إلى أي مدى نستطيع مراقبة أولادنا في هذا الزمن؟ نحن في زمن نطلق عليه صداقة الأبناء، إن الرقابة يجب أن تغير مفهومها في عقول الآباء والأمهات، وأن يدركوا ثقافة العصر، وأن البيت وحده ليس هو المكون للتربية والثقافة، فنحن في عصر العولمة، وعصر الحرية، وعصر الانفتاح، وعصر الانفلات في نفس الوقت، ومع كل التأثيرات المعاصرة كان من المهم أن ينتبه الآباء والأمهات إلى طريقة معاصرة لتربية أبنائهم، تقوم على الصحبة والصداقة والإرشاد، مع نوع من الحزم في وقته، لكن لا يكون الغالب الحزم في المعاملة. أما المراقبة فلابد أن تكون بشكل ذكي جدا، وأول مراتبها مراقبة الله تعالى، لأننا لا نكون مع أبنائنا دائما، ولكن حين نغرس فيهم مراقبة الله تكون أجدى وأكثر نفعا، وتحقيقا لعبوديتهم لله تعالى، وأن نغرس في أنفسهم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ الزلزلة: آية ( 7 ـ 8)، بل يضرب لنا السلف مثلا في تعليم الأبناء مراقبة الله، فيما أورده الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين: قال سهل بن عبدالله التستري: كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما: ألا تذكر الله الذي خلقك، فقلت: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك الله معي، الله ناظري، الله شاهدي، فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قل في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة، فقلته، فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة، قال لي خالي: احفظ ما علمتك، ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة ، فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سري، ثم قال لي خالي يوما: يا سهل من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده، أيعصيه؟ إياك والمعصية، فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى المكتب، فقلت إني لأخشى أن يتفرق علي همي، ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة فأتعلم ثم أرجع، فمضيت إلى الكُتّاب، فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة. إننا بحاجة إلى أن نقوم مع أبنائنا بدور التوجيه والنصح والإرشاد والمصاحبة، وأن يتعلموا مراقبة الله تعالى، فإنها خير حصن لهم