تلقى العديد من الفعاليات السياسية الإسلامية بالمغرب قرار المشاركة الحكومية للتجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي بموريتانيا، والمعروف اختصارا بـ تواصل بموقف مزج بين الدعم والاعتبار، بسبب تسجيل سبق لم يكن متوقعا توقيتا ومكانا وصيغة. في السابق، أحرجت موريتانيا النظام العربي بتحقيقها انتقالا ديمقراطيا متقدما، في الوقت الذي كانت فيه المنطقة في حالة ارتداد وتراجع. وهي اليوم تُحدث نفس الموقف بانفتاحها على قطاع من الحركة الإسلامية، وذلك في توقيت يتسم بسياسة مضادة لهذا الانفتاح، بلغت حد انتهاج آليات قمعية مباشرة مثل ما حصل مع المحاكمات العسكرية الأخيرة للإخوان المسلمين بمصر، وإبداع أشكال جديدة من التحكم في المشاركة الانتخابية بما يحول دون امتلاك القدرة على التأثير في الحياة السياسية، مثل ما حصل في الأردن وقبله المغرب، دون إغفال الحالة التركية حيث يتم التحضير لما يسمى بانقلاب قضائي على تجربة العدالة والتنمية الناجحة في التدبير، مع الإشارة إلى الاستثناء الجزائري حيث تشارك حركة مجتمع السلم (حمس) في العمل الحكومي منذ سنوات، إلا أن لهذا الاستثناء خصوصية دالة، إذ كانت المشاركة ضمن ملابسات جد خاصة ارتبطت بقضية الوئام ومخلفات الحرب الداخلية، ولهذا كانت آثاره محدودة على مجمل السياسات العربية تجاه الأحزاب الإسلامية. بكلمة، إن قرار مشاركة إسلاميي موريتانيا جاء ليُحدث ثقبا في جدار متنام قائم على سياسة تحجيم صارم للأحزاب السياسية والتوجهات ذات المرجعيات الإسلامية. أما من حيث المكان، فهذا القرار جاء من بلد يقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وهذه نقطة كانت كافية بالنسبة للإسلاميين لتبرير الإحجام عن أية مشاركة حكومية، خاصة أن التجربة الملهمة لهم، وهي التجربة المغربية، سبق لها أن طرحت هذه الورقة ضمن عناصر أخرى للاستنكاف عن مشاركة حكومية بعد انتخابات ,2002 وذلك بدعوى عدم القبول بالوجود ضمن حكومة ستقوم باستئناف العلاقات مع إسرائيل. إلا أن المهم استحضاره هو أن جزءا أساسيا من الحركية الاجتماعية والسياسية للحركة الإسلامية المعتدلة في موريتانيا ارتبط بمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ثم جاءت قيادة تواصل لتعلن أن موضوع التطبيع ليس ضمن المجال الحكومي رغم إصرار الحزب على طرحه أثناء التفاوض، وأن أساس المشاركة هو تعزيز المرجعية الإسلامية، واللغة العربية، والانخراط في معالجة قضايا الناس والتطور الديمقراطي. ما سبق يجرنا إلى عنصر المفاجأة الثالث، والمرتبط بصيغة المشاركة التي لم تتجاوز المقعدين ضمن تكتل حكومي فاق الثلاثين، وعلى أساس برنامج وطني محكوم بالهم الموريتاني الداخلي أكثر منه الخارجي. وهو ما يذكر ببدايات التجربة المغربية، وتحديدا قبل عشر سنوات، عندما عرض رئيس الوزراء السابق عبدالرحمن اليوسفي عام 1998 على حزب العدالة والتنمية (آنذاك كان يحمل اسم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) المشاركة بمقعد أو مقعدين في حكومة التناوب التوافقي، واعتذر الحزب مفضلا موقف المساندة النقدية، ثم ما لبث أن تبنى موقف المعارضة في سبتمبر .2000 وكان هناك عرض ثان عام ,2002 إلا أنه في عام 2007 لم يقدم أي عرض، رغم تقدم الحزب لاحتلال الموقع الأول من حيث عدد الأصوات. بمعنى أن الدرس المغربي كان واضحا في أن المشاركة تكون سلسة في البدايات، ليس لحسن نية الطرف الآخر، فالتدافع السياسي لا مجال فيه لذلك، ولكن لكون الإدماج يساعد على ضبط التوازن السياسي العام وخاصة في المراحل السياسية الانتقالية ، وهو ما برز في الحالة المغربية مرتين الأولى مع حكومة التناوب التوافقي والثانية مع مجيء الملك محمد السادس ودخول المغرب في مرحلة انتقالية تقتضي مشاركة الجميع، إلا أن الحزب تردد وكان الثمن مكلفا بعد تفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، ليتشكل منطق جديد في العلاقة معه، اتسم باعتماد سياسة تحجيم متنامية جعلت من شروط مشاركته تزداد صعوبة وتعقيدا. وهو ما نعتبر أن التجربة الموريتانية استوعبته جيدا، خاصة وأن البلد في مرحلة انتقالية هو الآخر، وككل المراحل الانتقالية تنشأ فجوات وفرص ينبغي استثمارها قبل فوات الأوان. ما حصل في موريتانيا يثبت من جديد صوابية المنهج المغربي من الناحية النظرية والقائم على مبدأ المشاركة المتدرجة والمحدودة. ورغم نجاح هذا المنهج في تقديم نموذج جزئي في الحالة المغربية، إلا أن التجربة الموريتانية كشفت عن نجاح ثان وربما أكبر، بحيث أن الإسلاميين الموريتانيين فتحوا مسلكا جديدا، سيكون له ما بعده في الفكر والممارسة السياسيين عند التيارات الإسلامية المعاصرة.