في ذلك اليوم، ببلدة أبو حوموس (165 كلم من القاهرة) قبلت رانيا والديها، حيث الحارس الواقف أسفل العمارة، وغاصت وسط الحشود الصباحية لشوارع القاهرة. للمرة الأولى، دفعت باب أحد صالونات الحلاقة، جلست أمام المرآة وقالت: «أريد شكلا جميلا. اليوم، سأنزع حجابي». ارتدت الصحافية رانيا الحجاب، منذ حوالي عشرين عاما. «إنه عمر»، علقت ضاحكة وهي تنفض سيجارة رفيعة على منفضة السجائر. في هذا المقهى الواقع وسط المدينة، والقريب جدا من الجامعة الأميركية بالقاهرة، حيث الفتيان والفتيات يتحدثون حول فناجين الكابتشينو. الجميع هناك يتحدثون بالعربية والإنجليزية. تقريبا جميع الشابات محجبات، وبعضهن تغطين رؤوسهن بوشاح معقود بعناية، منسجم جدا بأشرطة مسدلة على ياقة دائرية رقيقة. رانيا تنفخ تسريحتها الحديثة المربعة والحمراء، بحركة غير ميكانيكية لأنها لا تزال جديدة جدا عليها. «ومع ذلك، أنا نفس الشخص» سلوى، طالبة، تركت ورقة على طاولة المطبخ، تخبر فيها والدتها أنها سوف تعود من عملها بدون حجابها الأسود. والدها يعمل في الخارج، بعيدا عن زوجته وابنتيه، اللواتي يعشن وحدهن في شقة كبيرة بحي البرجوازية الصغيرة بالمهندسين. «أنا أنحدر من أسرة محافظة؛ كان الأمر صعبا». تقول سلوى التي حسمت الأمر وأخذت القرار منذ شهر، لكنها تشعر «شيئا ما بالضياع».كانت تخشى مناقشات حادة، إلا أنها لم تجن إلا الصمت، نظرات متحسرة، شاجبة وبرطمات مستهجنة. فقد حل الجفاء بينها وبين خالاتها، اللواتي كانت قريبة منهن، أصبحت هناك مسافة بينها وبينهن. تقول: «لم يقلن لي شيئا. لكن، رغم أنهن بقين لطيفات معي، أشعر أني خيبت ظنهن فيَّ. ومع ذلك أنا نفسي، لم أتغير في الثانية التي خلعت فيها حجابي! لم أتصور أبدا، أن يكون الحجاب، بالنسبة للآخرين، عنصرا جوهريا مشكلا لهويتي». سلوى تبحث عن الكلمات، توقفت. ثم أردفت: «عندما نضع الحجاب ننسى أنه فوق الرأس. يصبح جزءا منا. لقد أدمجناه كعنصر من شخصيتنا. لكن بالنسبة للآخرين، يكون أهم من كل شيء. أنت قبل كل شيء المحجبة. الحجاب يحدد شخصيتك اجتماعيا كشخص متدين. ولو أن لديك انطباعا بأنك لست فقط ذلك». دعاء، طالبة، تلبس جينز يشد قوامها، وبنبرة موافقة تقول: «ما أقرأه في عيون الآخرين، لأنني كنت أرتدي الحجاب، لم يكن ينطبق علي. أو لم يعد كذلك». عمرها 26 سنة، ضمن هذه السنوات، سبع سنوات قضتها وهي ترتدي الحجاب الذي تخلت عنه منذ سنة. توضح: «المجتمع يلصق بالمحجبات الكثير من الصفات. يجب عليهن التصرف بطريقة معينة، وليس بأخرى. لا يمكنهن الذهاب إلا إلى نوع محدد من الأمكنة، لا يمكنهن التحدث إلا إلى نوع معين من الناس. أن تحب هذا الشيء، كاتبا معينا، أفلاما معينة، فالمحجبة كائن محدد المعالم». خوفا من رد فعل محيطها على علاقاتها، ذوقها الموسيقي، رغبتها في السفر، قررت دعاء تدريجيا خلع حجابها. منذ ما يقرب من 20 سنة، أزهرت الأحجبة على الرؤوس في شوارع القاهرة. كانت بسيطة في البداية، ثم ملونة، معقوفة، مشدودة بدبابيس مختلفة، منحوثة، سويت بطيات معقدة. بينما النقاب، الذي كان نادرا، فهو في تزايد مطرد. حسب بحث نشر في الصحافة المصرية الصيف الماضي، فهو يهم أكثر من 15% من النساء المحجبات. والدولة، بعد أن تجاوزتها الظاهرة، تحاول اليوم حظره بدعوى المسألة الأمنية: في الأحياء الجامعية، المستشفيات وداخل الفصول الدراسية. ولتدارك الأمر، دعي شيخ الأزهر، أعلى مرجع للإسلام السني - معين من طرف الدولة - للتدخل. نفذ ما طلب منه، مذكرا بأن النقاب ليس له أي أساس ديني. لكن بدون جدوى، لأن تنامي السلفية شعور متزايد أكثر فأكثر. مزايدة العفة في سياق التدين المفرط، ليس من السهل إيجاد مثيل لتصرف رانيا، سلوى ودعاء. ومع ذلك: يكفي طرح السؤال من حولنا لكي نستعرض، بسرعة، نماذج لنساء خلعن الحجاب. في الصحيفة المصرية اليومية ديلي نيوز، تلاحظ الصحفية سارة السرغاني أن أولائك اللواتي خلعن الحجاب كن، في كثير من الأحيان، سباقات في ارتدائه، في بداية سنوات التسعينات. اليوم، تنامي ظاهرة الحجاب، يضعهن أمام معضلة. تقول دعاء: «إن الحجاب أصبح موضة، أفرغ من معناه. وارتداؤه بطريقة متشددة لا يكفي لإثبات أن المرأة مسلمة صالحة: أولائك اللواتي يرتدين النقاب يعتقدن أنهن الأفضل، وأنهن الوحيدات العفيفات. أنا لا أريد الدخول في هذه المزايدة». تخلت إيزيس عن الحجاب الصيف الأخير. عندما تعرض والدها، المفكر سيد الكيماني للتهديد بالقتل من قبل الإسلاميين بسبب كتاباته حول الدين والتي اعتبرها البعض مارقة، مما أرغمه على العيش وحيدا تحت حماية الشرطة. أمام هذه اللعنات، تتساءل إيزيس، مذهولة من العقاب الجماعي، عن الكيفية التي يفكر بها مواطنوها في الإسلام. الحجاب -الذي ترتديه طبيبة العيونالشابة هاته منذ ثلاث سنوات، تقول، «لأكون مثل الآخرين»- كان سبب كل تعاستها. لقد نزعته. «لم أكن بحاجة لأن أثبت بهذا أنني كنت مسلمة صالحة. أنا أصوم. أصلي. ولكن هذا لا يخص سواي». ارتداء الحجاب في أسرة رانيا، تم منذ فترة طويلة قبل أن يصبح موضة. تقول: «في أحد الأيام، تكون لدي انطباع بأن الأمر أصبح مبتذلا. في نفس الوقت، بدأت أتساءل عما إذا كان هذا المظهر الخارجي مطابقا لما أنا عليه في الداخل. أنا مؤمنة بالتأكيد، ولكن لست تقية أكثر من هذا. كنت بحاجة لمطابقة الأشياء». فكرت رانيا خلال أشهر طويلة. قارئة القرآن الكريم العظيمة هاته انتابها الوسواس عند خلعها الحجاب: سقطت في الردة، وهي ذنب قاتل. مقال نشر في روز اليوسف، وهي أسبوعية وطنية واسعة الانتشار بمصر، وضعها على طريق شيوخ المذاهب الأكثر حداثة. تؤكد رانيا «بخصوص كل ما هو حلال أو حرام، الله واضح ويقول لنا: «افعل أو لا تفعل». بالنسبة للحجاب، لا يوجد أمر واضح. هذا هو سحر وعظمة القرآن الكريم، يمكن للمرء أن يفهمه من خلال عدة مستويات». بصوت واثق، تقول رانيا: «منذ 1400 سنة، لم يقم الفقهاء إلا بالنقل. جمدوا الفكر الإسلامي. لا يريدون تحمل مسؤولية الاجتهاد. الناس، أنفسهم، لا يريدون تحمل مسؤولية قراراتهم، ويرجعون دوما إلى الفقهاء. لهذا السبب لم يتقدم مجتمعنا». نهى، صديقتها، تومئ: «ارتداء الحجاب بشكل مكثف أسهم، بشكل واضح، في تقسيم المجتمع مابين مسلمين ومسيحيين.قبل أن يصبح الحجاب شائعا، لم نكن نظهر بشكل ممنهج كمنتمين لديانة أو لأخرى». بالنسبة لرانيا: بدون حجابها، الجميع يظنها قبطية، من مسيحيي مصر الذين يشكلون حوالي 10% من السكان. تتساءل: «وماذا بعد؟ ما هي المشكلة؟ هذا لا يضايقني، ولكن هذا يثير الكثير من النقاش في المجتمع». نداء الداعية ارتدت دعاء طويلا حجابها كرمز. في بداية سنوات 2000، كانت مصر تعيش نوعا من التجديد الديني، وحينها كانت رانيا طالبة بالثانوي، تعرفت، رفقة زملائها في الفصل، على عمرو خالد من خلال أقراص مدمجة، وهو محاسب شاب تحول إلى داعية وأصبح، منذ ذلك الحين، نجما دوليا، إلى درجة اعتباره، من طرف جريدة تايم، واحدا من مائة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم. آنذاك، كان عمرو خالد في بدايات دربه، ولكنه أحدث ثورة . دوره محدد في سياق عملية إعادة الأسلمة التي تعرفها مصر والعالم العربي والإسلامي. عكس هؤلاء الشيوخ الكبار التقليديين بعمائم ولحي طويلة، ليس له دبلوم ديني. بشاربه وابتسامته العريضة، يلعب دور الأخ الأكبر، يعظ مرتديا طقما أو قميصا رياضيا، يستعمل كلمات الحياة اليومية، يتفادى الأوضاع الجامدة، الصارمة والأخلاقية. في خطاباته، ليس هناك ترهيب، كما يفعل الشيوخ الآخرون، الذين يسارعون إلى التذكير بعذابات المذنب اللانهائية في الجحيم. «طريقته في دعوة الفتيات لارتداء الحجاب، تتذكر دعاء، كاختيار مفكر فيه بنضج، وباعتباره مرحلة في طريق يجتازه كل شخص حسب إيقاعه، دون أن يحاكم لهذا، أعجبتني». أسرة دعاء تمارس الشعائر الدينية بانتظام. أهلها يصلون باعتقاد راسخ، بالتوارث، ودون تباه. في ألبوم الصور الذي يتربع على طاولة قاعة الضيوف، والدتها وخالاتها، يبدون، في سنوات 1980، يرتدين فساتين قصيرة بلا أكمام. بعد خمسة عشر عاما ، وعند اقتراب سن اليأس، ارتدين كلهن الحجاب. تقول دعاء: «بل حاولت والدتي ثنيي عن ارتدائه!قالت لي إنه مع التقدم في السن حان الوقت للانشغال بالتهيء للعالم الآخر، أما أنا فلا أزال شابة لأتحجب». ومع ذلك، دعاء الفتاة الشابة، العزومة، تقرأ القرآن، تبحث في كتابات العلماء. مع تطور الإنترنت والقنوات الفضائية، تهتم بالبرامج الدينية. تؤكد: «أنا كنت ومازلت دائما فخورة بارتداء الحجاب. فعلت ذلك بكل حرية. هذه الخطوة كانت منسجمة مع رغبتي في تعميق إيماني. الحجاب أيضا منحني الثقة، مادام أنني استطعت بفضله إثبات شخصيتي». «لا شيء يجبرنا أن نكون قبيحات» منذ سبع سنوات. ارتدت دعاء الحجاب على الموضة، مربوط بشكل جميل ومنسجم مع زيها، تستوحي من موديلات معروضة بمجلات مخصصة للمحجبات، «إنها ميزانية مهمة! ولكن لا شيء يقول إن المحجبة يجب أن تكون قبيحة! -تقول مازحة اليوم- الآن، مصفف الشعر هو من يكلفني غاليا!». إنها متعددة اللغات، وأصدقاؤها من كل الجنسيات، من جميع الأديان. وبينما ترزح بغداد تحت ثقل القنابل، تتناقش مع أمريكيين على الإنترنت. تتحاور مع إسرائيليين حول «السلام الآن» بشأن مستقبل فلسطين. إنها طالبة في الاتصال، نسوانية، وفي مجموعة أصدقائها، فتيات محجبات وغير محجبات وفتيان فرقة مرحة. بالمقهى، يتبادلون كتب باولو كويلو، يتناقشون في السياسة، أو يتساءلون«هل يمكن أن تصبح امرأة ما رئيسة للجمهورية؟» لا، تعتقد دعاء، بما أنه - حسب الإسلام - وحده الرجل يمكنه أن يصبح خليفة. كانت دعاء سعيدة بحجابها. ما كان يزعجها هو نظرات الاستهجان لبعض المحجبات، عندما تضحك بصوت عال، فتيات «ينتقدن سلوكك». ردود الفعل: «تعاشرين الكثير من الغرباء»، «لا يجب أن ترتادي المقاهي»، «المحجبة يجب أن تعطي المثال»... في نهاية المطاف، ما كان ازعاجا فقط، أصبح ثقلا، ثورة أعصاب، تمردا. دعاء تتساءل، وهي تغوص في النصوص المقدسة باكية، في كثير من الأحيان، تحت هذا الحجاب الذي لم تجرأ على التخلي عنه. أصبح أكثر فأكثر ملونا، متساهلا، ومتضائلا، ليختفي في أحد الأيام. والداها سانداها، ولكن ذكراها بأنه كان يجب عليها أن تفكر أكثر قبل أن ترتديه، بدلا من أن تعد متقلبة. صديقات دعاء مذهولات. بعضهن حِدْنَ، مزدردات قليلا. أخريات متأسفات تردن أن يفهمن. مثل سامية، «التي لا تنتقد». ولكن تصلي من أجل أن «تجد صديقتها السكينة». بالنسبة لها، تصر دعاء على أن علاقتها بالدين لن تتغير. كما في السابق، تجهد هذه المرأة الشابة نفسها لتصلي خمس مرات في اليوم. صامت خلال شهر رمضان الماضي، بل صامت تطوعا أيضا، من أجل تهييء روحها للعيد. في لحظات الصلاة هاته في رحاب المسجد، وفي حميمية غرفتها، تضع على رأسها وشاحا تنزعه مباشرة بعد الانتهاء من الشعيرة. «عزة نفسي كمسلمة، تؤكد من الآن فصاعدا، هي في الحجاب الأخلاقي الذي يحمي عفتي وضميري،وليس شعري». عن «ليبيراسيون» الفرنسية