تتفاوت تقديرات الملاحظين حول مدى نجاح مشروع المصالحة الوطنية في الجزائر الذي دشنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ اكثر من ثلاث سنوات، والذي توخى منه ان ينهي صراعا داخليا كلف البلاد أكثر من 200 الف قتيل وخسائر مادية تفوق ال40 مليار دولار. البعض يقول ان مشروع السلم والمصالحة الوطنية الذي صوت عليه الشعب الجزائري في 29 سبتمبر 2004 ساهم في وقف تصاعد العنف الدموي الذي تلى الغاء الجيش نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بها جبهة الانقاذ الاسلامية في بداية عقد التسعينات، والبعض الاخر يقدر ان المشروع وإن كان قد حد من العنف فإنه لم يعالج المشاكل المسببة له، وبالتالي فإن الجزائر تشهد من جديد ومنذ سنة 2007 تصعيدا جديدا لأعمال العنف التي تتبناها الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي أصبحت نواة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. ويذهب بعض المراقبين الى حد القول ان تعثر السياسات الجزائرية الداخلية ورفض خيار الناخبين الجزائرين عندما اقدم الجيش في الجزائر عام 1992 على إلغاء الانتخابات التشريعية كان بمثابة الشرارة التي فجرت الأوضاع الداخلية وأثرت على الجوار، فانتشرت نيران الانتقام وراحت تأكل الأخضر واليابس، وعمت الفوضى السياسية وشاع الانفلات الأمني ودخلت البلاد في دوامة رهيبة من العنف المسلح وانعكست آثاره على النواحي الاقتصادية والاجتماعية حتى أصبح أكثر من نصف الجزائريين يعيشون على أقل من دولار واحد فقط في اليوم. ويضيف بعض الملاحظين انه بالاضافة الى الاوضاع الداخلية الملتهبة ساهمت مساندة الجزائر للبوليساريو في خلق اجواء عنف عامة بمنطقة واسعة وافرزت أسواق سلاح وتهريب مما شكل أرضية خصبة ليس للعنف في الجزائر وحدها بل في كل أقطار المغرب العربي. العديد من الانتقادات وجهت الى مشروع المصالحة وفسرت تعثره بأنه عجز عن حل أي من القضايا السياسية أو الاجتماعية أو المعيشية في الداخل الجزائري. ويشار الى ان الميثاق لم يقر بحقوق أهالي ضحايا الحرب الأهلية في التعويض المعنوي بمحاكمة مرتكبي الجرائم وأيضا بسبب إهماله مطالب المسؤولين عن المجازر حيث تمت تبرئة قوى الأمن العام من أي دور في اختفاء أكثر من 9 آلاف شخص تقول منظمات حقوق الإنسان إنه تم اختطافهم على يد عملاء تابعين للدولة ولم يظهروا بعدها أبدا. الجزائر ورغم تضخم دخلها من النفط حتى تجاوز 53 مليار دولار سنة 2007 ظلت عاجزة عن حل مشاكلها الداخلية وخاصة ما يتعلق بالتشغيل ومعالجة البطالة المستفحشة التي تدفع الالاف من الشباب الى محاولة الهجرة او التي تشكل أرضية خصبة لقوى التطرف فتجند هؤلاء. وقد أقر المعهد الوطني للإحصاء مؤخرا أن نسبة البطالة في الجزائر وصلت إلى 16 في المائة في حين تقدرها أوساط مستقلة بضعف ذلك. ووفقا لبيانات الديوان الجزائري للإحصاء فإن 72 بالمائة من أجمالي العاطلين عن العمل هم دون الثلاثين عاما ويقفز الرقم إلى 85 بالمائة بالنسبة لمن هم دون الـ 35 عاما. مشكلة البطالة وعجز الدولة عن ترجمة قدراتها المادية الى رفاهية للمواطنين، ليست سوى أحد فروع الازمة فرغم الانتخابات وما يسمى التعددية الحزبية تبقى الهيمنة للجيش الجزائري علي الدولة والمجتمع. هذه الهيمنة نتجت عن عوامل سياسية وتنظيمية وجدت جذورها في طبيعة الثورة التي اعتمدت مبدأ اولوية العسكري علي الدبلوماسي، وتدعمت عندما زحفت قوات هواري بومدين علي العاصمة سنة 1962 ثم ترسخت نهائيا بانقلاب 19 يونيو ,1965 عندما اصبحت الثقافة العسكرية مهيمنة علي الحياة السياسية. بدون تصفية المشاكل الحقيقية وبشكل جذري على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي يرى الكثير من المحللين ان الحرب الداخلية التي تعيشها الجزائر اليوم ستتواصل لمدة طويلة من الزمن. اذ يمكن ان تستمر الحرب الداخلية سنوات اخري عديدة. حتي ولو تمت عملية مصالحة كبري مع جبهة الانقاذ التي حلها النظام. ان شباب الجماعة الاسلامية الذي يبلغ سنه اليوم 18 سنة يعني ان عمره سنة 1989 سنة تأسيس الجبهة لم يكن يتجاوز 8 سنوات. هذا الجيل ليست له اية علاقة بعباسي مدني او علي بن حاج. وهو جيل متمرد اصلا علي الدولة بقطع النظر عن ايديولوجيته او ايديولوجيتها وهو لم يجد له مكانا في المجتمع. تحركه اوهام البطولات فكل محارب للدولة الا واعتبره التراث بطلا، تغذية الازمة الاقتصادية المستفحلة وعمليات التفقير الواسعة التي يتعرض لها الشباب. فعندما يلجأ الي التمرد المسلح يحقق ذاته عن طريق قوة السلاح بعدما عجز عن ذلك عبر التنافس الاجتماعي الاقتصادي السلمي. لقد عاشت امريكا اللاتينية التجربة نفسها لكن بوجه ماركسي، واستمرت الحرب فيها بين الجيش والعصابات الماركسية المسلحة لمدة عقود من الزمن من دون غالب او مغلوب.