بدأ التصفيق الإيقاعي مباشرة بعد أن خطا عمرو خالد عبر باب قاعة «كريستال سيتي» المكتظة بالحضور محاطا بالحراس. فشق عمرو خالد طريقه بصعوبة وسط جمهرة من الحضور من الرجال، الملتحين وغير الملتحين، والنساء، اللائي كانت ترتدي بعضهن أزياء حديثة وأخريات الزي الإسلامي المحافظ. وكان كثير من هؤلاء قد جاءوا من مختلف مناطق الساحل الشرقي للولايات المتحدة للاستماع إلى الداعية عمرو خالد. وكانت هناك شاشتان ضخمتان كي يستطيع الجالسون من الحضور في الصفوف الخلفية من رؤية صورة واضحة له. بدأ خالد حديثه قائلا، إن هدفه هو أن يشعر الجميع بالسرور والارتياح عندما يلقي محاضرته ويغادر، وأشار في هذا السياق إلى حديث نبوي يحض فيه الرسول على الحرص على وضع الفرحة في قلوب المؤمنين. وأشار أيضا إلى أن الجنة هي أقل ما يمكن أن يكافأ به من يفعل ذلك. وعلى مدار ال90 دقيقة التالية كان الحاضرون يضحكون أحيانا من طُرفة ويبتسمون أحيانا أخرى خلال القصص التي يحكيها، ويومئون عقب النصائح التي يدلي بها، ثم يصفقون مرة أخرى في كثير من الأحيان وبصورة تلقائية. إلا أن الأمر الأكثر أهمية أنهم كانوا يتابعون حديثه بانتباه. وكان عمرو خالد، الداعية الذي يرتدي بدلة حديثة، وكثيرا ما يعتبر مناوئا لأسامة بن لادن، قد وصل إلى الولاياتالمتحدة حاملا نموذجه الخاص لإسلام متفائلا وباعثا على الشعور بالسعادة. بالنسبة للمسلمين الأميركيين الذين ظل يحاصرهم توتر عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر، جاء عمرو خالد للحديث حول أزمة ثقة عميقة. ومحاولة جسر الهوة بين ولاءات متناقضة، خصوصا مواطنتهم الأميركية وغضبهم تجاه سياسة الولاياتالمتحدة في العراق ودول أخرى مسلمة. "" قال خالد: «أستطيع أن أحس بما فعلته بكم 11 سبتمبر. إنكم تصرخون عاليا: هذا ليس هو الإسلام. إننا نرفض ذلك». وقال أيضا خلال المحاضرة، التي نظمت برعاية «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» و«الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية»، إنهم لا يتفقون في نفس الوقت مع ما يحدث في العراق وإنهم يشعرون بالارتباك والألم. وواصل خالد حديثه قائلا: «جئتم إلى هذه البلاد لمساعدة أسركم. هل تفصلون هؤلاء من المجتمع؟ أم أننا نندمج تماما وننسى إيماننا وخلفيتنا؟ هل نكره المجتمع الذين نعيش وسطه؟ لا.. الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) علمنا العطف والعدل والرحمة والتعايش مع الآخرين وعلمنا أيضا أن الله خلقنا مختلفين كي نعرف بعضنا بعضا». وكان خالد خلال خطبه وأحاديثه خلال جولته الأولى في الولاياتالمتحدة في مايو (أيار) الماضي قد تحدث على نحو منتظم حول التسوية والتعايش، وقال في أحد أحاديثه: «رسالتي إليكم هي: كونوا ممثلين مثاليين لدينكم. أطلعوا الناس هنا على أخلاقكم الفاضلة وعملكم الدؤوب وسعيكم للنجاح في المجتمع وما يمكن أن تضيفوه واندماجكم الإيجابي مع اعتزازكم بالإسلام حتى يعرف الناس كم هو عظيم هذا الدين». وكان المرشد الإسلامي في العصر الجديد يشبه النجوم الكبار الذين يظهرون على شاشات التلفزيون مثل جويل أوستين والدكتور فيل. ويجري تحويل حالات ظهوره على موقع «يو تيوب». وفي موقعه على الإنترنت، الذي يتسم بوجود 18 لغة بينها الدنماركية والتركية والعبرية والإنجليزية والروسية، هناك عشرات الملايين من المعلومات. وفي العام الحالي احتل المنزلة رقم 62 في قائمة مجلة «تايم» عن الشخصيات ال100 الأكثر نفوذا في العالم. وفي البرامج التي تبث على نطاق عالمي على أربعة محطات فضائية، غير خالد الطريقة التي ينظر بها إلى الإسلام، والتركيز على رسالة الدين. فهو يروي الحكايات الشعبية عن النبي وقد جرى إعدادها بطريقة تناسب الحياة المعاصرة. وبلهجة عربية دارجة يقدم مواعظ عن العمل الدؤوب والأعمال الطيبة والأخلاق الجيدة. ولديه شارب ولكنه من دون لحية، وفي بعض الأحيان يرتدي الجينز بدلا من الجبة التقليدية لرجال الدين المسلمين، ويتصل بالشباب ويشجع النساء. وقالت هادية مبارك، التي نشأت في بنما بولاية فلوريدا وهي رئيسة سابقة لجمعية الطلبة المسلمين القومية في الولاياتالمتحدة، إن «نزعته الروحية طازجة.. وأنت لا تشعر بأنها مصطنعة أو قديمة. وعندما يصلي يصبح عاطفيا ويتغير صوته. وفي بعض الأحيان يبكي». وقد شاهدت هادية خالد على البرامج باللغة العربية التي تقدمها المحطات التي تبث على قمر عربسات. وقالت «أمي تشاهده أيضا طيلة الوقت وهو المتحدث المفضل لديها. بل انه يجذب النساء اللواتي يرتدين الجينز ولا يغطين شعرهن، ولا يذهبن عادة إلى الجامع. ويوجه محتوى أحاديثه إلى النصيحة العملية في القضايا اليومية. وهو ينتهي دائما ب: ما الذي ستقومون به يا أفراد الجمهور؟ ويقول توجهوا إلى خزانة ملابسكم وشاهدوا الملابس والأشياء التي لم تستخدموها وأرسلوها على العنوان التالي. أو أسسوا بنك أغذية في الحي الذي تعيشون فيه. وعادة يتحدث جويل أوستين، الداعية الديني عبر التلفزيون، حول تناول الطعام الجيد اعتمادا على الكتاب المقدس والبقاء في قوام جيد. وخالد يذكرني به». وعادة ما يبدأ خالد، الرجل الطويل المبتسم ذو العينين الحادتين، مواعظه بصورة بطيئة وهادئة، ثم يتنامى التأكيد على نحو راسخ. وعندما يتقدم في حديثه يصبح أكثر استخداما للإشارات عبر الأصابع واليدين. وفي محاضرته في كريستال سيتي في مايو الماضي حث المسلمين الأميركيين على أن يكونوا متطلعين إلى المستقبل. وقال «ولهذا فإنني أناشدكم أن تكونوا نشطين في المجتمع، وألا تعزلوا أنفسكم. أريد منكم أن تتخيلوا عيشكم في الولاياتالمتحدة لمدة 30 عاما، وتموتون ويتبع جنازتكم أربعة من الأصدقاء وهم يتحدثون عنكم. ويقول أحدهم: لم يفعل أي شيء. وبدلا من ذلك تخيلوا ما يلي: جيرانكم غير المسلمين يمشون خلف الجنازة ويقولون: خسرت أميركا شخصا عظيما اليوم». وفي سلسلة محاضراته التلفزيونية التي تضم 50 حكاية وتحمل عنوان «صناع الحياة»، يحث خالد على الأعمال الخيرة المرتبطة بالتطلع إلى المستقبل، والمساعدة الذاتية في العالم العربي أيضا من تعليم الأميين إلى ردم الحفر لإماطة الأذى. وفي حديث قصير على موقع «يو تيوب» يدافع عن العمل الدؤوب في المدرسة وفي التمارين ومع المؤسسات الخيرية. كان خالد سريعا في إدانة الإرهاب علنا، بما فيها هجمات 11 سبتمبر والتفجيرات التي وقعت في مترو لندن عام 2005. وإذا كانت رسالته حول قضايا يومية غير تقليدية، فإن طريقته مثيرة للضحك. فخالد كان يعمل مع شركتي بيبسي وكولجيت ضمن أكبر وكالة محاسبات في مصر عام 1997 حينما سأله أحد الأصدقاء أن يحل محله كواعظ بسبب انشغاله في نادي الصيد المصري. وكان ذلك الطلب نقطة تحول في حياته أدت إلى دعوته من قبل نواد أخرى. وخالد الذي بلغ الأربعين الأسبوع الماضي متزوج مع طفلين ذكرين وهو موضع انتقاد رجال الدين بسبب عدم دراسته للدين بشكل نظامي وعدم حصوله على تدريب ديني مناسب وتحدثه بتعابير مبسطة. وهو يعمل حاليا على دكتوراه في الدراسات الإسلامية بجامعة ويلز، وهذا ما زاد من حجم الانتقادات ضده حول إسلامه «المتغرب». مع ذلك فإن أتباع خالد أصبحوا يتحدون الزعماء الدينيين والسياسيين في الشرق الأوسط والذين هم قلقون من بروز الإسلام المسيَّس وبروز جيل من الزعماء الشباب يقدمون بديلا على المستوى العالمي. وحتى بعض الأطراف العلمانية في المجتمع المصري بدأت بالاستماع إليه. وأصبحت موضع ضغط كي لا يتحدث في اللقاءات العامة تماما. وهرب خالد أولا إلى لبنان ثم إلى لندن وحتى هناك لم يقل عدد مؤيديه. وقال أكبر أحمد رئيس الدراسات الإسلامية في الجامعة الأميركية في كتابه الجديد: «رحلة إلى الإسلام» إن «شعبيته في العالم العربي لا منافس لها. فهو قادر على بث الكبرياء والسعادة في نفوس الناس في كونهم مسلمين وقوى الإيمان بالإسلام في وقت أصبح تحت هجوم المتغربين والعلمانيين والقومانيين». وانتشرت شهرة خالد إلى الغرب بعد نشر 12 صور كاريكاتير في عام 2005 في الدنمارك حيث تضمنت سخرية للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). وهذا ما دفع إلى احتجاجات واسعة في أوروبا وآسيا مع مقتل 100 شخص. ونظم خالد مؤتمرا حول التعايش في الدنمارك بعد 4 أشهر لاحقا وهو إجراء كان موضع إدانة قوية من الزعامات الدينية الكبرى. وقال خالد في محاضرة ألقاها بجامعة جورج تاون: «أنا أخذت 40 شخصا وقلت: نحن جئنا للحديث. نحن نشعر بالغضب لأنكم لم تحترموا نبينا. نحن لم نأت إلى هنا لنقول إننا ضدكم. نحن جئنا من أجل حوار». ويوسف القرضاوي وهو رجل دين مثير للمشاعر تلقى تعليمه من جامعة الأزهر المصرية الشهيرة، هو المنافس الرئيسي لخالد بين الدعاة الدينيين الذين يستخدمون التلفزيون. وعلى العكس من خالد، فإن القرضاوي يتمتع بمكانة كبيرة بين رجال الدين المسلمين. ففي تلفزيون «الجزيرة»، حيث يقدم برنامجه، وبخ القرضاوي الشاب المصري الأصغر سنا على تنظيمه مؤتمر الدنمارك. وقال القرضاوي: «ينبغي توفر أرضية مشتركة لإجراء حوار مع عدوك. ولكن بعد إهانة ما هو مقدس لي، يجب الاعتذار». ويقول النقاد العلمانيون إن خالد، وهو ابن طبيب، يرعى ويدعو لإحياء ديني بدلا من إصلاحات عصرية. ويقول وائل عباس وهو مدون مصري معروف، إن خالد هو «الخطوة الأولى في الأسلمة. فهو شخصية كاريزمية وتحبه الفتيات. ولكن مصر أصبحت بلدا أكثر محافظة بسببه. فتيات أكثر يرتدين الحجاب». ويؤكد البعض الآخر ذلك، ولكن حجابا ورديا بدلا من الأسود، وترتديه الفتيات في الكليات والجامعات، حيث يتدربن لكي يصبحن مهندسات وكاتبات ومدرسات. وبعد محاضرة خالد في فيرجينيا، أدت فرقة هيب هوب فقرة غنائية. ومن ثم عبر أحد الحاضرين وهو رضوان مصمودي رئيس «مركز دراسات الإسلام والديمقراطية في واشنطن» عن رأيه قائلا: «إن حقيقة أنه لم يتدرب قد منحته شرعية إضافية، مع ضيق الناس من رجال الدين التقليديين الذين لم يتابعوا الأزمات الحالية التي تواجه الشباب والذين يقدمون الإسلام بطرق قديمة ومملة». والسؤال هو ما إذا كان خالد مجرد صرعة أو اتجاه مستمر؟ وخالد يتمتع بشعبية كبيرة بين الطبقات المتوسطة والعليا. ووصفته صحيفة «الأهرام» بأنه مضلل يقود الشباب العربي «إلى جهة غير معلومة، ومن دون رضا الكبار». وفي نهاية محاضرة كريستال سيتي، أحاط الكبار والصغار به. واستمرت محاولات سماعه أو الوجود بالقرب منه حتى منتصف الليل تقريبا. وأخيرا سحبه حارس خاص من وسط الجمهور وسط تصفيق أكثر علوا. * خدمة "واشنطن بوست"