حين خرج البابا بنديكت السادس عشر بتصريحاته المستفزة لعقائد المسلمين، لم يتحرك فقط المحسوبون عادة على الحركات الإسلامية، وإنما انتفضت أطياف فكرية وسياسية متعددة للرد على مغالطاته. وعلى الرغم من النزوع الضيق لبعض النخب التي حاولت بسوء فهم، أو سوء نية أن تدرج خرجة البابا في نطاق حرية الرأي، إلا أن غالب ردود الأفعال مضت في اتجاه إدانة ما ورد في تصريحات البابا من تصريحات مسيئة لعقيدة المسلمين. قامت يومية أجوردوي لوماروك أمس بنشر مقالة رأي لرشيد بن الزين وهو أحد رموز القراءة الحديثة للإسلام والذي طالما استدعي من قبل الجمعيات المعنية بالحداثة كمجموعة الديموقراطية والحداثة، يعبر عن موقف نقدي لإقدام البابا على تعميد مجدي علام وهو مسلم من أصل مصري تنصر، وهذا المسلم ـ سابقا ـ كان معروفا بكتاباته المتهجمة على الإسلام بصفته مديرا مشاركا للجريدة الإيطالية الأكثر انتشارا لاكوريي ديلاسيرا، وساق رشيد بن الزين عددا من الدوافع التي نتفق على بعضها، وأهمها أنها ضربة لعلاقات إيجابية قائمة على الحوار بين المسلمين والمسيحيين، أو أنها تضعف موقف من يدعو إلى الحقوق الدينية للأقليات في العالم الإسلامي، فضلا عن إقدام البابا على الإشراف الشخصي على عملية التنصير والتي حملت معاني الاستعراض الإعلامي والتحدي للعالم الإسلامي، حتى أن رشيد بن الزين تساءل عن كيفية إقناع الرأي العام في بلداننا بأن الكاثوليكية ليست تنصيرية عدوانية في الوقت الذي يقدم فيه قائدها بتعميد أحد أشد الوجوه هجوما على الإسلام. وجهة نظر جديرة بالتأمل من جهة، وتكشف من جهة أخرى أن الغرب المسيحي الكاثوليكي لا يقيم وزنا لأحد سواء تعلق الأمر بالإسلاميين أو الحداثيين بل ولا يعتبر حتى بالاستئصاليين الذين يتقاطعون معه في بعض المحاور. الواقع أننا إذا تتبعنا المنطق الاسئصالي في التحليل، فسيكون رشيد بن الزين متهما هو الآخر بالمسؤولية المعنوية عن قيام أي شخص باستهداف البابا أو استهداف مجدي علام، كما أن أجوردي لوماروك ستكون هي الأخرى متهمة بالتحريض على الإرهاب، وهذا ليس إلا نموذجا للمدى الذي قد يجرنا إليه المنطق الاستئصالي المتهافت، بحيث لن نجد في الغرب من لا يتردد في اتهام الإسلام نفسه بالتطرف واتهام القرآن ذاته بالعنف والتحريض عليه، مثل ما حصل مع النائب الهولندي والذي يكفي هنا أن نستعيد ما كتبه المختار لغزيوي في يومية الأحداث المغربية في الرد عليه معتبرا إياه عزل آيات من القرآن الكريم عن سياقها التاريخي الذي نزلت فيه والتي تحض على الجهاد ومقاتلة المشركين واليهود والنصارى في ذلك الوقت، ومعبرا عن شعوره بالألم من الفيلم، ورغم أن الكاتب أشار للمسؤولية الذاتية للمسلمين عن انتشار مثل هذه المواقف، فإن الذي ينبغي أن ننتبه له هو أن التهجم على الإسلام في الغرب يستنفر أبناء هذا الدين وإن تفاوتوا في مواقفهم ومواقعهم، ويفضح هشاشة المنطق الاستئصالي الذي إن تبعناه فسنرفض حتى هذه المواقف المنتقدة لما يصدر في الغرب من أعمال معادية وحاقدة ومتهجمة على الإسلام. نتمنى أن تكون الرسالة واضحة، فالأقلية الاستئصالية مدعوة إلى الانتباه إلى المسار الخاطئ الذي ترغب في جر المغرب إليه، مسار لن تكسب منه شيئا لا في الداخل ولا في الخارج.