انتهى إسلاميو موريطانيا - حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية - بعد نقاشات داخلية ساخنة إلى قرار المشاركة في الحكومة، واتجهت مفاوضاتهم التفصيلية مع رئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الواقف في محورين: الأول خاص بتوجهات الحكومة والعناوين السياسية التي سترفعها، ويتعلق الثاني بعدد المقاعد التي سيحصل عليها الإسلاميون. فعلى المستوى الأول، وحسب محمد جميل ولد منصور رئيس تواصل وأحد المدافعين عن خيار المشاركة، فإن حزبه نجح في أن يكسب في مفاوضاته ثلاث قضايا: تتعلق الأولى بالهوية من خلال تعزيز المرجعية الإسلامية ودعم اللغة العربية، وتتعلق الثانية والثالثة بالمستوى السياسي من خلال دفع جهود المصالحة الوطنية وتكريس الديمقراطية، بينما فشل حزبه في انتزاع أحد مطالبه المتعلقة بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهو مطلب أكد جميل بن منصور بأن حزبه لن يتخلى عنه تحت أي ظرف من الظروف. أما على المستوى الثاني المتعلق بعدد المقاعد، فيبدو أن إسلاميي موريطانيا اكتفوا بمنصبين وزاريين داخل حكومة يبلغ عدد وزرائها ثلاثين وزيرا، وهو ما يعني أنهم لم يشتطوا كثيرا في التفاوض على هذا الصعيد. موقف سيثير، بلا شك، جدلا كبيرا داخل الأوساط الحركية الإسلامية حول المكاسب التي يمكن أن تحققها الحركة الإسلامية من جراء مشاركة مقدرة في حكومة لم تعلن قطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وسيفتح النقاش واسعا حول رؤية الإسلاميين للمشاركة في الحكومة ليس فقط بالنظر إلى السياقات السياسية المحلية، ولكن أيضا بالنظر إلى المنطقة المغاربية ككل، وموقع الحركة الإسلامية فيها. الجديد في طريقة الإسلاميين في موريطانيا هو المسلكية السياسية التي اعتمدوها في الترجيح بين الأجندات السياسية التي وضعوها كإطار لممارستهم السياسية، فقد أنتج النقاش السياسي داخل حزب حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية أرضية للتفاوض من أجل المشاركة في الحكومة، وأن نتيجة المفاوضات أكسبت الحزب بعضا من هذه الأجندة، وتأجيل البعض الآخر، وأن المهم فيما لم يتحق أن الحزب لن يتخلى عن مطلبه وأن التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس على أجندته السياسية. لكن المكسب الكبير، والذي يبدو أن إسلاميي موريطانيا لم يتحدثوا عنه في خطاباتهم السياسية، هو تداعيات المشاركة على وضع الحركة الإسلامية في المنطقة المغاربية، والثقب الذي سيتم إحداثه في جدار العزل التي تفرضه النظم السياسية في المنطقة على الحركات الإسلامية، والتأسيس لتجربة جديدة في المنطقة تلعب فيها الحركة الإسلامية دورا كبيرا على مستوى تعزيز الوحدة الوطنية وتكريس خيار الديمقراطية ، هذا فضلا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الصلات بين الحركات الإسلامية في المنطقة في دعم الاستقرار وتعزيز الفكر والتجربة الوسطيين وإثراء التجربة السياسية الديمقراطية في المنطقة، والمساهمة في تقريب وجهات النظر بين بلدان المنطقة. موريطانيا تقدم إذن درسا جديدا بعد درسها الديمقراطي، لكن هذه المرة، الذي يقدم الدرس هم الإسلاميون الذين أعربوا في رؤيتهم عن مستوى راق من المرونة في التعاطي مع القضايا السياسية بما في ذلك الحساسة منها، وأبانوا في منهجهم ومسلكيتهم السياسية على نضج العقل السياسي الحركي وأنه أحدث نقلات نوعية بعيدة، وأصبح يشتغل بأدوات السياسة التي لا تؤمن بالكسب الكامل، وإنما تتوافق، قد تكسب من حيث الإجمال وتخسر جزئيا، لكنها ترتب جولات أخرى من الفعل والمبادرة السياسية لكسب ما تبقى من أجندتها السياسية.