع الكيان الصهيوني شرطا للدخول في الحكومة، وإنما اعتبرها جزءا من أرضية تفاوضه إلى جانب قضايا الهوية ( تعزيز المرجعية الإسلامية ودعم اللغة العربية) وقضايا الوحدة الوطنية وتعزيز الخيار الديمقراطي، وقضية تحسين المستوى المعيشي للشعب الموريتاني. قضايا صرح جميل بن منصور الوجه البارز في الحركة الإسلامية الموريتانية ورئيس حزب (تواصل) بأنه كسب بعضها في الحوار التفصيلي مع رئيس الحكومة، ولم ينجح في كسب بعضها الآخر في إشارة إلى ملف العلاقة مع إسرائيل، لكنه أكد في نفس الوقت أن ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس موضوعا في أجندة الإسلاميين الموريتانيين وأن قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني سيظل مطلبا ملحا لن يتخلى عنه حزب تواصل حتى وهو مشارك في الحكومة، وهو ما يعني إحداث ثقب في الموقف الحكومي من العلاقة مع الكيان الصهيوني يمكن أن يتوسع حتى يصبح قرار قطع العلاقة مع هذا الكيان أمرا متوقعا خاصة بعد تهديد حزب الفضيلة ذي التوجه القومي الإسلامي بإنهاء وجوده في حكومة موريتانيا الجديدة إذا لم يتم الإسراع في وضع حد للعلاقات التي تقيمها موريتانيا مع إسرائيل، وبعد أن دعا رئيس مجلس النواب الموريتاني مسعود ولد بلخير- رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي- إلى طرد السفير الصهيوني وإغلاق سفارة إسرائيل في بلاده، وإنهاء الحالة الشاذة والمرفوضة والمتمثلة في وجود علاقات دبلوماسية متبادلة بين موريتانيا وإسرائيل. يبدو واضحا أن قيادة حزب (تواصل) أيقنت من خلال قراءتها للوضع السياسي الموريتاني أن قرارا في هذا الحجم والذي قد يبدو سهلا وعاديا إلا أنه بموازين السياسة ومنطقها يحتاج إلى أن ترتب خطوات متلاحقة ومتدرجة خاصة وأن الحكومة لم يمض على تشكيلها وقت طويل، وأن لكل قرار وقته وحيثياته وشروطه التي ينبغي أن تهيا سياسي، ولذلك لم ترجح خيار البقاء في موقع المعارضة، وفضلت أن تكسب الجولة أولا على مستوى قضايا الهوية والوحدة الوطنية وتعزيز الخيار الديمقراطي ورفع المعاناة عن الشعب الموريتاني في معيشته حتى تهيئ شروط الجولة الجديدة، وهي جولات متواصلة بحيث لا يمكن الفصل بين المسار الديمقراطي ومسار قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني، إذ كلما تعزز الخيار الديمقراطي في موريتانيا كلما صار للشعب إمكانية أن يقول كلمته في هذه القضية ويحسم القرار في هذا الاتجاه أو ذاك، ولقد سبق للرئيس الموريتاني أن صرح بأنه سيعرض قضية العلاقة مع إسرائيل للشعب ليقول فيها كلمته، وهو ما يعني أن الحركة الإسلامية الموريتانية بتأكيدها على خيار تعزيز الخيار الديمقراطي وبتأكيدها على الوحدة الوطنية وتعزيز مكوناتها تكون قد خطت الخطوة الأساسية والضرورية في ترتيب قرار قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني، وهو ما فهمه إسلاميو المغرب بتعدد أطيافهم، ولم يعتبروا موقف الحركة الإسلامية الموريتانية المشاركة في حكومة لم تقرر قطع علاقتها مع الكيان الصهيوني أمرا مستنكرا سياسيا، بل تم اعتبار الموقف خطوة إيجابية ومثمنة، فقد صرح الدكتور سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بأن مشاركة (تواصل) تعتبر كسبا للمغرب بحكم المواقف الإيجابية لهذا الحزب من تطوير العلاقات المغربية لموريتانيا ولقضايا المغرب الوطنية، وأن حزبه سيبذل جهده ليستمر في التواصل مع النخب السياسية الموريتانية لما فيه مصلحة البلدين، أما قيادي العدل والإحسان عبد العالي مجدوب فقد ثمن قرار المشاركة واعتبرهذه الخطوة إيجابية بعد هذه التجربة الديمقراطية الفريدة، وبعد تسليم العسكر لمقاليد السلطة للمنتخبين الشرعيين، وبعد خضوع العملية الديمقراطية للقواعد العامة في أصولها وأضاف القيادي في العدل والإحسان: إن هذه المشاركة جاءت لتثبت المبدأ الغالب عند الحركات الإسلامية في المغرب العربي وهو المشاركة تثمين وإن اختلفت تعليلاته بين العدل والإحسان والعدالة والتنمية إلا أنه يعكس نفس الهموم التي تؤطر مركز تفكير الحركة الإسلامية، فهموم العدل والإحسان تسلط الضوء على المعادلة السياسية الداخلية التي تتطلب حسب رؤيتها المعيارية السياسية وجود تجربة ديمقراطية حقيقية، وخضوع هذه العملية الديمقراطية للقواعد العامة في أصولها وهي شروط في نظر عبد العالي مجدوب ستثبت خيار المشاركة المبدأ الغالب عند الحركات الإسلامية في المغرب العربي وهموم العدالة والتنمية المغربي تسلط الضوء على المعادلة الخارجية والضغوط التي تمارس على الأنظمة السياسية في المنطقة المغاربية لمنع مشاركة الإسلاميين في الحكومة، ولذلك جاء التثمين من قيادة الحزب باعتباره يمثل إحداثا لثقب كبير في جدار العزلة المفروضة على الإسلاميين مغاربيا، وفي نفس الوقت تلميح بإمكانية لعب الحركة الإسلامية المغاربية دورا مهما من خلال استثمار صلاتها الحركية من أجل تطوير العلاقات بين دول المنطقة والدفاع عن القضية الوطنية، وبغض النظر عن الانتقادات التقليدية التي يمكن أن تصدر من بعض الجهات الإسلامية في حق الحركة الإسلامية الموريتانية، فإن مشاركة الإسلاميين في الحكومة الموريتانية بمقاييس المعادلة السياسية الإقليمية سيكون لها تداعياتها على وضع الحركة الإسلامية في المنطقة المغاربية، وستحدث ثقبا في جدار العزل التي تفرضه النظم السياسية في المنطقة على الحركات الإسلامية، وستعطي صورة إيجابية عن تجربة ديمقراطية في المنطقة تلعب فيها الحركة الإسلامية دورا كبيرا على مستوى تعزيز الوحدة الوطنية وتكريس خيار الديمقراطية، هذا فضلا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الصلات بين الحركات الإسلامية في المنطقة في دعم الاستقرار وتعزيز الفكر والتجربة الوسطيين وإثراء التجربة السياسية الديمقراطية في المنطقة، والمساهمة في تقريب وجهات النظر بين بلدان المنطقة