محمد.. محمد.. محمد..، على إثر تريد هذا الاسم بصوت عال في مطار أمريكي يقوم رجال الـإف.بي.آي (الاستخبارات الأمريكية) بإلقاء القبض على مصطفى المهاجر المصري ذي الملامح الشرقية، بعدها يخضع للاستجواب والتحقيق والمعاملة السيئة؛ فقط لأنه ينادي على طفله الصغير محمد الذي فقده في صالة السفر، وعندما يجده يكتشف أنه ذهب لشراء بالونة جميلة أعجبته مرسوم عليها صورة للمسيح عليه السلام. يعكس هذا المشهد المؤثر في بداية فيلم الشرق الأمريكي حالة الفوبيا في المجتمع الأمريكي من العرب ومن المسلمين خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر ,2001 حيث الكل أصبح يندرج تحت مظلة واحدة وهي الاتهام بالإرهاب، والذي أصبح يقضي على محاولات الكثيرين للاندماج والتأقلم في الواقع الأمريكي. وبرغم كثرة سقطاته التي سنتطرق إليها فيما بعد، فإن فيلم الشرق الأمريكي للمخرج المصري هشام عيسوي يعرض صورة طبيعية وواقعية عن الإنسان العربي في الغرب، بعد أن تعودت أفلام هوليوود على إظهار العربي في صورة مشوهة وتقديمه على أنه بدوي متخلف مصاب بالبلاهة والغباء. في مقهى حبيبي يمتلك مصطفى، الذي يجسد دوره الممثل المصري المقيم في أمريكا سيد بدرية مقهى حبيبي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، حيث تدور أحداث الفيلم، هذا المقهى الشرقي يصبح مكانا لتجمع المهاجرين العرب مسلمين ومسيحيين، ويتحول إلي ساحة للصراع والجدل حول كافة القضايا والأحداث التي تدور في أمريكا والشرق الأوسط، خاصة قضية الوجود العربي والإسلامي في أمريكا وقضية الصراع العربي الإسرائيلي. من خلال جولة سريعة في المقهى وزبائنه تظهر حالة الانحطاط الأخلاقي للمواطنين العرب المترددين على المكان من خلال حوارهم وألفاظهم البذيئة والشتائم الكثيرة والتي لم تكن مبررة، سواء دراميًّا أو في الوضع الطبيعي للعربي في الدول الغربية. شخصية مصطفى تبدو من خلال الفيلم صورة طبيعية للمواطن العربي المسلم الشهم الذي يحب عمله، وينتمي للمجتمع الذي يعيش فيه، ولا يحمل أي عداء تجاه المواطن الأمريكي أو الحضارة الغربية، بل إنه يحمل على كاهله، بخلاف أحلامه ومشكلات عائلته التي تتكون من محمد الصغير وسارة المراهقة، يحمل تبعات أحداث 11 سبتمبر والهجمة الشرسة ضد كل ما هو إسلامي، والمشكلات الكثيرة التي يتورط فيها هو وبقية معارفه وأصدقاؤه من العرب في أمريكا. التطبيع مع اليهود يشعر مصطفى أنه لا يستطيع أن يحقق حلمه في الاستقرار المادي والمعنوي في مقهى حبيبي، ما يجعله يفكر في إقامة مطعم كبير مع شريك يهودي سام الذي يجسد دوره الممثل توني شلهوب، وبالطبع يرفض ممعارفه وأصدقاؤه العرب المقيمون هناك هذه الشراكة، كما اليهود، إلا أن مصطفى وسام يسعيان بشتى الطرق إلى القفز فوق الخلافات والصراعات التي تواجههم من أجل إنجاح شراكتهم وافتتاح مطعم الشرق الأمريكي أو َفكىْمٍء َُّّف وهو اسم الفيلم. ومن خلال تلك العلاقة يعطي المخرج اهتمامًا كبيرًا بالعلاقة بين المسلمين واليهود في أمريكا، وأهمية التطبيع مع اليهود في أمريكا، يتضح ذلك في الحوار الطويل داخل الفيلم عن هذه القضية، وكأن لسان حاله، يقول: إن المعضلة الكبرى والأساسية للعرب هي قضية التطبيع ليس مع الأمريكان فقط بل مع اليهود سواء في فلسطينالمحتلة أو حتى في أمريكا. المخرج ينجح في توظيف تقنية الإنميشن في القاء الضوء على نشأة وتطور العالم الإسلامي وحضارته من خلال الرسوم المتحركة والتعليق عليها، وكيف أن الاحتلال والإمبريالية الغربية زرعت دولة إسرائيل بعنف ودون وجه حق في الجسد العربي، وهو ما كان سببا في تفتت المنطقة، واستمرار الحروب فيها وبالتالي تخلفها، وهي من النقاط التي تضاف إلى رصيد مخرج الفيلم. ( المخرج هشام عيسوي مهاجر مصري ذهب إلى الولاياتالمتحدة عام 1990 لدراسة العلوم الإنسانية ثم درس الإخراج وقدم أفلاما وثائقية منها أنقذوا أبا الهول). عمر.. الإرهابي المسلم من الشخصيات المحورية الشاب عمر والذي يجسد شخصيته الممثل قيس ناشف الذي يعمل سائق تاكسي بالمدينة، ويعيش قصة حب مع فتاة أمريكية، يحلم عمر بالعمل في السينما، لكن لكنته الأجنبية تجعلهم يدفعون به إلى التخصص في أدوار نمطية إذ (يحشرونه في أدوار القاتل والإرهابي) وهو ما يعتبر فهما سطحيا للثقافة العربية الإسلامية ولحقيقة العرب المقيمين في أمريكا. تحديات كثيرة يواجهها عمر بعد تجسيده لشخصية الإرهابي المسلم حيث يصبح مصدرا للقلق في أي مكان يذهب إليه، ما يجعله يفكر في القيام بأدوار أخرى من أجل تحسين صورة المهاجرين العرب والمسلمين في أمريكا، وفي لحظة ما تنشب مشاجرة بين عمر ومسئولي الإخراج والإنتاج داخل الأستوديوهات يتحول عمر على إثرها إلى إرهابي بالفعل بعد أن استطاع أن يتغلب على المتشاجرين معه ويحتجزهم كرهائن تحت تهديد السلاح الذي استولى عليه منهم. تحاصر الشرطة وقوات الأمن المكان، وفي اللحظة التي يقرر فيها عمر التفاوض مع المسئولين من أجل الإفراج عن الرهائن والتحقيق معه بشكل عادل يلقى حتفه برصاصة من أحد القناصة، ويتحول فجأة من شاب مهاجر لديه طموح وأحلام يرغب في تحقيقها إلى إرهابي. بعد ذلكتزداد الأمور سوءا فيخضع مصطفى وبقية الأصدقاء من العرب والمسلمين في المنطقة إلى التحقيق لعلاقتهم بعمر. التغير الفجائي والفجائعي في شخصية عمر يبدو محيرا لأنه كان بمثابة كبش الفداء، فقد أصيب بحالة من اليأس؛ لأن أحدًا من الأمريكان، لا يريد أن يسمعه أو يفهمه، بعض الأمريكان لديهم رغبة في المعرفة وقبول الآخر، ولكن بعضهم أيضا لا يريدون أن يسمعوا المسلمين بل يحتقرونهم، ويتحرشون بهم في كل مكان، وهو ما دفع عمر إلى هذه النهاية المفجعة، وبالتالي يذهب حلمه أدراج الرياح. جيل الأبناء وأزمة الهوية يعالج الفيلم أيضا قضية جيل أبناء المسلمين في أمريكا فمحمد ابن مصطفى يمثل تجسيداً لمعاناة جيل الأبناء المشتت بين هويته كمواطن أمريكي، وأصوله كعربي مسلم، أما سارة شقيقة مصطفى فتفشل في التأقلم مع الواقع الأمريكي وتقع في حب طبيب أمريكي غير مسلم، تعيش حالة من التناقض بين الرغبة في ممارسة الجنس مع حبيبها وإشباع غريزتها الجنسية كأنثى وبين الحفاظ على بكارتها والتمسك بهويتها الإسلامية والزواج من ابن عمها الذي لا تحبه ولا ترغب في الزواج منه بسبب شخصيته الجامدة. تواجه سارة مشكلات كبرى في الزواج من ابن عمها صابر القادم من مصر الوطن خصيصًا من أجل الارتباط بها، والسبب هو أفكاره الرجعية عن عمل المرأة والحياة بشكل عام، وشخصية صابر هي صورة نمطية خاطئة للتصور الغربي عن العالم العربي وأفكاره وعاداته وتقاليده الشرقية البالية. وهذه من الأخطاء الجمة التي تضاف إلى سلة المخرج عيسوي، فصابر مثلا لا نقابله الآن في مصر، ربطة عنقه العتيقة وملابسه العتيقة والبالية وأفكاره الرجعية وثقافته التي تعود لمائة عام مضت، كلها أشياء لم تعد موجودة في المجتمع المصري، والمخرج العيسوي فشل بجدارة في تقديم صورة واقعية للمواطن العربي للمشاهد الأمريكي. الصورة لا تزال مشوهة ينتهي الفيلم بقفزة درامية على الأحداث وهو مشهد لافتتاح مطعم الشرق الأمريكي نموذج الشراكة الاقتصادية بين المهاجر مصطفى العربي المسلم وسام اليهودي، في إشارة واضحة إلى التطبيع الاقتصادي مع اليهود، يتنازع كل من اليهود أصدقاء سام والمسلمين أصدقاء مصطفى أيهما يدخل مطعم الشراكة أولا، وهي مبالغة درامية من قبل المخرج الذي يقول إنه اختار هذه النهاية من أجل تحقيق رسالة الفيلم وهي أن الطريق الوحيد للحياة هو العيش سويا والاندماج في المجتمع الأمريكي. وقد استغرق الإعداد للفيلم نحو 3 أعوام، وبلغت تكلفته 2,1 مليون دولار عبر شركة شينجلز ديستانت هوريزون للإنتاج السينمائي المملوكة لأمريكيين عرب، وفي ظل انخفاض الميزانية المرصودة له، فإن من الصعب عرض الفيلم في الولاياتالمتحدة هذه الأيام. وعن السقطات والأخطاء الكثيرة في الفيلم يقول هشام عيسوي: ليس فيلمًا واحدًا هو الذي سيقوم بعملية تحسين صورة العرب والمسلمين في أمريكا، ولكن هذه بداية لطريق طويل والأمر يحتاج إلى استكمال وإلى أفلام وأعمال درامية كثيرة حتى نقدم أنفسنا كما نريد؛ لأن تحسن الصورة هو عمل تراكمي، ولا يمكن أن يتم بين يوم وليلة. ويضيف عن ذات الأمر: حاولت أن أعرض رؤيتي لأحوال المهاجرين العرب المسلمين في أمريكا خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث تزايد الاهتمام لمعرفة العرب والمسلمين، ولكننا للأسف لم نسع إلى تقديم هذه الصورة بأنفسنا بالشكل اللائق، وتركنا للآخرين يرسمون صورتنا بريشتهم ويشوهونها بالتالي كيفما يشاءون. وعن الرسالة التي يرغب في توصيلها من خلال الفيلم يقول العيسوي: رسالتي ملخصها أن هناك مشاكل بين العرب والأمريكان، واليهود، ولكن في النهاية هناك مسلمون على درجة عالية من التحضر والأخلاق، وهناك في المقابل أمريكان، كذلك كما أن هناك يهودا يقبلون بالتعايش مع العرب والمسلمين، كما أن هناك عربا يقبلون بالتعايش معهم، فالتعايش إذن ليس مستحيلا والحياة بشكل عام فيها الأبيض والأسود وعليك أن تختار. يدرك المشاهد أن المخرج أراد أن يقول إن الحل هو باندماج العرب والمسلمين في المجتمع الأمريكي، وكذا بالبحث عن سبل مشتركة للعيش، كي يتمكن العربي والمسلم من القول إننا مواطنون مثلكم علينا واجبات ولنا حقوق ولنا أحلام نرغب في تحقيقها ولدينا أهداف نريد أن ننجزهافي هذه الحياة، لكن هذه الرغبة حملت في داخلها تشويهات وصورة نمطية وعثرات قللت من هذا الحلم، ومع ذلك يقول المخرج: أن نشعل شمعة في هذا الطريق خير من أن نلعن الظلام.