ليموري رئيسًا لمجموعة "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع" والبوطاهري نائبا رابعا    قضية بنعيسى آيت الجيد: غرفة الجنايات الاستئنافية بفاس تؤجل محاكمة عبد العالي حامي الدين إلى 25 يناير المقبل    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    برنامج الجولة الخامسة من دوري أبطال أوروبا    توقعات احول الطقس : غيوم وانخفاض درجة الحرارة بالشمال    توقيف سيدة وشخص آخر بشبهة ترويج المخدرات و"القرقوبي" بسلا    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تقرر التصعيد ردا على تنكر الحكومة ل"التزامات الحوار الاجتماعي"    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر        الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    الجزائر.. محامي صنصال يعلن مثوله أمام وكيل الجمهورية اليوم الإثنين    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية يطالب الوزارة الوصية بالإسراع في أجرأة الاتفاقات    ياسمين بيضي.. باحثة مغربية على طريق التميز في العلوم الطبية الحيوية    نقابة: مشروع قانون الإضراب تضييق خطير على الحريات وتقييد للحقوق النقابية    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر        تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    الاشتراكي الموحد يرحب بقرار اعتقال نتنياهو ويصفه ب"المنصف لدماء الشهداء"    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..        الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مجميل منصور الأمين العام ل"الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني والدفاع عن القدس"
نشر في التجديد يوم 21 - 05 - 2004

الأستاذ محمد جميل منصور الأمين العام لالرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني والدفاع عن القدس لالتجديد": الموريتانيون مجمعون على رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني
الأستاذ محمد جميل ولد منصور غني عن التعريف في الوسط الموريتاني، فهو ناشط إسلامي بارز وأحد أهم العناصر القيادية في حزب تكتل القوى الديمقراطية، أكبر حزب معارض، وهو مؤسس الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني والدفاع عن القدس في موريتانيا الذي يتولى حاليا أمانته العامة. انتخب جميل منصور عمدة لإحدى أهم مقاطعات العاصمة نواكشوط وهي بلدية عرفات، ثم رفعت عنه الحصانة، ليتم اعتقاله في حملة ضد الإسلاميين، شهدتها البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة. غادر جميل موريتانيا من السجن، يوم المحاولة الانقلابية الفاشلة في ماي السنة الماضية، وحصل على اللجوء السياسي في بروكسيل، وأسس فيها المنبر الموريتاني للإصلاح والديمقراطية، وهو جمعية سياسية معارضة تتخذ من بلجيكا مقرا لها، ثم قرر العودة من ملجئه السياسي في أوروبا إلى موريتانيا، ليعتقل من جديد.
تعرض ولد منصور للاعتقال مرات عديدة من طرف النظام الموريتاني، إذ اعتقل في أزمة الإسلاميين سنة 2003 علي رأس أئمة وعلماء ورموز الحركة الإسلامية في موريتانيا، في قضية ما عرف بتجمع الأقصى، وفي سنة 2001 وأيضا في ,1994 وأخيرا اعتقل بعد عودته من ملجئه السياسي قبل أن يطلق سراحه بحرية مؤقتة.
التقت التجديد الأستاذ منصور على هامش حضوره المؤتمر الوطني الخامس لحزب العدالة والتنمية فكان معه الحوار الشامل التالي الذي تطرق للعديد من القضايا العربية والإسلامية والإقليمية والوطنية، بما في ذلك القضيتان الفلسطينية والعراقية ومقاومة التطبيع والموقف من الصحراء المغربية والتنافس الفرنسي الأمريكي على شمال إفريقيا، وقضايا أخرى. وفي ما يلي نص الحوار
أنتم من النشطاء في مجال مقاومة التطبيع، ما مدى استجابة الشارع الموريتاني لهذه الدعوة؟ وكيف ترون واقع رفض التطبيع في الوطن العربي والإسلامي؟
رغم فقر المجتمع الموريتاني العائد إلى سياسات التفقير وسوء التدبير والتسيير، لأنه عنده خيرات كثيرة، ورغم وضعيته البدوية، ورغم مستوياته من التخلف فإن سكان موريتانيا مجمعون على رفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولذلك ظل التطبيع منحصرا في النخبة، سواء النخبة الحاكمة أو لوبيات الفساد المتعاملة معها، ولذلك الشعب الموريتاني عبر عن ذلك في أكثر من مظهر وكان أخر تعبير هو الصورة الجميلة التي تركها التجمع الذي وقع في جامع أسامة بن زيد، بعنوان: موريتانيا تنعي الشيخ أحمد ياسين في الشارع الموريتاني، والذي حضره كل الموريتانيين، بالإضافة إلى المسيرة التي أعقبته إثر الاعتداء على حزب التقدم، فضلا عن المسيرة الشعبية العارمة التي شاركت فيها كل الأطياف وأكدت أن موريتانيا مجمعة على هذا الموقف.
ما هي التنظيمات المؤطرة لهذا لتحرك؟
هناك الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني والدفاع عن القدس الذي أتولى أمانته العامة، وهناك الجبهة الديمقراطية لمقاومة التطبيع واللجنة الموريتانية لمقاومة التطبيع بالإضافة إلى الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمدنية التي تقوم بهذا الدور أيضا حسب طاقاتها وإمكاناتها. وقبل هؤلاء وبعدهم العلماء والأئمة الذين أفتوا وخطبوا بمقاومة التطبيع واعتبروها قضية تمس الثوابت.
تمت اعتقالات في صفوف العلماء، السنة الماضية إثر فتواهم بمقاطعة التطبيع، أين وصل هذا الملف؟
اعتقل هؤلاء العلماء في إطار حملة على التيار الإسلامي، لكنهم ما زالوا مواصلين لموقفهم، وأحدهم وهو أشهرهم وأبرز وجه إسلامي في البلد، الشيخ محمد الحسن ولد الددو، أصدر فتوى معروفة من جانبه تحرم العلاقات مع الكيان الصهيوني، وفتوى توجب مقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونية، وبالتالي مازالوا يؤدون دورهم، ونرجو أن يكون هذا الدور في المراحل المقبلة أكثر فعالية.
أما في ما يتعلق بالشق الثاني من سؤالكم فاعتقد أن الأنظمة العربية لم تقم بجهد فعال في هذا المجال، وهذا أمر منتظر على اعتبار أن الأنظمة العربية أصبحت مرتهنة في قراراتها بالولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت تبعا لذلك تخشى القيام بما يمكن أن يغضب السيد الأمريكي. لكن إلى جانب هذا دعني أتناول معك وجها آخر لو فعل، ووسع مجاله لكان تأثيره كبيرا، وأقصد بذلك المقاطعة الشعبية للبضائع الأمريكية والصهيونية. وأتذكر أنه في إحدى الحملات الشعبية للمقاطعة كان التأثير كبيرا، وذا معنيين كبيرين: الأول اقتصادي يهدف إلى تقليل المتعاملين مع هذه البضائع وبالتالي إلحاق بعض الخسائر الاقتصادية بأصحابها. وبالرغم من أن هذه الخطوة تعتبر محدودة نظرا لأن هذه المواد يمكن أن تجد لها أسواقا أخرى في عوالم أخرى ، إلا أنه مع ذلك تبقى خطوة جديرة بالاهتمام لأن كل ما من شأنه أن يلحق أضرارا بهذه البضائع فإنه لا يستقل قليله. وأما الثاني فهو معنوي، من شأنه أن يبعث نوعا من الحيوية في جدوى مقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونية، ويقوي إرادة العالم العربي والإسلامي في تفعيل خيار المقاطعة.
ونأسف أنه في الآونة الأخيرة تراجعت هذه المقاطعة، بل إنك تجد في مجالس اجتماعات إخواننا من أنصار المقاطعة منتوجات أمريكية صهيونية مثل الكوكا كولا وغيرها، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر لنعيد للمقاطعة بعدها الإفتائي(من الفتوى) حيث يحرم التعامل مع هذه البضائع، وبعدها السياسي بأن تتواصل وتتوسع، دون أن ننسى البعد الثالث المتمثل في قدرة قيادات العمل الشعبي على مقاطعة هذه المنتوجات.
وأقترح في سياق الحديث عن إعادة تفعيل المقاطعة اختيار بضاعتين أو ثلاث من البضائع الأمريكية الصهيونية للتركيز عليها، ذلك أن توسيع لائحة هذه المواد بشكل كبير من شأنه أن يفقد السيطرة على ما تخلفه مقاطعة هذه المواد من مشقة. وكم أصبت بإحراج شديد عندما وجدت في بلجيكا رجلا وزوجته يتحاشان شراء منتجات صهيونية. وبالتالي فحينما نرى تجليات للمقاطعة في المجتمع الغربي نفسه فإن هذا الأمر يضيف إلينا تحديات جسام أخرى ويجعلنا مضطرين لتفعيل المقاطعة على الفور ى على التراخي
يبدو أن المقاطعة الشعبية لكل المنتوجات الغربية، وهي مقاطعة لا تحتاج إلى قرار سياسي بقدر ما تحتاج إلى إرادة شعبية، لم تعط نتائجها المتوخاة منها، وما تزال غير مفعلة برغم الجهود المبذولة في سبيل إنجاحها. لماذا في نظركم لم تبلغ سياسة مقاطعة المنتوجات الغربية مبتغاها؟ هل لأن المغلوب مولع بتقليد الغالب كما يقول بن خلدون، وبالتالي اقتناء منتوجاته؟ أم لأسباب نجهلها؟
أعتقد أن الأمر مرده إلى أن صناعاتنا للأسف ما تزال متواضعة، وبالتالي لا يمكن أن نقول إن صناعاتنا هي في مستوى صناعات الغرب، لكن مع هذا، فهي قادرة على أن تكون جيدة لو وجدنا أنظمة وسياسات اقتصادية ناجعة وواعدة. إن الأمر من وجهة نظري لا يتعلق فقط بجودة البضائع الغربية وضعف المنتوجات العربية، بل الأمر يتعلق بمستوى الإرادة عندنا جميعا، بدليل أن هناك منتوجات يمكن الاستغناء عنها مطلقا دون أن نحس بحاجة إليها، وهناك بضائع أخرى يمكن الاستغناء عنها نظرا لوجود بضائع محلية في مستوى جودة مثيلاتها الغربية بل وأجود منها.
وأعتبر أن سبب تراجع مفعول المقاطعة هو تراجع الحملة في حد ذاتها من قبل التيارات والحركات القائدة لحملة المقاطعة بسبب انشغال هذه الأطراف ببعض الهموم القطرية والملفات الساخنة، ويحتاج الأمر إلى إعادة تفعيل، وينبغي الاختيار فيه سواء بين عدد البضائع التي تتم مقاطعتها، أو عدد الدول التي يجب مقاطعتها،. إن التعميم يحرج وقد يعجز.
يلاحظ، الأستاذ منصور، أنه بالرغم من وجود بعض الأنظمة العربية ذات النزوع نحو التطبيع بشكل أو بآخر، ما تزال الشعوب العربية في مجملها حية ويقظة رافضة لكل نوع من أنواع التطبيع، كيف تفسرون ذلك من وجهة نظركم؟
أعتقد أن كل الشعوب العربية بما في ذلك الشعب المصري والشعب المغربي والشعب السوداني والشعب الموريتاني وغيرها من الشعوب الأخرى قد قامت فعلا بأدوار جيدة في عملية مقاومة التطبيع والدعوة إلى مقاطعة المنتوجات الغربية، وإن كان الأمر يتفاوت من بلد إلى بلد حسب اتساع أو ضيق مساحة الحريات، أو نتيجة لوضع الدولة الاستراتيجي، والهامش المفتوح لمثل هذه المواضيع ضمن استراتيجية شمولية للدولة المعنية. وأعتقد عموما، وأنا متابع لما يجري في الساحة المغربية، أن الحركة الإسلامية بالمغرب ومعها التيار الوطني بشكل عام قد لعبا معا أدوارا كبيرة جدا في عملية المقاطعة وفي الدعوة إليها وإلى مقاومة كل أشكال التطبيع، وإن كان هذا الأمر يحتاج إلى تفعيل جديد وإلى تطوير وتوسيع، لكنها مع ذلك موجودة والحمد لله، ولا يمكن أن نقلل من شأنها إطلاقا.
وأعتبر أن مقاومة التطبيع وحركة مقاومة البضائع الأمريكية والصهيونية قد عرفت تراجعا في المنطقة العربية، وهذا التراجع ناتج عن استحقاقات ما بعد 11 شتنبر ,2001 وناتج عن آثار بعض الأحداث المشابهة لذلك في بعض الدول العربية والإسلامية، غير أننا لما ابتعدنا الآن زمنيا عن تلك الأحداث واستحقاقاتها، أرى أن الأمر أصبح ملحا كما كان، وأنه ينبغي إعادة تفعيل خطاب مقاومة ورفض التطبيع ومقاطعة البضائع والأمريكية والصهيونية. وللتذكير فإني أؤكد أن إعادة تفعيل سياسة المقاطعة تحتاج إلى واقعية وإلى منهجية في اختيار عدد محدود من البضائع، وعدد محدود من الدول حتى يكون للمقاطعة فعلا أثر واضح.
أشرتم سابقا إلى أن موريتانيا أصبحت مستهدفة، كعدد من الدول العربية الأخرى، صهيونيا وأمريكيا، برغم فقرها وضعف مواردها، ما السبب في استهدافها من وجهة نظركم؟
: لقد قلت إن هذا العدو، وهذه القوة الأمريكية الصهيونية لا تقتصر فقط على الدول الكبرى، ولا بالمحاور الرئيسية، ولا بالمواقع الاستراتيجية ، بل تستهدف الأمة كلها في مركزها وفي أطرافها، والدليل على هذا ما يحدث من اهتمام أمريكي صهيوني بموريتانيا. وهذا الاختراق الصهيوني والاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة لا ينبغي أن يفهم على أنه يتعلق بموريتانيا، شعبا وهوية وحضارة وتاريخا، وإنما يتعلق بنظام حاكم اختار أن يسير مع الحلف الأمريكي الصهيوني، بينما الشعب الموريتاني مجمع في موقف الرافض لهذا الاختراق ولهذا التطبيع ولهذه التبعية للإدارة الأمريكية الصهيونية.
ألا يكون هذا الارتماء في أحضان الحلف الأمريكي الصهيوني منافسا قويا للوجود الفرنسي بالمنطقة كلها، وأقصد بالشمال الإفريقي كله؟
هذا مؤكد جدا، بل إن فرنسا نفسها أصبحت تحس بهذا الأمر، ولطالما عبرت عنه سرا وعلنا أكثر من مرة. وأعتبر أن الاستراتيجية الفرنسية الآن تقوم على أساس استرجاع بعض مناطق النفوذ الفرنسي في هذه المناطق، وأعتقد أنه من باب المصالح السياسية، ولو التكتيكية، إن لم يعتبرها البعض مصالح استراتيجية، أصبح الأمر يقتضي من الحركات الوطنية والإسلامية في المنطقة المغاربية أن تتفهم هذه الوضعية وتحاول أن تستفيد من طرف على حساب طرف آخر، أو أن تمد اليد إلى طرف ولا تقاوم الطرف الآخر، فلا ينبغي في هذه الحالة فتح كل الجبهات في وقت نحن نحتاج فيه إلى التخفيف من درجة العداء لبعض الأطراف إما لكسب وقت أو لتصحيح صورة، فصحيح أن فرنسا كانت دولة مستعمرة في السابق، وكانت معتدية علينا حيث نهبت ثرواتنا ومسخت هويتنا، لكن الآن هناك مصالح سياسية استراتيجية في إطار الصراع الدولي وميزان القوة الدولي ينبغي أن ننظر إليها بواقعية وعلى أساسها نقيم علاقاتنا مع هذا الطرف أو ذاك، وأعتقد أن فرنسا، من هذا المنطلق وبرغم كل سلبياتها خصوصا بعد حملتها الأخيرة على الحجاب الإسلامي بفرنسا، تظل هي الأقرب إلينا على المستوى السياسي من الولايات
المتحدة الأمريكية، وبالتالي فالعلاقة معها في هذه المرحلة أولى من علاقاتنا مع أمريكا من الناحية السياسية، والاستفادة من علاقتنا مع فرنسا أولى وأحرى.
تعتبرون في تحليلاتكم للواقع العربي الحالي أن العراق وفلسطين يشكلان عنوانين لمعركة واحدة، ما طبيعة هذه المعركة التي تقصدونها؟
المعركة التي أقصدها من خلال اعتبار العراق وفلسطين عنوانين لمعركة واحدة، هي معركة الأمة كلها مع المحتل، مع الباغي، مع مستهدفها في شخص الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، هو الغرب المستعلي، وليس الغرب المنصف أو المحاور، ومن ثمة أقول إن العراق وفلسطين عنوانان لمعركة واحدة، بل إن هذه المعركة أخذت شكلها الاحتلالي والاستيطاني العدواني في فلسطين أولا، ثم الآن نجد أن هذا العدوان يأخذ المنهج نفسه في العراق، احتلالا وعدوانا ونهبا للثروات، ومن ذلك فالعراق وفلسطين يمثلان خطا متقدما في معركة الأمة ضد عدوها، ومظهرا واضحا على أن هذا العدو لا يريد من أمتنا إلا التبعية التامة أو احتلال مواقعها ومراكز نفوذها الاستراتيجية.
لكن ثمة فرق كبير وواضح بين الاحتلال الصهيوني لفلسطين ونظيره الأمريكي البريطاني للعراق، من حيث الهدف والوسيلة والتاريخ. أليس كذلك؟
أعتقد أن الاختلاف التاريخي والسببي بين الاحتلالين، بمعنى أن البون الحاصل في الفترة التاريخية التي احتلت فيها فلسطين ومثيلتها التي احتل فيها العراق، والخلفية الدينية التي استحكمت في احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين ومثيلتها الاقتصادية التي استحكمت في احتلال أمريكا للعراق، كل ذلك لا يغير من الوضعية شيئا، بل يؤكد أن ما ذهبت إليه. واستسمحك لحظة لأشير إلى أن الدارسين للإدارة الأمريكية يدركون أن هذه الأخيرة تستحضر دائما البعد الديني، على اعتبار أن اليمين الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية الآن له أبعاد دينية عدوانية صليبية على هذه الأمة، وبالتالي يمكن القول إن النتيجة واحدة وهي الاحتلال والتحكم في الأمة والنهب لثرواتها.
بعد الانقلاب الفاشل الأخير الذي تم بموريتانيا، كان فيه خروجكم إلى الخارج، ثم العودة ثم الاعتقال من جديد ثم منحت لكم الحرية مؤقتا... نريد أن نفهم الحكاية؟
الحكاية تعود إلى شهر ماي من السنة الماضية، حينما شن النظام الحاكم حملة إعلامية وأمنية وسياسية، ضد التيار الإسلامي بكل أشكاله وبكل فئاته، وكانت حملة ظالمة بكل المعايير، وحينما بدأت هذه الحملة، ووقعت الاعتقالات لكل وجوه الإخوة، جاءت المحاولة الانقلابية باعتبارها تعبيرا داخل المؤسسة العسكرية عن توظيف حدة الاحتقان السياسي الناتجة عن الاعتقالات والحملة الظالمة ضد التيار الإسلامي، حينها خرج الإخوة من السجن، لأن السجن فتح على مصراعيه، والحراس هربوا فكان تقدير الإخوة أن بعض إخواننا عليهم الخروج من موريتانيا، لا هروبا من السجن ولا من الوضع في الداخل، وإنما سعيا لإيصال رسالتنا إلى العالم، هذه الرسالة مفادها أن هناك حملة ظالمة على أناس، لم يرتكبوا ظلما، من طرف نظام إرهابي، وفعلا قمت، رفقة بعض إخواني في بروكسيل، وآخرين في أوروبا، وأمريكا، بمحاولة القيام بهذا الدور، شرحا لأهداف حركتنا الإسلامية ذات خياري الوسطية والاعتدال، وشرحا لحملة نظام ظالم يتهم الناس بما يرتكبه هو. وبعد الانتخابات الرئاسية التي وقعت في سابع نونبر من السنة الماضية، وبعد مستوى من الهدوء في المشهد السياسي الوطني أيضا، كان الرأي
أن العودة إلى الوطن أسلم.
وعدت شخصيا مع أحد إخواني العائدين، نظرا لأنه يجب أن تتكاثف الجهود في الداخل، من أجل إعادة بعث العمل، وإعادة تنشيطه وتفعيله، وتحمل المسؤوليات في الداخل، لأن ذلك أكثر إنتاجية وأكثر فعالية.
معنى هذا أن هناك هامشا من التحرك للإسلاميين؟
هناك هامش من التحرك فعلا، لكنه لا يعود إلى خيار النظام، بقدر ما يعود إلى طبيعة المجتمع، ووضع سياسي يضطر فيه النظام إلى أن يهادن الآخرين، لأن النظام أقام الأزمات وقام بالاعتقالات قبل الانتخابات الرئاسية، والآن كسب الرئاسيات بطريقته هو، بتزويره وغير ذلك. وبعد ذلك أراد أن يفتح هامشا للتحرك، مكره أخوك لا بطل. وفي هذا السياق كان التيار الإسلامي قد استفاد من الوضع السائد، حيث أصبح حقيقة تتجاوز كل محاولات التجاهل، بل أصبح حقيقة شعبية، وواسع الانتشار والحمد لله، وداخل فئات المجتمع الفعالة، ومع ذلك يحافظ على اعتدال خطابه ووسطية منهجه.
في هذا الهامش الذي تحدثتم عنه كان رفض الترخيص لحزب جديد، قيل إن أغلب فعالياته من الإسلاميين. أليس كذلك؟
مقاطعا... الحزب الجديد هو حزب الملتقى الديمقراطي المعروف اختصارا ب(حمد)، وهذا الحزب أسسته ثلاث أطراف، وهي من الأطراف الرئيسة الداعمة للرئيس المترشح سالفا محمد خونا ولد هيدالة هذه الأطراف هم الإسلاميون ومجموعة كبيرة منى الزنوج الأفارقة، ومجموعات من المستقلين، وكان حقيقة تعبيرا، بصورته وشكله وعضويته وقيادته، عن كل موريتانيا على اختلاف أعراقها وفئاتها وجهاتها، حتى الآن لا أقول رفض، لأن القانون الموريتاني لا يسمح للسلطات بأن ترفض هذا أو تقبل هذا، وإنما مازالت وزارة الداخلية والبريد والمواصلات تماطل في استلام الملف، هي ترفض استلام الملف، ونحن مازلنا في مرحلة إيداع الملف لدى الوزارة المكلفة بالداخل، صحيح أن الأخبار المتوفرة أن النظام لا يريد الاعتراف بهذا الحزب أو قبوله، ويريد التعسف في رفضه ولو أنه لا حق قانونيا له في رفضه، وهذا أمر يزيد من الاحتقان السياسي للأسف، ويجعل البلد معرضا لمزيد من التوترات على مختلف المستويات، والنظام وحده هو الذي يتحمل مسؤولية ذلك، ومع ذلك سيظل الإسلاميون باعتبارهم عنصرا أساسيا في هذا الحزب وكافة شركائهم حريصين على النهج السياسي السلمي الذي انتهجوه مهما كانت
مضايقة النظام، ومهما كان عنفه ومهما كان ظلمه.
أفادت بعض الأخبار أن الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على إنشاء قاعدة عسكرية على التراب الموريتاني، ما مدى صحة هذا الخبر ثم ما هو موقفكم من الأمر؟ أليس ذلك مبررا لتكريس الهيمنة الأمريكية الصهيونية على موريتانيا؟
للأسف في موريتانيا النظام يقوم بتعتيم دائم على المعلومات والأخبار، غير أنه نتيجة لاتساع جغرافيا البلد، ونتيجة لإمكانية وقوع الكثير مما لا يعلمه الناس، لا يمكن الجزم بمعلومات في هذا السياق. المؤكد أن الولايات المتحدة جاءت بعسكرية وجاءت بمعدات ودعمت النظام بلا حدود، وهي ترغب أصلا في إقامة نفوذ كبير في المنطقة وبالتالي لا يستغرب هذا كما لا يستغرب غيره من الأمور المتعلقة بالوجود الصهيوني أو الأمريكي في البلاد، لكن نحن متأكدون أن هذا النفوذ موجود، وأن سعيهم موجود، وأن فتح الأبواب لهم من قبل النظام موجود كذلك. نحن نعتقد أن بلدنا معرض للخطر، وما دخل هؤلاء بلدا إلا أضاعوه، وخربوه وهيئوه للانهيار والاحتلال. وبالتالي نحن نخشى على بلدنا ونعتقد بأننا بحاجة إلى سلطة وإلى حكومة ذات نزعة وطنية تتعامل مع العالم، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بعقلية مصالح، بعقلية تعاون، لكن تحترم سيادتها تحترم شعبها وأرضها، ولا تقبل ما يشكل خطرا عليها.
علاقة بالسؤال السابق ترى ما موقفكم من الصحراء المغربية؟
أخي الكريم، قضية الصحراء تطرح عدة إشكالات، الإشكال الأول أن المنطقة ليست بحاجة إلى دولة جديدة، كفانا من دول التجزئة، وكفانا من الكيانات السياسية التجزيئية، وأنا قديما كتبت مقالا في هذا الموضوع، وقلت فيه إن الشعب الصحراوي وسكان الصحراء، هم الذين يملكون فعلا تقرير مصيرهم وإلى أين يريدون أن يذهبوا، وأحترم إرادتهم، وإن كان لي من اقتراح عليهم، فإنه لا حاجة لدولة جديدة في المنطقة، هذا من ناحية، المسألة الثانية في قضية الصحراء، أنها بؤرة للتوتر تسعى بعض القوى التي لا تريد مصلحة المنطقة ومصلحة الأمة، إلى تحريكها دائما، لإضعاف الدول الكبيرة في المنطقة، خصوصا المغرب الأقصى. أما المسألة الثالثة فهي أنه الآن عمليا وواقعيا الصحراء مغربية، وبالتالي ينبغي لسكان الصحراء في المملكة المغربية في إطار وحدوي، وفي إطار منسق، أن يجدوا حلا للإشكالات العالقة، تحترم فيها إرادة سكان الصحراء وخياراتهم، وفي الوقت نفسه تضمن الوحدة المطلوبة في المنطقة، والتي ينبغي أن تطال كل الدول، والأحرى هذه المنطقة من المغرب العربي الكبير. وعموما قضية الصحراء تحتاج أن حل لكي نتجاوز خطوطا نحو المغرب العربي الكبير، وأعتقد أن
المسؤولية كبيرة في هذا السياق، على إخواننا في المغرب والجزائر الشقيقين، باعتبارهم أهم دولتين في المنطقة تجاوز الماضي والحاضر، والنظر نحو مستقبل واعد إن شاء الله.
هل من كلمة أخيرة؟
إن كانت لي من كلمة وأنا أحضر على هامش المؤتمر الخامس لحزب العدالة والتنمية المغربي، فهو تحية احترام وتقدير للإخوة في هذا الحزب، ولعموم الحركة الإسلامية المغربية، على هذه التجربة النموذجية التي قدموها لنا في الحركات الإسلامية، لنا في الأحزاب الوطنية العربية، ديمقراطية في الداخل تجمع بين المعاصرة ومرجعية الإسلامية واضحة مع تجديد في الأشكال والوسائل والأفكار، حقيقة تجربة تحتاج إلى أن تدرس من طرف كل الحركات الإسلامية، ولا ينبغي مع ذلك أن يغرهم ما هم فيه، فينبغي دائما أن يراجعوا ويسددوا ويقاربوا ويقوموا، لتجاوز الأخطاء واستثمار الإيجابيات للانطلاق إلى المستقبل.
حاوراه: عبد الرحمان الخالدي و خليل بن الشهبة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.