يعيش العديد من المواطنين أزمة معيشية خانقة سببها الفارق الكبير بين الأسعار والأجور، وأمام ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وارتفاع العقار لا يجد المرء أمامه من خيار إلا الاقتراض من البنوك أو مؤسسات القروض لاقتناء بيت خاص به ونقص عبء السومة الكرائية من الأجور التي تكاد تنتهي في الثلاث أيام الأولى من تحصيلها، وبالتالي يرهن مستقبله بفوائد يستمر في دفعها طيلة سنين حياته، وتوجد فئة أخرى لا تستطيع حتى الاقتراض من هذه المؤسسات بسبب انعدام أجور قارة أو بسبب ضعفها، فتلجأ إلى رهن منزل هروبا من سومة الكراء المرتفعة شهريا، وبين هؤلاء وأولئك يظل الاثنان في حيرة من أمرهم حول مدى شرعية هذه التعاملات التي فرضها ارتفاع السومة الكرائية. والرهن بالمفهوم العامي يعتبر معاملة مستحدثة، ويوجد فرق بين الشكل الذي تعامل به الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أن تترك بضاعة أو شيئا لشخص معين عند شخص آخر ليقرضه شيئا معينا أو مالا، وبعد تأديته له يأخذ بضاعته أما الرهن الذي نتحدث عليه فيتعلق بالسكن أو العقار، وهو حرام حسب إجماع الفقهاء، لأنه يدخل في القاعدة الفقهية كل قرض جر نفعا فهو ربا. خيار يائس لجأت فاطمة وزوجها لرهن بيت بمدية سلا بمبلغ أربعة ملايين سنتيما لمدة ثلاث سنين رغبة في التخلص من سومة الكراء الشهرية القاسية، تم كراء الدار بمبلغ أقل من ثمن الكراء الحقيقي يتمثل في خمس مائة درهم شهريا على أساس أنهم سيستردونه في نهاية الأمر بعدما سدت في وجههما كل الأبواب لامتلاك بيت يحتويها وأبنها بسبب غلاء السومة الكرائية للعقار، سيما وأن راتب زوجها الذي يشتغل كمعلم لا يكفي لاقتناء بيت بعد ارتفاع العقار . تؤكد فاطمة أن خيار الرهن جاء بعد يأسها في اقتراض مبلغ مالي من أحد أفراد عائلتها أومن البنوك بدون فوائد مبالغ فيها، وبالتالي لامناص من ذلك عسى أن تدخر بعض المال أيضا لتشتري البيت الذي يعتبر حلما بالنسبة لها. لكن الذي حدث أن المكتري لم يعد يمنح صاحب البيت حتى المبلغ المتفق عليه، أي مبلغ 500 درهم مما حذا بصاحب البيت إلى اقتطاع ذلك من ثمن الرهن، فخاب أمل فاطمة التي لم تكن تعلم بأن زوجها لا يؤدي ثمن الكراء بأن تحصل يوما على بيت مستقل بل الذي سيحدث بعد أن قاربت الثلاث سنوات على الانتهاء أنهما سيلجآن للكراء بمبلغ 1500 درهم بشكل شهري مادام المبلغ الذي وفرته فيما قبل قد ضاع أيضا بسبب تهاون الزوج. تقول فاطمة لم يكن الرهن حلا إذن مادمنا سنبدأ من الصفر، فحين فكرت فيه كنت قد اتفقت وزوجي أن ندخر بعض الآلاف أيضا كمبلغ أولي تسبيق لكي ننقص من قيمة القرض. الرهن وعقد المنفعة مع ارتفاع ثمن العقار صارت تعاملات ما يسمى بـالرهن منتشرة بشكل كبير، وهي تعني إعطاء المكتري لصاحب المنزل مبلغا معينا من المال يتصرف فيه مع كراء عقاره أو منزله مدة من الزمن بثمن وسومة منخفضة على الجاري والمعمول به، حتى إذا اكتملت المدة، وأراد المكتري مغادرة المنزل أعاد له صاحب الدار ماله. إلا أن الدكتور محمد الروكي اعتبر أن التعامل بهذه الصيغة ليس بـرهن، وإنما هو سلف بمنفعة، فهو من قبيل التعامل الربوي، لأن صاحب المال عندما يسترد ماله ويرد المنزل لصاحبه، يكون قد استرد ماله كاملا، واستفاد أيضا من التخفيض الذي مُنحه من قبل صاحب المنزل. وأضاف الدكتور الروكي في رد له على استشارة لأحد المواطنين، أن هذه المعاملة هي من قبيل السلف الذي يجر منفعة، فهي غير جائزة، اللهم إلا لمن اضطر إليها اضطرارا شرعيا، فلا جناح عليه لأن الضرورات تبيح المحظورات، أما من وقع فيها بغير ضرورة شرعية فعليه فسخها على الفور. من جهته أكد الدكتور أحمد الريسوني نفس طرح الدكتور الروكي، حيث أكد أن المعاملات التي يسميها الناس بالرهن ليست هي الرهن المذكور في القرآن الكريم، وفي كتب الفقه. ولذلك فحكمها لا يؤخذ من حكم الرهن المعروف قديما. فهي معاملة جديدة مستحدثة، لا يصح قياسها ولا تخريج حكمها على معاملات مختلفة عنها، والأصل في تصرفات الناس ومعاملاتهم وجلب مصالحهم هو الإباحة، حتى يثبت ما يقتضي تحريمها من أدلة الشرع. الرهن يشبه التهريب وعن معاملات الرهن يقول الاقتصادي نجيب بوليف إن هذه المعاملات من الناحية الاقتصادية تشبه عمليات التهريب، وبالتالي هي عملية خارج النطاق القانوني، وأحيانا يضيف بوليف يتم خلال عملية الرهن وصول المستهلك لهدفه، لكن تبقى الإشكالية فيما يحصل عليه الشخص الذي يقدم الخدمة من عملية الرهن وهذا اقتصاديا غير محدد وفيه الكثير من الغرر. وأشار بوليف إلى أن الرهن الذي يتم على المنازل وخاصة بمدينة فاس لا يكون موثقا بطريقة رسمية وبالتالي تضيع الحقوق المتعلقة بالمستهلكين، وكذا حقوق الدولة اقتصاديا، ويصعب على الطرفين في حالة وجود مشاكل بينهما اللجوء إلى المحاكم التجارية وغير التجارية، وبالتالي يحصل غبن في هذه العمليات. فالرهن يفي بغرض آني، لكن تقع العديد من المشاكل فيما بعد، سيما بعد ضياع قيمته في مساءل تافهة، وقانونيا لا يمكن الحديث على صفقة بهذا الشكل فالذي يجب أن يقرض يجب أن يخضع لقانون الائتمان قانونيا. الرهن في الإسلام الرهن بالمفهوم السابق المفهوم العامي محرم شرعا وهي معاملات حديثة العهد، إلا أن الإسلام شرع الرهن الذي معناه مساعدة الآخرين والتنفيس عن كربتهم، إلا أنه ليس عنده من الوثوق بمن يساعده ما يشجعه على دفع ماله له أو التعامل معه دون أن يحصل على وثيقة يضمن بها حقه وتطمئنه على ماله، فشرع الإسلام الرهن تيسيراً للمعاملات وسداً للحاجات، وتوثيقاً لأصحاب الحقوق حتى يستوفوها من الرهن حينما يعجز أصحاب الرهن عن الوفاء أو يتقاعسون عنه، إضافة إلى ذلك فالدائن حينما يأخذ الرهن يصبح في مأمن من هلاك دينه بجحده من قبل الراهن المدين، أو إفلاسه، فيستوفي حقه من العين المرهونة، ولا يصير أسوة الغرماء فيما إذا كثر الدائنون، لأن الرهن يجعل له الأحقية على غيره في الاستيفاء. وثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة دلت هذه الآية على مشروعية الرهن. واتفق الفقهاء على أن الرهن مشروع سواء أكان في سفر أم لم يكن سفر، وجد كاتب أم لم يوجد، عملاً بما ورد في السنة، وأما السنة فأحاديث كثيرة منها: عن أنس رضي الله عنه قال: ولقد رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه بشعير رواه البخاري، وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه رواه البخاري.