ولد عماد مغنية حركيا سنة 1983 بإعلان مسؤوليته عن الهجوم ضد قوات المارينز بلبنان. لكن تاريخ ولادته البيولوجية يعود إلى صيف 1962. وحرصه الكبير على التواري عن الأنظار، وتجنب التعرض لعدسات الكاميرا وآلة التصوير، جعلا رسم ملامحه مهمة استخباراتية دولية قبل أن تكون إعلامية. قبل أن ينجح أعداؤه في تصفيته في قلب العاصمة السورية دمشق، القلعة المحصنة للاستخبارات السورية والإيرانية. شخصية أسطورية ألهبت مشاعر المؤيدين وقضّت مضاجع الخصوم، زادها غموضها قوة ولم تعترف يوما بسلاح الإعلام وحرب الصورة وفضلت عليها حرب اللاصورة. عندما يتم ذكر اسمه، يقول الأمريكيون إنه عدوهم الأول وينسون في الحال اللحية الطويلة لأسامة بن لادن ويطلقون العنان لمخيلتهم كي تصنع لهم صورة افتراضية لعماد مغنية، العربي المسلم الشيعي الذي احترف قتل الأمريكيين والإسرائيليين والغربيين منذ اشتد عوده دون أن تمتد إليه يد ال«إف بي آي» و«السي آي إي» ولا حتى الموساد. كبريات الدول الغربية تحتفظ له بلائحة اتهامات طويلة وثقيلة، فالأمريكيون يطالبونه بدماء قرابة 63 من مواطنيهم الذين قتلوا في تفجير السفارة الأمريكية في بيروت في ابريل 1983. وينسبون إليه القيام بتفجير مقر قوات المارينز الأمريكية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أمريكيا. فيما تصر فرنسا على اعتباره مدبر الهجوم الذي استهدف معسكر جنودها في البقاع على عهد الحرب الأهلية، والذي أسفر عن مقتل 58 من جنودها. على إثر تلك العمليات المنسوبة إليه، اختفى مغنية عن الأنظار مدة سنتين، قبل أن يعاود الظهور، ليس على الأرض، وإنما في الأجواء العليا داخل قمرة طائرة أمريكية صعد إليها في مطار بيروت وقام باختطافها وتحويل اتجاهها. وانتهى الحادث بإفلات عماد بعد قتله لجندي أمريكي من قوات المارينز على متن الطائرة. حرصه الكبير على التواري عن الأنظار، وتجنب التعرض لعدسات الكاميرا وآلة التصوير، جعلا رسم ملامحه مهمة استخباراتية دولية قبل أن تكون إعلامية. بل إنه لم يكتف بسياسة التحرك الدائم في الخفاء، وقام بإجراء أول عملية جراحية تجميلية لتغيير الملامح سنة 1990. عاد على إثرها إلى بيروت التي كان قد غادرها، حاملا هوية جديدة يسندها جواز سفر دبلوماسي إيراني، انضاف إلى جوازات السفر الكثيرة التي كان يحوزها من لبنان وسوريا وباكستان. بهويته الجديدة، أخذ عماد مغنية وجهة أمريكا اللاتينية، هناك حيث خطط ونفذ سلسلة عمليات استهدفت المصالح الإسرائيلية والأمريكية في الأرجنتين، مثل قيامه بتفجير مركز يهودي عام 1994 في بوينيس أيريس مخلفا مقتل 85 شخصا. كما تشير الاستخبارات الأمريكية إلى ضلوعه في تفجير «الخبر» والذي أودى بحياة 19 جنديا أمريكيا فوق الأراضي السعودية عام 1996. سنة واحدة بعد ذلك، قام هذا اللبناني ذو الأصول الفلسطينية بإجراء عملية جراحية أخرى خلصته من ملامحه لعقد التسعينيات، واستمر بفضلها في تضليل الأجهزة العملاقة التي تلاحقه في كل أقطار العالم. وبات يقضي جل أوقاته متنقلا بين دول الشرق الأوسط وإيران وتركيا، منتحلا شخصيات وهمية ومجريا لقاءات محتملة مع زعيم شبكة القاعدة أسامة بن لادن، فكانت أهم محطاته أفغانستان وباكستان وسوريا ولبنان والعراق وإيران. علاقة عماد مغنية بهذه الأخيرة لم تبدأ أواخر القرن العشرين، وانتماؤه إلى الجنوب اللبناني ذي العقيدة الإسلامية الشيعية عجّل بارتباط هذا المحارب الدائم بالثورة الإيرانية. فقد قام بزيارة الجمهورية الفارسية لأول مرة عندما كان في سن العشرين. بينما كان الإيرانيون قد تعرفوا على اسم «مغنية» سنوات قبل قيام الثورة. حيث كان علي شريعتي، أحد المنظرين للثورة الإيرانية، قد أصدر كتابا ضمّنه آراء رجل دين لبناني اسمه جواد مغنية عن عاشوراء والثورة الحسينية، أثار إعجاب شيعة فارس. وبعد قيام الثورة الخمينية، عمدت إحدى الصحف الإيرانية في إطار الدعاية السياسية ومحاولات تصدير الثورة، بالقول إن عماد مغنية هو ابن جواد مغنية. ليصبح بذلك الشاب اللبناني سليل أسرة عريقة في العلم برأي الإيرانيين. معززا ذلك بترجمة إعجابه بالثورة بتشكيله خلايا مسلحة متخصصة في اختطاف الطائرات. وعندما أظهر عماد العربي قدراته القتالية للإيرانيين، وأمعن في إثبات تفوقه على رفاقه المتدربين في معسكرات الثورة، توجه بعد ثلاثة أشهر من التداريب إلى جبهة القتال ضد العراق في حرب الخليج الأولى. هناك حيث أمضى أربعين يوما في تنفيذ العمليات الخاصة داخل العمق العراقي. وهو الدور الذي تقول واشنطن إن عماد عاد لمزاولته في السنوات الأخيرة. حيث تعتبره المخطط الأول لتهريب مقاتلي القاعدة من إيران نحو الأراضي العراقية بعد تدريبهم وتوجيههم ضد مصالحها هناك. مستخدما علاقاته القوية مع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، ومع قادة القاعدة أمثال أيمن الظواهري، وسيف العدل، وسعد بن لادن، ومحمد الإسلامبولي شقيق قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات خالد الإسلامبولي. بل إن مصادر غربية تقول إن عماد رافق الرئيس الإيراني أحمدي نجاد على نفس الطائرة في زيارته الرسمية إلى سوريا قبل شهور، وأن تلك الزيارة رتبت لاجتماع بين المخابرات السورية والمخابرات الإيرانية وقادة حركة «حماس» و«حزب الله» و«الجهاد الإسلامي»، من أجل قيام حزب الله وحماس باختطاف جنديين إسرائيليين في لبنان وثالث في غزة. ولد عماد مغنية حركيا سنة 1983 بإعلان مسؤوليته عن الهجوم ضد قوات المارينز بلبنان، لكن تاريخ ولادته البيولوجية يعود إلى صيف 1962، حيث رأى النور في كنف أسرة لأب مزارع بإحدى قرى صور، في الجنوب اللبناني. وبعد تقلبه بين عدة مدارس ابتدائية وإعدادية، التحق عماد بالجامعة الأمريكية التي لم يدم تسجيله في صفوفها أكثر من سنة واحدة، بالموازاة مع انتقال أسرته المؤلفة من أبويه وأخويه جهاد وفؤاد للإقامة بالضاحية الجنوبية لبيروت. ترعرع عماد متنقلا بين قرى الجنوب الطافحة بمظاهر العسكرة والحماس الدائم لدفع التهديدات الخارجية، وأحس منذ سن الرابعة بوقع النكسة التي طالت أحلام الثوريين العرب على يد الجيش الإسرائيلي. لكنه سرعان ما استطاب بمرح طفولي ومضة الانتصار التي أشعت في قلوب العرب عام 1973، ليقوده ذلك إلى الانخراط السريع في صفوف حركة فتح الفلسطينية كضابط في القوة «17» ويتولى في ظرف قياسي مهمة المشاركة في حماية قيادات الحركة من أمثال ياسر عرفات. و بعد أن أدى الاجتياح الإسرائيلي إلى انسحاب الفصائل الفلسطينية من بلاد الأرز، سارع مغنية إلى الالتحاق بحركة أمل الشيعية ثم تنظيم حزب الله، مساهما في نقل سلاح المقاومة الفلسطينية إلى نظيرتها اللبنانية، وظل سهمه يواصل الصعود بكل سرية خاصة بعد استعادته وظيفته القديمة وتوليه مهمة حماية الزعيم الروحي لحزب الله، حسن فضل الله. وسرعان ما بات يعتبر القائد الحقيقي للحزب كما يورد كتاب «الثعلب الشيعي» الذي ألفه الصحفي المصري مجدي كامل. حيث يؤكد أن دواعي التخفي التي تمسك بها عماد هي ما دفع بنصر الله إلى الواجهة. بل إن كتاب الصحفي المصري يذهب إلى أن «اسمه ظهر على قائمة المتهمين بتفجيرات اسطنبول وتفجيرات الخبر في السعودية، ثم تفجيرات الدارالبيضاء في المغرب، وقيل أيضا أنه كان الشخص الثالث العارف بتفجيرات 11 سبتمبر 2001 بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري». «صيت» عالمي لم تحد منه خبرته الكبيرة في الجنوب اللبناني الذي يضبط الرجل جغرافيته ككف يده. حيث لم يقف تحركه عند الشرق الأوسط والمصالح الغربية. بل إنه مطلوب في 42 دولة منها أمريكا التي جعلت خمسة ملايين دولار ثمنا لرأسه، وتركيا التي وصل إليها في الثلث الأخير من عقد الثمانينيات، وسارع منذ البداية إلى اغتيال بعض رموز المخابرات وإقامة معسكرات للتدريب في عدد من المدن التركية ، معيدا بذلك الحياة إلى «حزب الله التركي». مستفيدا في البداية من عدم اكتراث الأجهزة الأمنية المركزة على تحركات الأكراد، خاصة منهم أولئك العائدين من الجهاد الأفغاني. ما يبرر مسارعة أنقرة إلى اتهام «عمات أغا»، اسم عماد مغنية في تركيا، بالوقوف خلف الإنفجارات التي استهدفت المصالح البريطانية في العام الماضي. وعندما كانت إسرائيل صيف العام الماضي تعيش إحدى هزائمها النادرة، كانت دعايتها الإعلامية تروج لأن عماد هو من يقود حزب الله ميدانيا، بعد أن جعلته المسؤول عن اختطاف الجنديين الإسرائيليين بعد أن أفلت من عدة محاولات اغتيال واختطاف. قبل أن ينجح أعداؤه في تصفيته في قلب العاصمة السورية دمشق، القلعة المحصنة للاستخبارات السورية والإيرانية. ويتم دفنه يوم الخميس، في الذكرى الثالثة لاغتيال رفيق الحريري.