من الضروري اليوم أن نتحرر، ولو للحظة، من إكراهات الانشغال باليومي، ونطرح الأسئلة الشائكة على وضع الحركة الإسلامية بالمغرب والعناوين الكبرى التي تشغل تفكيرها في هذه المرحلة، ونعرض ذلك على ميزان التفكير الاستراتيجي. ذلك التماس الدائم بين الفكر والحركة لا يترك الفرصة لمراجعة النظرية المؤطرة وإعادة النظر في خطة العمل، إذ غالبا ما يكون التقييم والنقد الذاتي خادما لبقية عناصر خطة العمل وليس بالضرورة مراجعا للنظرية في أصولها. حزب البديل الحضاري، اقتنع قادته، بضرورة الامتناع عن ممارسة أي نشاط إلا أن يكون نشاطا في إطار حقوقي لدعم المعتقلين ومناصرتهم في مظلوميتهم، والحركة من أجل الأمة في محنتها صار ما يؤطر تفكيرها اليوم هو مناصرة أمينها العام وإثبات براءة الحركة من تهمة الإرهاب.فتحت حركة التوحيد والإصلاح الباب لطرح السؤال على مشروعها الإسلامي وأولويات المرحلة. يبدو للناظر إلى هذه الوضعيات الأربع أن هذه الحركات تعيش سياقات منفصلة وأن كل واحدة تتكيف مع سياقها الخاص وتنتج الأسئلة والإجابات الخاصة بها، لكن عند التأمل في التفاصيل، يمكن أن نخلص إلى أن هذه الحركات الأربع تعيش نفس المشكلة، غير أنها تتفاعل معها بنحو محتلف. فالبديل الحضاري، لأنه اختار صيغة دمج الحركة في الحزب، لم يعد له من خيار سوى أن يوقف كل أنشطته وأن يوجه موارده البشرية للوجهة الحقوقية لدعم قيادته، والحركة لأجل الأمة، ولأنها أبقت على خيار ازدواجية الدعوي والحزبي، فقد أمسكت بخيطين، الأول وهو الاستمرار في خوض معركة شرعية الحزب، والثاني هو تحريك آلية الدعم لقيادة الحزب، أما العدل والإحسان، فقد عادت إلى خوض معركة شرعية الوجود من جديد، بينما التقطت حركة التوحيد والإصلاح الإشارات السياسية وانتبهت إلى أن تغييرا ما في تعاطي الدولة مع الحركة الإسلامية قد حصل في اتجاه التحجيم، ولذلك بدأت تهيئ ذاتها الحركية من خلال إشراك أبنائها في هم صنع مستقبلها وسط هذه المتغيرات. مشكلة واحدة تعاني منها الحركة الإسلامية المغربية، لم تراوح البحث عن إجابات لمنهج التعامل مع السلطة السياسية. ففي الوقت الذي اقتنعت فيه حركة التوحيد والإصلاح بخيار المشاركة والتدافع السلم، وفرضت بمنهجها على السلطة السياسية أن تنزاح من مقاربة المكافحة إلى مقاربة التعاطي السياسي (إدماج، تحجيم) لا زالت الحركات الإسلامية الثلاث رغم المسار التاريخي الطويل الذي قطعته تعيش في مربع إثبات شرعية الوجود القانونية. إن مثل هذا الوضع الذي وصلت إليه الحركة الإسلامية المغربية لا يدفع فقط لمناقشة خيار المشاركة وأهميته، فربما لم يعد السياق الزمني الحالي يجدي الحركة الإسلامية لإعادة النظر في خطها واعتماد خيار الانخراط في المؤسسات، وإنما يحرك السؤال عميقا في مآل الحركة وطبيعة الأجندة التي يلزم أن تشتغل بها في المرحلة القادمة. ربما كان من المفيد للحركة الإسلامية اليوم، ألا تنشغل كثيرا بذاتها، وألا تكترث كثيرا بحاجات تأمين استمرارها، وأن تقتنع بأن تغير تعاطي السلطة مع أطياف الحركة الإسلامية ليس مرتبطا بشكل أساس بطبيعة الحركة الإسلامية وأدوارها ووضعها في موازين القوى، وإنما هو تعبير عن تغير في المعادلة السياسية بجميع عناصرها، هذا إن لم نقل إنها تعكس تحولا في المسار الذي يتجه إليه المغرب السياسي. ربما كان من فائدة الاقتناع بهذا التوصيف، أن يتركز جهد الحركة الإسلامية في المدى القريب والمتوسط على مآل المغرب السياسي الذي يوشك أن يضيع فرصته التاريخية مع الديمقراطية.