احتضنت فاس الأسبوع الماضي وعلى مدى ثلاث أيام فعاليات الندوة الأكاديمية الدولية في موضوع المذهب المالكي في المغرب من الموطأ إلى المدونة، والتي انكبت على مدارسة ما يخص المذهب المالكي وتداوله بالمغرب، إبان مرحلة الرواد الأوائل، من خلال أزيد من ثلاثون مداخلة لأساتذة وعلماء من المغرب والسودان والإمارات والسعودية وتونس وغيرها، نظمتها كل من المؤسسة العلمية الكتانية بالرباط، والمركز الأكاديمي للثقافة والدراسات بفاس. وقد استهلت الندوة بجلسة إفتتاحية اعتبر فيها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أننا بحاجة للمذهب المالكي في واقعنا الحاضر من باب العناية به كأمانة وتوظيف واستخدام وهو المرجعية الأولى في الأمن العام، ليؤكد على وظيفته المرجعية المتعلقة بالفتوى، على اعتبار، يقول الوزير، أن المغاربة حصروا اجتهادهم داخل المذهب المالكي دون حرمانهم من الاستفادة من الموارد الاجتهادية الواردة من المذاهب الأخرى، وهو ما حصل مع مدونة الأسرة. من جهته، تطرق أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، إلى ما وصفه ببعض معالم الرزق الوافر للأمة في مذهبها المالكي كطبيعته الإستشرافية، وأخذه بالسياقات، واستحضاره أثناء عمليات الإستنباط، مع الأخذ بالتيسير كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا. وقد ركزت الندوة على دراسة المذهب المالكي من خلال خمس محاور هي المذهب المالكي في المغرب: أصالة وامتداد، و كتاب الموطأ ومكانته العلمية، وكتاب الموطأ وتكامل المعارف، والمدونة وترسيخ المذهب المالكي، لتختتم بمحاضرة للأستاذ عباس الجراري حول المذهب المالكي في المغرب: الانتشار والاستقرار. فخلال جلسة التأصيل أبرز المشاركون جهود الرواد الأوائل لتثبيت مبادئ الفقه المالكي بالمغرب، حيث اعتبر الدكتور محمد الرواندي عضو المجلس العلمي الأعلى أن احتفاظ الخزانة المغربية بنوادر النسخ الموثوقة بالأسانيد الصحاح من مخطوطات يحيى بن يحيى الليثي، دليل عراقة وأصالة، تشهد على ما كان لهذا البلد وأهله من خدمة للغة العربية والإسلام وحضارتهما. بدوره، ثمّن الدكتور سيف بن راشد الجابري مدير إدارة البحوث بدائرة الشؤون الإسلامية بإمارة دبي، الجهود التي يبذلها المغرب خدمة للموطأ والمدونة، وغيرهما من المصنفات المالكية، مما كان له الأثر الكبير في انتشار المذهب واستقراره، وهو ما تجلى في الدعوة الملكية السامية إلى وجوب إعادة طبع الموطأ، طبعة مغربية تعتمد النسخ الصحاح، التي ينفرد بها المغرب حيث تنكب على ذلك لجنة التراث بالمجلس العلمي الأعلى. وإذا كان وزير الأوقاف اعتبر أن المغاربة حصروا اجتهادهم داخل المذهب المالكي دون حرمانهم من الاستفادة من الموارد الاجتهادية الواردة من المذاهب الأخرى، وهو ما حصل مع مدونة الأسرة، فإن مستشار الملك عباس الجراري، وخلال محاضرة ختامية لأشغال الندوة، اعتبر أن المذهب المالكي تواجه تحديات ذكر منها: التمذهب نحو المذاهب الأخرى في بعض الأحكام على مستوى العامة، وحتى على مستوى بعض العلماء، إلا أنه اقتصر في سرده لأمثلة على ذلك على ما يجري ببعض المساجد، حسب قوله من ملاحظات على المصلين من طرف البعض، معتبرا أن العوام يأخذون بغير المذهب المالكي والسبب في ذلك حسب الأستاذ عباس الجراري يرجع بالأساس للفوضى العارمة التي أصابت الإفتاء نتيجة للقنوات الفضائية. صحيح أن هذه الندوة قد أحاطت بالعديد من الجوانب المهمة المرتبطة بالمذهب المالكي الأصول والمبادئ، ومدى اعتناء فقهاء المغرب بها من خلال إقبالهم عليها بالشرح والاختصار، وهو ما ركز عليه الدكتور محمد الروكي من خلال مداخلة له، تطرق فيها إلى التقعيد والتفريغ في شروح المدونة ومختصراتها عند المغاربة، وصحيح أن المغرب مالكيَّ المذهب، وهذا ما أجمعت عليه أشغال الندوة، غير أن مما أثير أيضا هو مدى حضور المذهب في التشريع، وتبَعاً لذلك في القضاء والسياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام.. الأمر الذي حدا بأحد الطلبة الباحثين خلال جلسة قراءة التوصيات إلى المطالبة بإدراج توصية تدعوا إلى تفعيل المذهب المالكي في التشريعات المغربية، وهو ما أكدت عليه الأستاذة رجاء المكاوي التي دعت إلى اعتبار المذهب المالكي كمرجع أساسي للتشريع بشكل عام، معتبرة أن هناك انفصام بين العلوم الشرعية والقانونية. كما أوصى المشاركون في الندوة بضرورة وضع ببليوغرافيا دقيقة لنسخ الموطأ والمدونة بشروحاتها المختلفة كما أوصوا بإحداث معهد أكاديمي يعنى بالدراسة المالكية بحثا وتحقيقا ونشرا.