الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    هل تُنقذ الأمطار الربيعية الموسم الفلاحي في المغرب؟    عاجل.. تسليم الطفلة القاصر ملاك لوالدتها التي تقرّر متابعتها في حالة سراح في قضية المدعو "جيراندو"    اندلاع حريق مهول في السوق البلدي لمدينة المحمدية    كلية الآداب والعلوم الانسانية بالمحمدية تنظم احتفالاً باليوم العالمي للمرأة    دراسة أمريكية.. قلة النوم تزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم لدى المراهقين    شفشاون تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية.. وهذه توقعات الثلاثاء    رئيس النيابة العامة يستقبل وزير العدل الفرنسي ووفد رفيع المستوى    المغرب يستقبل نحو 2,7 مليون سائح عند متم فبراير    هذا موعد إعلان الركراكي عن قائمة أسود الأطلس    شرطة محطة القطار بطنجة توقف مروجا لمخدرات بحوزته 600 قرص من نوع "زيبام"    التساقطات المطرية تنعش حمولة حوض اللكوس ونسبة الملئ ترتفع إلى 46.05 %    حماس تقول إن إسرائيل "تواصل الانقلاب" على اتفاق الهدنة في غزة    اعتقال سائق سيارة أجرة بتهمة الإخلال بالحياء    تأجيل اجتماع لجنة المالية بمجلس النواب كان سيناقش وضعية صندوق الCNSS بعد اتهامات طالت رئيستها    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    الجزائر تغازل إدارة ترامب وتعرض معادنها النادرة على طاولة المفاوضات    فالفيردي يصل إلى 200 مباراة في "الليغا"    التامني: القوانين وحدها غير كافية لتغيير وضعية النساء ومدونة الأسرة تحتاج إصلاحات جذرية    فتح باب الترشح لنيل جائزة التميز للشباب العربي 2025 في مجال الابتكارات التكنولوجية    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    "البيجيدي" يطلب رأي مجلس المنافسة في هيمنة وتغول "الأسواق الكبرى" على "مول الحانوت"    ذكرى وفاة المغفور له محمد الخامس: مناسبة لاستحضار التضحيات الجسام التي بذلها محرر الأمة من أجل الحرية والاستقلال    أوضاع كارثية وأدوية منتهية الصلاحية.. طلبة طب الأسنان بالبيضاء يقاطعون التداريب احتجاجا على ضعف التكوين    المغرب – سوريا إلى أين؟    إدارة السجن بني ملال تنفي ما تم تداوله حول وفاة سجين مصاب بمرض معدي    "نساء متوسطيات" يمنحن مراكش أمسية موسيقية ساحرة    تعليق الدراسة بسبب سوء الأجواء الجوية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    من وهم الاكتفاء الذاتي إلى استيراد مليون رأس غنم بشكل مستعجل! أين اختفت السيادة الغذائية يا تبون؟    حقيبة رمضانية.. فطور صحي ومتوازن وسحور مفيد مع أخصائي التغذية محمد أدهشور(فيديو)    كيف يتجنب الصائم أعراض الخمول بعد الإفطار؟    قلة النوم لدى المراهقين تؤدي إلى مشاكل لاحقة في القلب    الكوكب يبسط سيطرته على الصدارة و"سطاد" يستعد له بثنائية في شباك اليوسفية    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    أدت ‬ببعضها ‬إلى ‬الانسحاب.. شركات مالية ‬مغربية ‬تواجه ‬أوضاعا ‬صعبة ‬بموريتانيا    في رثاء سيدة الطرب المغاربي نعيمة سميح    هَل المَرأةُ إنْسَان؟... عَلَيْكُنَّ "الثَّامِن مِنْ مَارِسْ" إلَى يَوْمِ الدِّينْ    غاستون باشلار وصور الخيال الهوائي :''من لايصعد يسقط !''    زيلينسكي يتوجه إلى السعودية قبل محادثات بين كييف وواشنطن    ترامب: التعليم في أمريكا هو الأسوأ في العالم    التطوع من أجل نشر القراءة.. حملة ينظمها حزب الاستقلال بالقصر الكبير    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    كندا.. المصرفي السابق مارك كارني سيخلف جاستن ترودو في منصب رئيس الوزراء    نهضة بركان على بعد خطوة من تحقيق أول لقب له بالبطولة    عمر هلالي يعلق على أنباء اهتمام برشلونة    الصين تعزز الحماية القضائية لحقوق الملكية الفكرية لدعم التكنولوجيات والصناعات الرئيسية    كوريا الجنوبية/الولايات المتحدة: انطلاق التدريبات العسكرية المشتركة "درع الحرية"    دراسة: الكوابيس علامة مبكرة لخطر الإصابة بالخرف    أبطال أوروبا .. موعد مباراة برشلونة ضد بنفيكا والقنوات الناقلة    رجاء القاسمي.. الخبرة السينوتقنية بلمسة نسائية في ميناء طنجة المدينة    إسرائيلي من أصول مغربية يتولى منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي    مباراة الوداد والفتح تنتهي بالتعادل    بطل في الملاكمة وبتدخله البطولي ينقذ امرأة من الموت المحقق … !    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافـة الريـع- بقلم محمد يتيم
نشر في التجديد يوم 27 - 03 - 2008


في الحلقة السابقة أشرنا إلى أن الرشوة في مجتمعاتنا قد تحولت إلى ظاهرة مركبة تخترق المجتمع طولا وعرضا وأن الفساد أصبح له في بلداننا اليوم أركان وسقوف . أصبح للفساد ـ ومن مظاهره وتجلياته الرشوة والمحسوبية و نهب المال العام ـ نظامه الذي يعيد إنتاجه ويمدد له في الحياة . والأخطر من ذلك أن الفساد قد أصبحت له آلياته وقدرته على نشر ثقافة الرشوة وإعادة إنتاج القابلية لها حتى إنه قد قل من ينجو من شرها وشررها . وذلك يعني من جهة أولى أن الفساد اليوم لم يعد ظاهرة أخلاقية فردية معزولة وإنما أصيح صناعة لها لوبياتها التي تعيد إنتاجها وتمكن لها ، و شبكاته الممتدة عموديا وأفقيا والتي يسند بعضها بعضا ويقوي بعضها البعض الآخر. و ذلك يعني أيضا أن خطاب التخليق ، الخطاب النظري للتخليق لا يكفي في مواجهة منظومة الفساد ومقاومة الرشوة ولواحقها ، بل لا بد من القانون ولا بد من التشريع ، ولا بد ثانيا من الإرادة السياسية لتطبيق القانون . لكن مع ذلك وقبله لا بد من بناء ثقافة جديدة ثقافة العمل وثقافة الواجب وثقافة التعفف عن المال العام وعن الكسب الحرام . لكن ثقافة العمل وثقافة المنافسة وثقافة التعفف عن المال الحرام لا يمكن أن تزدهر في مجتمع تكرس فيه ثقافة الريع . فالريع كسب قائم على امتيازات يستفيد منها البعض بسبب امتلاكه للسلطة أو بسبب اقترابه من السلطة . الريع وسيلة للحراك الاجتماعي لا علاقة لها بالاستحقاق والجهد والمنافسة . اقتصاد الريع عدو خطير للحقوق الاجتماعية والاقتصادية ، وهو يولد مع الزمن ثقافة الريع وهنا علاقة للثقافة مع الاقتصاد لنا لها عودة . اقتصاد الريع يتعارض مع القانون ومع الشفافية والحكامة الاقتصادية الجيدة ة ومن ثم مع دولة الحق والقانون في مجال الاقتصاد ، ومع قانون السوق المبني على العرض والطلب ، ومع مبادئ الاقتصاد الليبرالي على علاته . فاقتصاد السوق قائم أساسا على المنافسة وعلى الجودة ، ومن ثم على المهارة والمعرفة في حين أن اقتصاد الريع يقوم أساسا على استغلال النفوذ والسلطة وليس على المعرفة أو المنافسة أو الجودة ، ولذلك فهو يمثل الرشوة العظمى والفساد في أكبر تجلياته ، لسبب بسيط هو أنه بنشر القابلية للارتشاء والوصولية وثقافة الاعتماد . ولذلك نحد في الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي تأكيدا على فك الارتباط بين السلطة السياسية وبين الاقتصاد ، بين الأمارة والتجارة . وفي هذا الصدد افرد ابن خلدون فصلا من فصول مقدمته تحت عنوان : في أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا و مفسدة للجباية حيث يقول : فيأخذون( يقصد السلاطين والحكام ) في اكتساب الحيوان و النبات لاستغلاله في شراء البضائع والتعرض بها لحوالة الأسواق و يحسبون ذلك من إدرار الجباية و تكثير الفوائد و هو غلط عظيم و إدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة فأولاً مضايقة الفلاحين و التجار في شراء الحيوان و البضائع و تيسير أسباب ذلك . فإن الرعايا متكافئون في اليسار متقاربون و مزاحمة بعضهم بعضاً تنتهي إلى غاية موجودهم أو تقرب ( انظر إلى إشارة ابن خلدون إلى قانون المنافسة وطيف ان دخول عامل وجاهة السياسة يفقد المنافسة معناها ) و إذا رافقهم السلطان في ذلك و ماله أعظم كثيراً منهم فلا يكاد أحد منهم يحصل على غرضه في شيء من حاجاته و يدخل على النفوس من ذلك غم و نكد ثم إن السلطان قد ينتزع الكثير من ذلك إذا تعرض له غضاً أو بأيسر ثمن أو لا يجد من يناقشه في شرائه فيبخس ثمنه على بائعه فك الارتباط بين الاقتصاد والسياسية ، وبين التجارة والإمارة هو أحد مداخل الإصلاحي الثقافي ، لا لشيء إلا لأن السياسة وإن كانت ليست هي العامل الوحيد المحدد للقيم المؤثر في السلوكات ، ولكنها تنتهي مع مرور الزمن إلى أن تصبح صانعة لثقافة جديدة وأنظمة قيم جديدة . و لذلك يصبح التدخل القانوني والتشريعي أحد مداخل إصلاح نظام الثقافة . إلا أن التقنين والتشريع لوحدهما لا يكفيان على أهميتهما ، كما أن الإرادة السياسية الفوقية وحدها لا تكفي ، فالفساد والرشوة حين يتحولان إلى ظاهرة ثقافية يحتاجان بالأساس ـ إضافة إلى المدخل القانوني ، إلى مقاربة ثقافية جديدة تقوم على غرس ثقافة الحق والواجب ، ثقافة تقاوم القابلية للفساد والقابلية للارتشاء، و على غرس قيم المواطنة الحقة . . نحن في حاجة إلى ثورة ثقافية عميقة تواكبها إرادة سياسية حقيقية للتخليق . نحن في حاجة إلى القطع مع ثقافة الريع وتوزيع الامتيازات الكبرى والتصدي للرشى الكبرى . نحن في حاجة إلى ثورة من أعلى تقوم فيها النخبة بإعطاء القدوة من نفسها ، وتعمل فيها السلطات المركزية على تفكيك مراكز النفوذ وأسباب الفساد والرشوة الكبيرة . ولن يكون ذلك إلا بلا مركزة السلطة وبالمنافسة الشريفة أي بالديمقراطية ، وإلا بلا مركزة الثروة ببناء الاقتصاد على المعرفة وعلى القانون وعلى المنافسة الشريفة وتفكيك اقتصاد الريع ، كل ذلك من خلال ثورة هادئة قد يكون تطبيق الجهوية من مداخلها الثورية الهادئة ولكن في انتظار ذلك ـ وقد يطول انتظار ذلك ـ يبقى العمل على جبهة تغيير الثقافة أي الإنسان أي المجال الذي هو تحت إرادة ومسؤولية كل واحد منا الأولوية . الأولوية ينبغي أن تكون للمقاومة القابلية للرشوة والارتشاء ، ومقاومة إغراء التحول إلى جزء لا يتجزأ من منظومة الفساد . الأولوية تبقى إذن لغرس ثقافة العمل والمنافسة الشريفة والتربية على أن الحلال الطيب القليل خير من الكثير الخبيث ، وليس هناك من قوة يمكن أن تجعل الإنسان قادرا على مقاومة الإغراء للدخول إلى منظومة الفساد والخضوع لإغراء ثقافة الرشوة غير التربية الدينية التي تعلمنا أن كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به . وهذا باب واسع للحديث عن العلاقة بين الثقافة والتربية .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.