نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا جراء عدوى أصابته في المسالك البولية    داخل جمعية!!.. محاولة فتاتين وضع حد لحياتهما بمادة سامة تستنفر السلطات بطنجة    الماص يقلب الطاولة على الوداد في البطولة الاحترافية    منتخب الكراطي يحصد 20 ميدالية في البطولة العربية    النيابة العامة تحيل سائقي "الطاكسيات" المعتقلين في الرباط على قاضي التحقيق    بعد لقاء الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني.. الرباط ونواكشوط يتجهان لإحياء اللجنة العليا المشتركة بينهما    بوتين يعتذر عن حادثة تحطم الطائرة الأذرية دون تحميل روسيا المسؤولية    إحداث 7912 مقاولة في جهة الرباط    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    وحدة خفر السواحل تواجه عطبا مفاجئا وتعلق بين الصخور    زياش يشترط على غلطة سراي مستحقاته كاملة لفسخ العقد    الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان تؤدي مهمتها على أكمل وجه    حيار: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة لا تتعدى حدود الشريعة الإسلامية    ليكيب: حكيمي والكعبي في التشكيلة المثالية لإفريقيا لعام 2024    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    خنيفرة تحتضن المهرجان الدولي للقصة القصيرة    كلميم..توقيف 394 مرشحا للهجرة غير النظامية    وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    القضاء يدين محمد أوزال ب3 سنوات ونصف حبسا نافذا    عملية أمنية تنتهي بإتلاف كمية مخدرات بوزان    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    المغرب داخل الاتحاد الإفريقي... عمل متواصل لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    الاحتفاء بالراحل العلامة محمد الفاسي في يوم اللغة العربية: إرث لغوي يتجدد    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    سطاد المغربي يهدد صدارة رجاء بني ملال    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجديد تنشر النص الكامل المحاضرة الدكتور حسن أوريد المنظمة من قبل جمعية المسار تحت عنوان:هل من سبيل للحوار بين العالم الإسلامي والعالم الغربي؟
نشر في التجديد يوم 17 - 11 - 2003

احتضنت جمعية المسار لقاء علميا مع الدكتور حسن أوريد في موضوع الحوار مساء الثلاثاء الماضي، وقد شكل هذا اللقاء مناسبة للوقوف على أبعاد الأزمة في الواقع الراهن دوليا وعربيا ومحليا، وكيف يمثل الحوار مدخلا ضروريا إن لم يكن وحيدا لتجاوز هذه الأزمة، كما كان اللقاء محطة لمدارسة إشكالية التحديث والعلاقة مع الآخر بما هي علاقة تفاعل وأخذ وعطاء لمصلحة التنمية المنشودة، وذلك باعتماد رؤية تاريخية حضارية عميقة تنبئ عن إحاطة بمختلف تمظهرات هذه العلاقة وتطوراتها المتلاحقة وخاصة منذ نهاية الحرب الباردة، وتطرقت المحاضرة أيضا للإشكالية المرتبطة بإصلاح الذات وإصلاح الفكر الإسلامي لينتج عن ذلك تفكير جديد يبقي على روحنا دون أن يتنكر لعصرنا.
وقد أثارت فترة المناقشة التي تلت المحاضرة جملة إشكالات متفرعة عن الإشكالات السابقة من قبيل قضية العلمانية والعلاقة بين الدين والدولة، وكذا الدين والسياسة وتدبير التعدد اللغوي في المجتمع الإسلامي، ومعيقات الحوار الداخلي والشروط المطلوبة لإنجاحه والخصوصية الحضارية للمغرب. وفي مختلف هذه الإشكالات لم تشذ الإجابات عن النفس الحواري الاستيعابي المنفتح والواعي بالخصوصية الذاتية الذي حكم المحاضرة، ومن ذلك التأكيد على أن الفصل بين الدين والدولة مسألة غير سليمة مادامت الدولة تعكس طبيعة الدين الموجود والمهيمن في المجتمع، وأنه عوضا عن ذلك ينبغي التفكير في الفصل بين الدين والسياسة. وأيضا الإحالة على تجارب الدول الإسلامية خارج المجال العربي كماليزيا وإيران في كيفية تدبير التعدد اللغوي.
واعتبارا لأهمية الأفكار المطروحة ننشر النص الكامل للمحاضرة بغية أن يشكل ذلك رافعة لخدمة مشاريع الحوار المطروحة في مجتمعنا.
عرفان وفرح
أستشعر الفرح العد بهذه المناسبة التي تتاح لي لأحدث صفوة من ذوي الرأي والفكر والعمل، بمبادرة طيبة من جمعية المسار، وهي الجمعية التي جعلت ديدنها التفكير مليا فيما يعتور مجتمعنا من قضايا ملحة حازبة، وهي التي جعلت الحوار سبيلا ومنهاجا. فإليها أزجي عرفاني، وإلى القيمين عليها تشكراتي. ولاشك أن ما رسمته الجمعية من أسلوب وما طرحته من قضايا، إن هو إلا بادئة لمشروع طموح يتلاقى حوله ذوو النيات الطيبة من مختلف المشارب: مشروع يروم الرفعة والمنعة لمجتمعنا، يغترف من الطارف دون أن يفرط في التالد. إن لب الإشكالية هي كيف نعانق عصرنا دون أن نفرط في ذاتنا.. إن حالنا شبيه بتلك الصورة التي رسمها الشاعر والفيلسوف الألماني جوته في مسرحيته الرائعة فوست حينما عن الشيطان للشيخ الطاعن فوست في جنح الظلام، ليعرض عليه الشباب والفتوة والغائية كاترينا مقابل روحه. فهل يقبل فوست على الشباب والحياة مقابل روحه، أن يبقي على روحه، ويبقى بذات الوقت على جسده الواهن الذي لا تدب فيه الحياة ولا ينضح بالحيوية. هو إغراء. وقد سقط فوست ضحية إغراء طوح به إذ سلبه روحه وألقى به في براثن الغواية يأتمر بها وتحركه أنى تشاء..
ولعل عذر فوست، إن كان ثمة عذر، أن وحدانيته وأن الظلام الجاثم حواليه، قد دفعاه إلى حيث كان هلاكه..
وليس في خيار فوست قدرا لا مندوحة عنه. ليس لنا أن نقبل على الحياة مقابل روحنا، وليس لنا أن نبقي على روحنا مع ما يصحب ذلك من تكلس ووقوف في طرق الحياة.
قبس من موسى عليه السلام
هناك سبيل ثالث حينما يحتلك الظلام وتنحجب الرؤية، هي تلك التي رسمها القرآن الكريم في قصة سورة طه عن النبي موسى عليه السلام: إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم بقبس أو أجد على النار هدى.
في فيافي التيه ومهامه البحث ينجلي نور، فينبري من هو رائد لقومه يلتمسه ويتلمسه ليأتيهم بقبس.. وإننا هنا، كلنا، مدعوون أن نلتمس القبس الذي به نهتدي.. إن دور الصفوة لحيوي.. ولعلكم لاحظتم معي منطوق الآية الكريمة ومدلولها في حديث النبي موسى عليه السلام إلى قومه امكثوا.. إن عمليه الاهتداء والهداية هي من مسؤوليات الصفوة.. وهو السبيل المعول في هذه الظروف الدولية الصعبة التي نجتازها.
إن علينا أن نتأمل التجارب الإنسانية التي انطلقت من الحرية أو من العدالة، أو حتى من الهويات العرقية وكان مآلها الفشل.. إن هناك رحلة أخرى للنوع البشري، رحلة تبدأ من فراق ما وجدنا لمعانقة ما لا نعرف. لا بد من هجرة، ولابد في مهامه هذا السفر الطويل الشاق من زاد: هو التقوى.. لابد من الارتقاء بالنفس الإنسانية، لايمكن أن نكتفي بالانقياد لها.. فقد تضل، وقد تشتط، وقد تأمر بالسوء.
نسيان تاريخي
سيداتي سادتي،
إن الموضوع الذي نحن بصدده هو هل من سبيل للحوار بين العالم الإسلامي وبين العالم الغربي. ولعلكم لاحظتم أني استعملت تعبير عالم إسلامي مقابل عالم غربي.. إنني بهذا أنأى عن الطروحات المختزلة التي تضع الإسلام في صراع أو تقابل مع الغرب. فبداخل كل عالم فروقات واختلالات يتعين أن نرصدها..
وقبل هذا وذاك هناك واقع. هناك واقع من ميراث تاريخي قام على نسيان تاريخي َِّم فٍٍجَّىم وىَُُّّْىِّّم هناك إنكار وجحود لإسهامات الحضارة الإسلامية من قبل الغرب، فلا يزال الغرب لا يعتد إلا بالميراث اليهودي النصراني أو الإغريقي الروماني. وهناك نزاع حضاري أخذ طابع الاحتلال الترابي والغلبة الحضارية.. توغلت الإمبراطورية الإسلامية في تخوم بيزنطة، ودوخت بعد هياط ومياط الأناضول وحاضرة الكنيسة الأورثوذكسية القسطنطينية، وبالمقابل وضعت إيزابيلا الكاثوليكية حدا للوجود الإسلامي في الجزيرة الإيبيرية، وبعثت أوربا بمباركة البابا البعوث إلى القدس باسم حملات صليبية.. بل لم يكن التوسع الاستعماري لدى الكثير من المستعمرين إلا توسعا دينيا ولم يكن إلا رجع صدى للحروب الصليبية من منظور المسلمين المستعمرين..
إن التلاقح الثقافي والتفاعل الحضاري لا يتم بمجرد الصدفة أو الرغبة. إنه نتاج صيرورة تأتي بعد فترة من الصدام والنزاع. إن المجتمعات قبل أن تتفاعل تتصادم، ولكن هذا التفاعل لكي يكون إيجابيا ينبغي أن يقوم على الاحترام، وعلى تصفية المخلفات أو سوء التفاهم، وهو ما لم يحدث في علاقة العالم الإسلامي وتجربة الاستعمار..
عمد الاستعمار إلى تقسيم أوصال العالم الإسلامي بأن رسم خرائط وفق هواه ووفق مصالحه لا تزال إلى الآن قنابل موقوتة تضعف العالم الإسلامي وتقوي دور الدول الغربية وتوسع هامس تحركها.. وفي حالات أخرى لم تنعتق دول إلا بعد صراع مرير وحروب ضارية دامية، قلبت موازين تلك الدول رأسا على عقب، إذ سلبتها المنعة التي تأتي من الحفاظ على الجذور، ولم تمكنها من الوصول إلى ما كانت تبتغي من تحديث وتصنيع، وتكالب مع ذلك قصور سياسي وخيارات خطيرة أفضت، كموجة صدمة، بعد عقود، إلى حالة من الضياع.. والأدهى والأمر في علاقة المستعمر والمستعمر، والتي كان يمكن أن تثمر تفاعلا خصبا إيجابيا، كما تاق إليه مستشرقون أفذاذ رأوا في الحضارة الإسلامية مرآة للحضارة الغربية أو الأوروبية، تنظر فيها إلى نفسها وتكف بذلك غلواء نزوعها المادي، ورأوا فيها كذلك تجليا لأندلس جديدة.. (كان ذلك حلم جهابذة عظام لا يكفي أن نذكرهم، بل يتعين أن نقرأهم بعناية واهتمام أمثال ماسينون، وكاردي، وبيرك).. أقول الأدهى هو أن هذه العلاقة حبلت بخطيئة أصلية هي سوء تدبيرها لما كان يسمى المسألة اليهودية.. حلت أوربا ما كان يؤود ضميرها على حساب شعب، بل أكاد أقول على
حساب حضارة..
أخفقت إمكانية التلاقح وذوت محاولات الحوار التي لم تتعد مبادرات محدودة لأشخاص أو مناظرات في أروقة مغلقة..
صدام مصطنع
والمجتمعات كالأفراد تكبدت خيباتها إلى أن تعن بقوة وبعنف في حالات عصابية هوجاء.. وكان من الممكن وقد وضعت الحرب الباردة أوزارها أن ترسي القوة العالمية التي بشرت بنظام عالمي جدي أسس حوار حضاري ونواة مصالحة تاريخية. وقد انبرت فعلا في محاولات جادة إلى حل للخطيئة الأصلية، التي حالت دون تفاهم بين الحضارتين، قضية فلسطين.. وكان في تراث أمريكا القائم على الحرية واحترام خيارات الشعوب معينا لهذا التوجه.. بيد أن خيارات القادة، مهما كان صدقهم وعزمهم، لا يمكن أن تهزأ بها يعتور المجتمعات من رؤى مناوئة، تنسف تلك الخيارات، خاصة إذا كانت تلك الرؤى ذات تأثير وذات عزم وعزيمة. لم ترتح القوى المحافظة للتوجهات الجديدة فانبرت في سعي محموم على نسفها. كان العالم إلا أقله يرى في المسلمين وهم يذبحون على مرأى ومنظر العالم في الأسواق وفي المقابر وفي المساجد، ثم وهم يسامون الخسف في معتقلات فيها يجوعون رجعا للمعتقلات النازية.. كان العالم يرى في ذلك ضيما وجرما لا يمكن أن يبقى بحال.. في تلك الأثناء ارتفعت عقيرة عالم سياسي خبير في الفترات الانتقالية لدى المجتمعات، له علاقة بالمخابرات، ليعطي قراءة غير تلك التي عمت وسادت
لحرب البلقان وفي بؤرة البوسنة.. كان ذلك في أكتوبر 1992 وفي American Entreprise Institute حينما قدم صمويل هانتغتن محاضرة بعنوان صدام الحضارات حضرها محدثكم هذا، وتحدث فيها عن النزاع الدائر رحاه بالبوسنة، باعتباره صراعا حضاريا بين الصرب الذي يمثلون القوام الحضاري للبلقان وبين الدخلاء من المسلمين.. تحول المسلمون البوسنيون في محاضرة هانتغتن إلى غزاة معتدين. وحينما نشرت مجلة ئُْمىهَ ءننفىَّْ مقال هانتغتن رعت أو رعى هو أن يشذبه من كل تحامل سافر وأن يسبغ عليه جهد الإمكان طابع الموضوعية بأن لا يقصره على صراع ثنائي بين الإسلام والغرب وإنما على صراع بين الغرب والآخرين The West And The Rest وتحركت في تلك الأثناء آلة إعلامية وفكرية لتحذر من الخطر الأخضر، ومن سعار الإسلام (B Lewis The Rage Of islam)، ومن التهاون في التعامل مع المسلمين (Judith Miller).
وكانت الإدارة الأمريكية تدرأ جهد الإمكان محاولات جهات نافذة تريد أن تزج بها في صراع حضاري.. كانت تدفع أن الإسلام ليس عدوا، وأنه دين عظيم، وأنه رعى حضارة إنسانية رائعة، ورعت الإدارة في غمرة هذا الشد والجذب محطة كان يمكن أن تغير مسار العالم. كان ذلك في 13 شتنبر 1993 حينما احتضنت الولايات المتحدة مراسيم حفل التوقيع على معاهدة أسلو، لأن الصدام الحضاري ما بين العالم الإسلامي والعالم الغربي كما تمثل في أعقاب الحرب الباردة يقوم على خلفية صراع عقدي ذي تمثلات إيديولوجية بين اليهودية وبين الإسلام.. أو على الأصح بين قراءات لليهودية وقراءات للإسلام. وتبدى في غضون شهور معدودة أن هناك قراءة دينية حرفية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني حين أقدم طبيب أمريكي مستقر بالخليل على إطلاق النار على جموع من المصلين في شهر رمضان.. كانت وصية الدكتور كولدشتين أن أرض إسرائيل/ أو فلسطين هي الأرض الموعودة التي وهبها أدوناي لشعبه المختار، وأنه والحالة هذه لا يجوز التفاوض بشأنها. كان كولدشتين يصدر كما سيظهر لاحقا بعد اغتيال إسحاق رابين، عن شعور عام وتوجه فكري وعقدي عريض.. والنتيجة هي استحالة الحوار مع من يصدر عن حقائق
مطلقة يوظف لها نصوصا دينية..
أعمال خرقاء
والحقيقة أن هذا التوجه الذي عمد إلى إبطال مفعول اتفاق السلام كان يجد السند من أعمال خرقاء يقوم بها مسلمون والمدد لما يدفع به والذريعة لما يحرك له. كان أوار العداء لإسلام يزند من حطب مسلمين أنفسهم ومن أعمال حمقاء خرقاء رعناء يقومون بها: محاولة تفجير مركز التجارة الدولية في فبراير ,1993 قتل للأبرياء من المسلمين وغيرهم من قبل متطرفين كذبح رهبان في تبحرين، تحويل طائرة وتهديد بتفجيرها في سماء باريس وهلم جرا..
لم يكن 11 سبتمبر فرقعة رعد في سماء صافية كما يقال. كان للأسف الشديد فرقعة في سماء ملبدة غائمة، من حركات متطرفة اتخذت العنف سبيلا، ومن خطابات هنا وهناك تطفح بالعداء والعداء المضاد. وقد أتيح لي أن أرصد هذا الزخم من الخطابات فيما كنت أنشره في بعض الجرائد وجمع بعضها في كتيب، واستدللت على هذه الخطابات المستعمرة بالأبيات الشعرية المعروفة:
أرى خلل الرماد وميض نار
ويوشك أن يكون لها إضرام
فإن لم يطفئها عقلاء يوم
يكون وقودها جثث وهام
فإن النار بالعودين تذكى
وإن الحرب أولها الكلام
الكلمات غير بريئة.. يمكن أن تقدح النار، ويمكن وهذا غاية هذا اللثاء أن تكون جسرا كذلك.
وكان الذي وقع، وأجمع العالم كله على استنكار ذلك العمل الفظيع التي استهدف أمريكا ومواطنيها ومؤسساتها.. ولم يكن بدعا أن يصدر من جريدة فرنسية هذا التعبير الذي كان لسان حال العالم: كلنا أمريكيون. كلما نشاطرها أحزانها.. وكان العالم في ذات الوقت أو قواه الفكرة الواعية تخشى أن تنصاع أمريكا لسورة الغضب ودعوة الثأر.. وتعلمون الذي حدث، مما تترتب عنه واقع جديد، هذا الذي ينعته أحد الخبراء الأمريكيين والملاحظين المرموقين John new House بالفرص الضائعة.. في كتابه الذي صدر بأخرة أمريكا الإمبريالية Imperial America.
أسفرت الحرب في العراق أو على العراق واقعا جديدا. وكان من مضاعقات هذا الواقع الجديد أن الغرب الذي التحم في الحرب الباردة وبعدها سياسيا، لم يعد وحدة متراصة، ويتعين والحالة هذا الحديث عن عالم غربي، ويتعين كذلك الحديث عن عالم إسلامي: عالم تعتوره اختلافات ثقافية وسياسية بله إيديولوجية فضلا عن منطق الدولة..
لا حوار مع جهل
ينبغي إذن حين الحديث عن الغرب أن نميز ما يتخلل هذا العالم من تمايزات. ما بين أوروبا وما بين أمريكا، وما بين المواقف السياسية المعلنة وما بين اتجاهات الرأي العام. لا ينبغي أن ينخدع المرء من مواقف سياسية معينة ويذهل عن الاتجاهات العامة، أو اتجاهات الرأي كيفما كان حجمها أو تأثيرها. فيمكن أن نرصد بعضا من الاختلافات بين أوروبا الحديثة والولايات المتحدة فيما يلي:
فعقد ميلاد أوروبا الجديدة يرجع إلى نونبر 1989 حين سقط حائط برلين، وحين انزاحت الإيديولوجية وحل محلها منطق الاقتصاد والمال، والنزوع إلى السلم والإبقاء على المكتسبات. أما عقد ميلاد أمريكا فهو 11 سبتمبر 2001 وهو يضع الأمن لديها مقدما على السلم والإيديولوجيا على الاقتصاد، والحرب ضد الإرهاب على التعاون الاقتصادي.
المرجعية الثقافية لأمريكيا تظل دينية وسلوكات شعبها وقادتها مطبوعة بتراث ديني على خلاف أوربا ذات المرجعية العلمانية.
إن الدعوة للحوار ينبغي أن تقوم على شيء أساسي هو المعرفة الدقيقة للآخر.
لا حوار إذن مع جهل، فبالأحرى أن يكون هناك حوار مع تجاهل.. بأوربا التي اتخذت مواقف رسمية معتدلة تقوم اتجاهات مسرفة في العداء للإسلام وحضارته وقيمه، وأحيل هنا على سبيل المثال إلى ما أقدمت عليه أوريانا فلاشي في كتابها Lorgueil et la rage، أو التهليل لكاتب عادي ح. بٌٌُِّمقمكو، أو هذه الاتجاهات المعادية التي أجملت في كتيب صغير مفيد للغاية Vincent Geisser RLa nouvelle Islamophobie وبالمقابل أسوق ما يند بين حين وحين في الولايات من اتجاهات حصيفة رصينة مثل هذا الكتاب Two Faces Of Islam d` Stephen Schwart< لكاتب أمريكي يهودي يمجد الإسلام ونزوعه الإنساني من خلال سيرة النبي عليه السلام، ويعتبر أن الإسلام لو لم يكن عظيما لما ثبت ولما بنى حضارة رائعة، ويومئ في ثنايا كتابه إلى ضرورة حوار إسلامي يهودي.
والمؤسف أن الجهل أضحى ميزة على غرار ما قاله جورج أورويل في كتابه الجهل قوة Ignorance is strength. لو ترون: الخبراء تحولوا بقدرة قادر إلى مفتين ومراجع. زاروا مرة بلدا إسلامية، والتقوا لسويعات مثقفا نكرة ينوء تحت وقر ثقافة أبوية قاتلة وتقاليد عتيقة، واستعموا لشكاة ناشطة كسيرة بسبب ثقافة ذكورية وهلم جرا.. وبهذا يفتون.. لا حاجة إلى أن يعرفوا المجتمعات الإسلامية وأبوابها الثقافية ومفاتيحها اللغوية.. يحكمون بالظن وما تهوى الأنفس، ويجدون في بعض الوسائط من المجتمعات الإسلامية ذاتها المدد والصدى في آن. حلقة مفرغة تقوم على فرضية أن الإسلام دين عنف لتدلل على أنه دين عنف.. والدليل إذا أعياكم البرهان ما يقوله مسلمون متنورون يلاقون الأمرين في بلدانهم..
وللأسف مرة أخرى، هناك قانون اقتصادي ينطبق على المجتمعات كذلك وهي أن العملة الزائفة تطرد العملة الصحيحة. يكتسح الزيف مجال الصور والتصورات ويتوارى دور العالم العارف الحصيف، الذي يقبع في غياهب التجاهل والنكران.. خواطر صويحفي في Marianne أو Lexpreََّّ أهم بنتائج بحث عالم سوسيولوجي أو أنتربولوجي يجب العنت في نشر خلاصاته.. أما التعريف بما على قنوات الأثير والتلفزيون فضرب من المحال..
لابد من إعادة الاعتبار للجامعة، هنا وهناك، ولمراكز البحث. لا يمكن لحوار أن يقوم بدون معرفة موضوعية بالآخر..
الحوار الذاتي فريضة
ولن أكل من ترديد ما قدمت: لا حوار مع جهل فبالأحرى مع التجاهل المغرض.
وما ندعو والآخر له ينطبق علينا من باب أولى، أفلا يعتم الغضب أو الجهل لدينا الرؤية. ألسنا إلى الآن ضحايا صور نمطية نسبغها على الغرب تنم في الغالب عن قصور معرفي. كل نجاح لا يمكن وليد الصدفة، هو نتاج للجد وللعمل الممنهج المعقلن. لم يقم الغرب على القمار ولا التهتك الأخلاقي، تلك فضلات النظام الرأسمالي.
والمؤسف هي القراءات السطحية التي يقوم بها أغرار يفتون ويقررون، بل ويهدرون النفس التي حرم الله إلا بالحق.. ولقد بلونا نتاج هذه التنطعات التي أفضت إلى 16 ماي.
لذلك كله، فإن أوجب الواجبات هو أن نجري حوارا فيما بيننا نحن المسلمين لاعتبارات عدة أجملها فيما يلي:
إننا شئنا أم أبينا مطالبون بتفكير جديد يبقي على روحنا دون أن يتنكر لعصرنا. إن هذا التفكير لا ينصرف إلى إعادة النظر في العبادات، فهذه سرمدية، وإنما ينصرف إلى تدبير العلاقة فيما بيننا كأفراد وجماعات.. إن هذا الجانب المعاملتي إن صح هذا التعبير سيتأثر بمحيطنا ومعارفنا وما يضطرب حوالينا.. فالفكر الإسلامي الحديث هو ما سيصوغه المسلمون مستقبلا، لا ما قد يستقون من ماض عفا واندرس. فلا يمكن أن تقدح النار من الرماد، بل من الحطب الذي تذكيه الجذوة، وليكن هذا الحطب من أي كان.. وإن دور المفكر لرائد. مفكر مشبع بمقومات حضارته، غير متنكر لها، عارف لعصره ونواميسه.. إذ لا يمكن أن نؤثر في مجتمعاتنا إن نحن تنكرنا لها أو أعرضنا عن قيمها.. ونواميسه.. إذ لا يمكن أن نؤثر في مجتمعاتنا إن نحن تنكرنا لها أو أعرضنا عن قيمها..
إن هذا الحوار إن لم نقم به نحن فرض علينا فرضا، أو على الأصح فرض علينا صخب وجلبة لا ضوابط لها ولا قواعد، بل هناك رغبة أكيدة إلى فرض الحوار أو على الأصح إلى نقل صدام الحضارات إلى داخل المجتمعات الإسلامية ما بين المغربين وما بين غير المغربين.. فالعالم الغربي مسيج بما فيه الكفاية ليدرأ أذى البرابرة الجدد، ولا يخفي بعض دهاقنة العداء رغبتهم في أن يستعر الصراع داخل المجتمعات الإسلامية، حرب يريدونها بداخل الإسلام كما عبر عن ذلك من غير مواربة توماس فريدمان، إذ قال في رسالة صورية إلى وزير التربية السعودي إننا لا نريد حربا مع الإسلام، إننا نريد حربا داخل الإسلام. أو ما قاله كلود أمبير في أسبوعية لوبوان.
RContre la hantise dun conflit de civilisations, le remède nest pas doublier la nôtre. Cest, au contraire, notre fermeté qui convaincra un islam moderne, encore dans les limbes, de combattre lui - même ses propres démons. Aidons - le Allah laidera!S
أخلاقية إسلامية
إن وجه الإسلام أو صورته هو ما يصنعه المسلمون أنفسهم أو ما سيصنعونه.. إن من الخطل في الرأي التمييز بين الدين وبين معتنقيه. فقيمة كل رسالة ما يصنع بها ذووها. ولو تدبرنا التاريخ الإسلامي لألفينا أن رسالة الإسلام قامت على أكتاف رجال متميزين، هم الذين جعلوا من هذه الرسالة التي ميزت بين البشر بالتقوى وبالتقوى وحده، صرحا شامخا. وهو مدلول الحديث الشريف اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين وهو مدلول الحديث الشريف خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام. فالقيمة المطلقة للأشخاص ومن ثمة المجتمعات هي التي تنعكس على الدين. علينا تتوقف الصورة التي نريدها للإسلام ونريدها أن تنطبع لدى الآخر، أو على الأصح علينا يتوقف بلورة نتاج جديد إذ ما جدوى الصورة إذا كانت تسوق لمنتوج عتيق. إن علينا لمسؤولية كبيرة أن نصوغ الجديد انطلاقا من روح الإسلام، ليس فقط في إعادة قراءة نصوص قديمة وبعثها، بل في حياتنا الآنية وفي سلوكنا وتعاملنا.. إنه لا مندوحة من استخلاص أخلاقية إسلامية، هي في منظوري أفيد من القراءات الفقهية والاجتهادات المترتبة عنها.. أخلاقية تقوم على العمل الصالح، وعلى التقوى، وعلى التوادد، وعلى خفض الجناح، وعلى
القصد فيما نقوم به ونسعى إليه، وعلى البذل وتنبذ بالمقابل التفاخر بالأموال،.. والتبذير وتصعير الخد والعجب بالنفس.
لابد من ضوابط للحوار وأول هذه الضوابط أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، والكل يملك جزءا منها.. هي متحركة تصاغ في تفاعل المجتمعات ودفاع الناس بعضهم ببعض. وينتفي والحالة هذه كل دعوة للتكفير، وكل زعم بالإفتاء، وكل رغبة في احتكار الدين.
إن هذه السبيل لطويلة تقتضي النفس والصبر والأناة.
اليهود إخوة في المواطنة
ولا أود أن أنهي حديثي هذا دونما الإدلاء بملاحظتين:
أولهما أن هذا الحوار الذي نريده مع الآخر لا ينبغي أن يستثني أحدا وأن بوابته هي حوار الأديان إذ كما يقول أحد القساوسة: لا سلم بين الأمم بدون سلم بين الأديان، أو ما يقول سُّمِومَ سكوٌّفُّْ<، في كتابه الذي ألمعت إليه:
إن بقاء البشرية رهين بإجراء مصالحة ما بين الديانات الإبراهيمية الثلاث The survival of humanity depends on reconciliation between the three Abrahamic faithَّ )cf p.68).
إنه لا يمكن أن نستثني اليهودية من هذا الحوار.. إن كثيرا من أصحاب الفكر والرأي، بحكم وزن القضية الفلسطينية وعجرفة إسرائيل يستثنون اليهودية من هذا الحوار.. وأرى أن هذا الحوار هو أولوية إذ من شأنه على المدى المتوسط أن يزيح كثيرا من الهواجس ويبدد كثيرا من التصورات التي تغذيها طيور شؤم نافذة. وإن سوء التفاهم هو ما يسعر الصدام الذي نعيشه. إن لنا من اليهود إخوة في المواطنة. وإن منهم ما يجمعنا وإياهم توقهم للعدالة وتجندهم لإحقاقها.. وإننا نشترك جميعا في عقيدة التوحيد. وإننا ما منطلق ديننا لا نفرق بين النبيئين.. وإن لنا لماض مشترك، تتخلله ككل علاقة حركات صعود ونزول.. إذ لا ينبغي للنزول أن يحجب الصعود. لا يمكن أن نذهل عن التعايش الذي ساد في الأندلس وفي المغرب وعن نزوح اليهود حين سقطت غرناطة وقبلها إلى بلادنا وإلى الإمبراطورية العثمانية حيث وجدوا الأمن والقبول، بل إن بعث اللغة العبرية ما كان ليكون لولا تلقيحها باللغة العربية.. ما كان سيكون إن نحن تذكرناه كما يقول الشاعر الفرنسي أراكون.
وثانيا أرى أن بلدنا يمكنه أن يضطلع بدور رائد في إرساء سبل الحوار.. بحكم تاريخه، وبحكم ثقافته، وبحكم توجهات قائد جلالة الملك محمد السادس.. حوار بيننا كمسلمين من مختلف المشارب، وحوار مع الآخر. ينبغي خلق الجسور، لنتفق: الجسور ليست هي الضفة الأخرى ولكن هي ما يقول إليها.
والسلام عليكم
انتهى كلام المحاضرة حسن أوريد
و للإشارة فإن المحاضر هو الناطق الرسمي للقصر الملكي بالمغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.