أثارت المحاضرة التي ألقاها البابا بنديكت السادس عشر في سبتمبر من عام 2006، في إحدى الجامعات الألمانية بعنوان «الإيمان والعقل والجامعة»، ردود أفعال كثيرة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وحتى غير الإسلامي، بسبب ما تضمنته من مواقف إزاء الإسلام ونبيه، وزاد من قوة تلك الردود وقتها أن المحاضرة أتت في ظروف طغى فيها الحديث عن صدام الحضارات من ناحية، وفي وقت كان الاهتمام منصبا حول هوية البابا الجديد للفاتيكان حديث التنصيب ومواقفه إزاء الإسلام والمسلمين. وبعد زوال الغبار وخفوت تلك الردود يعود باحث مغربي، هو الدكتور عبد المجيد الصغير، لنفس الموضوع، لكن هذه المرة من الزاوية الفكرية، من خلال كتابه الذي صدر قبل أيام عن دار وليلي بالرباط تحت عنوان «قناعات معرفية أم أهداف استراتيجية؟ - مراجعة نقدية لمحاضرة بابا الفاتيكان حول الإسلام». الكتاب قدم له الدكتور طه عبد الرحمان، رئيس منتدى الحكمة للباحثين والمفكرين، وجاء في المقدمة أن الحرية هي إما مهذبة أو مسيبة، وأن طبيعة النزاع القائم حاليا بين المسلمين والغربيين هو بين حق المسلمين في الاختلاف وحق الغربيين في التعبير، وأن هذا النزاع يزداد قوة باعتبار اختلاف الموقفين من الدين عموما. ويقول مؤلف الكتاب إن محاضرة البابا شابها القصور المنهجي والعلمي، فقد ألقاها في محفل جامعي لكنه لم يتقيد بشروط البحث الجامعي الرصين الذي يقتضي إيراد المقولة ومضادها لتكتمل الصورة، ويؤاخذ البابا على استدلاله بأفكار إمبراطور بيزنطي تخص الإسلام، بدعوى أنه ذكرها في معرض مناظرته لأحد علماء المسلمين، لكن إذا كان الإمبراطور معروفا فإن اسم العالم المسلم ظل غير معروف في المحاضرة، ومن ثم لا يمكن استبعاد أن تكون تلك «المناظرة» قد تم اختلاقها اختلاقا، إذ لا دليل عليها. كما أن البابا استشهد بمواقف ذلك الإمبراطور المعادية للإسلام وأهمل الكثير من المواقف المنوهة بهذا الدين، عبر عنها مفكرون مسيحيون عاشوا في نفس الفترة التي قصدها البابا في محاضرته، الأمر الذي لا يستبعد معه أن يكون هناك انحياز في الانتقاء. غير أن هذا الخلل المنهجي لم يكن هو الوحيد الذي استوقف المؤلف في محاضرة البابا، فقد أورد هذا الأخير ودون أي اعتراض منه مقولة من نص ذلك الإمبراطور البيزنطي تقول إن العقيدة المسيحية تقوم على المنطق، في مقابل العقيدة الإسلامية التي تقوم على أساس من إرادة إله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق، ويتساءل المؤلف «أي عقل هذا الذي تدعيه المسيحية لنفسها أمام عقائدها التي تدرجها الكنيسة ذاتها ضمن اللامعقول؟»، وفي هذا الباب يناقش المؤلف بعض المزاعم الرائجة حول الإسلام انطلاقا من النصوص القرآنية والتجارب التاريخية. ويفند دعاوى العنف والإرهاب التي تلصق بالإسلام عادة، خصوصا في مرحلة ما بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، مستشهدا بالنموذج الأندلسي الذي قدم أنصع صورة للتعايش بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، ويثبت بالمقابل أن المسيحية هي التي كانت وراء نشر العنف برفضها للاختلاف الديني والعقل في العصور الحديثة. ويخلص المؤلف إلى أن جوهر المشكل أن المحافل المسيحية في الغرب لا تسعى إلى إنشاء معرفة موضوعية بالإسلام على حقيقته، بقدر ما تسعى إلى ترسيخ استراتيجية معينة ترمي إلى شيطنته. ذلك أن الأزمة التي توجد فيها الكنيسة، بسبب تراجع التدين في الغرب والتشكيك في المسيحية وانتشار الإلحاد، تنعكس على موقفها من الإسلام، ومن هنا يتحتم عليها كما يقول الكاتب- أن تنصرف الكنيسة إلى إنقاذ نفسها بالانفتاح على الإسلام والاعتراف بشهادته في حق المسيح عليه السلام.