"كان" الفتيان.. المنتخب المغربي يمطر شباك أوغندا بخماسية في أولى مبارياته    أمير المؤمنين يؤدي غدا الاثنين صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بمدينة الرباط    أمير المؤمنين يهنئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك    تهنئة للسيد عمار الشماع رئيس جمعية المنطقة الصناعية لطنجة المرفوعة لحظرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد الفطر لعام 1446 هجرية    المغرب يؤكد طلبية 18 قطارا فائق السرعة من "ألستوم" بتمويل فرنسي    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    الإعتداء على أستاذة يغضب نقابة الكونفدرالية بالفقيه بن صالح    حظر مؤقت لصيد الحبار جنوب سيدي الغازي خلال فترة الراحة البيولوجية الربيعية    يوم عيد الفطر هو يوم غد الاثنين    مدينة ميضار تعيش الحدث بتتويج فريق نجوم بني محسن بطلاً للدوري الرمضاني لكرة القدم    سطاد المغربي يستمر في كأس العرش    بلاغ جديد لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة    الملك محمد السادس يصدر عفو العيد    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    المغرب يعزز استثمارات الذكاء الاصطناعي لضمان التفوق الرقمي في القارة    سدود المملكة تواصل الارتفاع وتتجاوز عتبة 38 في المائة    إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة طراسة الإسبانية في أجواء من الخشوع والفرح    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    زلزال بقوة 7,1 درجات قبالة جزر تونغا    كأس العرش: فرق قسم الصفوة تعبر إلى ثمن النهائي دون معاناة تذكر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    باحثون مغاربة يفسرون أسباب اختلاف إعلان العيد في دول العالم الإسلامي    أسعار العقارات في الرياض ترتفع 50% خلال ثلاث سنوات    الصين وأفريقيا الغربية: آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    نتنياهو يتحدى مذكرة اعتقاله ويزور المجر في أبريل    "الفاو" تحذر من تفشي الجراد في شمال إفريقيا وتدعو إلى عمليات مسح    تكبيرات العيد في غزة وسط الدمار    نتنياهو يطالب حماس بتسليم السلاح    احتجاجات حاشدة في عدة مدن مغربية دعما لغزة ضد الإبادة الصهيونية ورفضا للتطبيع    ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال في تايلاند إلى 17 قتيلا على الأقل    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    بنعبد الله: الأرقام الحكومية تؤكد أن 277 مستوردا للأبقار والأغنام استفادوا من 13,3 مليار درهم (تدوينة)    حفلة دموية في واشنطن.. قتيلان وأربعة جرحى في إطلاق نار خلال شجار عنيف    إفطار رمضاني بأمستردام يجمع مغاربة هولندا    مدينة المحمدية تحتضن لأول مرة بطولة المغرب للمواي طاي لأقل من 23 سنة وللنخبة وكذا كأس سفير مملكة التايلاند بالمغرب    زلزال بورما.. تواصل جهود الإغاثة والإنقاذ والأمم المتحدة تحذر من "نقص حاد" في الإمدادات الطبية    كأس الكونفدرالية... تحكيم جنوب إفريقي لمباراة الإياب بين نهضة بركان وأسسك ميموزا الإيفواري    دوافع ودلالات صفعة قائد تمارة    30 مارس ذكرى يوم الأرض من أجل أصحاب الأرض    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    يقترب الدولي المغربي " إلياس أخوماش " من العودة إلى الملاعب    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    ارتفاع الدرهم مقابل الدولار والأورو وسط استقرار الاحتياطات وضخ سيولة كبيرة من بنك المغرب    غدا الأحد.. أول أيام عيد الفطر المبارك في موريتانيا    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    نقاش "النقد والعين" في طريقة إخراج زكاة الفطر يتجدد بالمغرب    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    على قلق كأن الريح تحتي!    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    معنينو يكشف "وثيقة سرية" عن مخاوف الاستعمار من "وطنيّة محمد الخامس"    أوراق من برلين.. أوقات العزلة المعاصرة: اكتشاف الشعور الكوني    ترجمة "نساء الفراولة" إلى العربية    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عماد مغنية... الطريق إلى التاريخ
نشر في المساء يوم 17 - 02 - 2008

ما كان أهالي بلدة طَيْر دَبَّا، في قضاء صور بجنوب لبنان، يدركون أن ابن بلدتهم الهادئ والوديع: الذي غادرها نازحا مع أسرته إلى حي بئر العبد في ضاحية بيروت الجنوبية – وهو في ريعان شبابه- سيتحول إلى أسطورة في مخيال شعب وأمة، وإلى رجُل خطِير مطلوب من اثنين وأربعين دولة في العالم. ولعلهم ما كانوا يدرون بأن الحاج رضوان، الذي تلهج به ألسنة مقاتلي المقاومة ويحظى بسمعة استثنائية في أوساطها، لم يكن غير ابن بلدتهم: عماد فايز مغنية. كانت صورته في أذهانهم صورة الطفل والصبي الذي اختفى عن أنظارهم وهو يقطع شوطا من مراهقته ليقطع معه شوط انتقاله إلى بيروت. أما من عرفوه في حي بئر العبد البيروتي – باسمه الحقيقي- شابا مقاتلا في حركة «فتح» بين 1977 و1982، فاختفى عن أنظارهم بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت في صيف العام 1982 ليسمعوا بأنه صار من أطر حركة «أمل» العسكرية، ولم يعودوا يحتفظون لديهم بغير صورته شابا بين الخامسة عشرة والعشرين من العمر.
ولم يكن هؤلاء وحدهم من ضاعت من أذهانهم ملامح صورته، أو ضاعت عليهم طريق الصلة بين ملامح الحاج رضوان وملامح عماد مغنية بسبب تباعد الزمن بين الصورتين، وإنما ضاعت على الجميع العلاقة بين الصورتين، حتى المخابرات الأجنبية التي ظلت تلاحقه لفترة ربع قرن عَسُرَ عليها أن تتبين الصلة بينهما.
وما كان السبب في ذلك اختفاء الرجل عن الأنظار لأنه ظهر باسم آخر، ولا كان السبب أن آخر صورة له التقطت تعود إلى العام 1985 لأن عشرين عاما من حياة إنسان لا تبدد تماما قسمات وجهه أو بنيان جسمه. ولذلك، لن يكون من المستبعد أن ضياع طريق الصلة بين الصورتين أتى بفعل عمليات التغيير الاصطناعية التي قيل إنه خضع لها جراحيا في مناسبة أو مناسبتين بعد أن اشتدت المطاردة الأمنية الدولية له وتردد اسمه لدى عشرات أجهزة الاستخبارات في العالم، ثم بعد أن صار الجهاز العسكري والأمني للمقاومة و»حزب الله» تحت إشرافه المباشر.
لا يكاد يكون لعماد مغنية تاريخ غير تاريخ المقاومة، قضى في الحياة ستا وأربعين عاما (من مواليد 1962)، لكنه قضى تلثيها في المقاومة مقاتلا فقائدا منذ انضم إلى حركة «فتح»، ولما يبلغ من العمر خمسة عشر عاما (حين كانت الثورة الفلسطينية في لبنان)، إلى أن انضم إلى قوافل الشهداء في الثاني عشر من فبراير 2008. بين التاريخين وفي امتداد معارك لا حصْر لها، تفتقت شخصيتُه عن مواهب إدارية وقيادية استثنائية وعن قدرة عزيزة النظائر على استعمال موارد متواضعة لصنع ملاحم وانتصارات أعلى من معدلات الممكن وأبعد مدى مما تتيحه تلك الموارد المتواضعة من فرص. تكون لديه حس أمني مبكر: منذ انضم إلى القوة ال17 التي كانت مكلفة بحماية قائد الثورة ياسر عرفات ورفاقه (أبو جهاد، أبو إياد...). ثم لم يلبث أن أخضع هذا الحس للصقل والتنمية إلى الحد الذي لم تأخذه مؤهلاته إلى قيادة الجهاز القتالي والأمني للمقاومة و«حزب الله» فحسب، بل أخذته إلى إنتاج واحد من أكفإ أجهزة الأمن والاستطلاع في المنطقة (الجهاز الأمني للمقاومة) باعتراف المصادر العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية التي نجح جهاز الأمن في المقاومة في اختراق نظام المعلومات والاتصال في جيشها، قبل حرب 2006 وأثناءها، وفي شل قدرتها على اختراق نظم دفاعات المقاومة في جنوب لبنان أو على تعطيل قدرات الاتصال بين القيادة وجبهة العمليات أو قدرات الدعم اللوجيستي لمجموعات المقاومة المتمركزة في الجبهة الأمامية (البلدات والقرى الحدودية) أو على امتداد المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني.
باستثناء الدائرة الضيقة للأطر والقيادات العسكرية والسياسية ل«حزب الله»، لا يعرف اللبنانيون عن عماد مغنية سوى أنه القائد العسكري الفعلي للمقاومة، حتى من دون أن يتعرفوا إلى وجهه يوما أو أن يربطوا بينه وبين الحاج رضوان. وحين كانوا يسمعون عن سيل التهم التي تسوقها ضده أمريكا وإسرائيل ومخابرات ربع دول العالم، كانوا يشككون أحيانا في وجوده (شأن تشكيك كثيرين قبلهم في كارلوس وتشكيك كثيرين بعدهم في وجود الزرقاوي). ولقد قيل في فترات مختلفة وفي أوساط عديدة، فعلا، إن عماد مغنية اختراع أمريكي –إسرائيلي هدفه اتهام «حزب الله» بالضلوع في عمليات عسكرية وأمنية خارج نطاق تحرير جنوب لبنان. أما الأمريكيون والإسرائيليون والفرنسيون وغيرهم، فكانوا يعرفون أن الرجل حقيقي، وأنه يحمل اسما فعليا غير مستعار (عماد مغنية)، ولذلك ما توقفت مطارداتهم له منذ ربع قرن للقصاص منه على ما فعل بهم إن صح أنه من فعل بهم ذلك.
أن يقول عنه الإسرائيليون إنه كان مسؤولا عن قتل المئات من جنودهم في لبنان، وعن تخطيط مقاومة قادت إلى دحر قواتهم المحتلة من جنوب لبنان في العام 2000، وقادت إلى هزيمة جيشهم في حربه على المقاومة في صيف العام 2006، فهم في ذلك لا يكذبون. أعداد قتلاهم وجرحاهم وأسراهم، وانسحابهم المهزوم من جنوب لبنان، ومرارة نتائج الحرب عليهم في صيف 2006، والحقائق الدامغة المنشورة في تقرير فينوغراد، كلها تؤكد مسؤولية عماد مغنية في تمريغ هيبة جيشهم ولا يحتاجون في ذلك، إلى دليل.
أما أن يقولوا إنه وراء تفجير المجمع اليهودي في بوينس إيريس بالأرجنتين –ردا على اغتيال إسرائيل لأمين عام «حزب الله» السابق السيد عباس الموسوي – فاتهام يحتاجون فيه إلى دليل لأن سياسة الرجل وحزبه لم تبرح ثابتا تمسكت به منذ البداية هو أن قتالها للعدو لن يكون خارج ساحتي لبنان وفلسطين.
اتهامات أمريكا للرجل ابعد مدى. هو المسؤول –في معلومات مخابراتها- عن تفجير السفارة الأمريكية في بيروت (أبريل 1983) الذي أدى إلى مصرع ثلاثة وستين شخصا وتدمير المبنى وطوابقه بالكامل. وهو المسؤول –بحسب المعلومات نفسها- عن تفجير مقر قوات المارينز الأمريكية على طريق المطار في بيروت الذي أودى حياة 241 جنديا أمريكيا ودفع بالرئيس رونالد ريغان إلى سحب القوات الأمريكية من لبنان. ثم إنه المسؤول –لدى المصادر نفسها- عن تفجير مقر القوات العسكرية الفرنسية في لبنان وقتل ثمانية وخمسين جنديا منها ودفع الفرنسيين إلى الانسحاب.
بل إن الأمريكيين يذهبون إلى البحث عن بصماته في عمليات أخرى جرت في العالم في الأعوام الثلاثة عشر الأخيرة.
وهم في سائر هذه الاتهامات ينسون أنهم يحوّلونه –حتى من دون أن يشاءوا- إلى أسطورة بالمعنى العميق والكامل للكلمة.
وما كانت الملاحقة الأمنية الأمريكية –الإسرائيلية للشهيد عماد مغنية ملاحقة شخصية، وإنما طالت أقرب الناس إليه: أخواه جهاد وفؤاد. كان عماد مغنية قد تولى لفترة حماية المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله (الذي كان يعتبر في البداية مرشدا ل«حزب الله»). ثم ما لبث أخوه جهاد أن حمل عنه هذه المهمة ليتفرغ هو لتنظيم جهاز المقاومة. لكن جهاد سقط شهيدا في محاولة إسرائيلية لاغتيال السيد محمد حسين فضل الله. أما فؤاد، فاغتالته المخابرات الإسرائيلية في العام 1994 موجهة بهذا الاغتيال رسالة إلى عماد الذي استعصى عليها وعلى شبكاتها العاملة في لبنان. تعلم من ذلك كيف يحتاط أكثر. ونجاح احتياطه في أن ينقذه من محاولتي اعتقال مؤكدتين: واحدة في الخليج شارك فيها أربعة آلاف (4000) جندي أمريكي وهو في مركبة «ابن طفيل»، والثانية وهو في الطائرة من السودان إلى لبنان. لكن الأقدار ساقته إلى الشهادة، هذه المرة، نتيجة خرق أمني غير متوقع!
لم تنسج الأساطير من حول عماد مغنية من لاشيء حتى وإن ثبت بطلان اتهامات أمريكا. ذلك أن قيادته للمقاومة، ونجاحه في المساهمة في نصرها وحده أسطورة. لكنها أسطورة واقعية من لحم ودم.
أسطورة صنعها التخطيط العقلاني المُتْقَن، والمعرفة الدقيقة بمواطن القوة والضعف في العدو، والقدرة على تفجير الطاقات العميقة الكامنة في الإنسان، والإيمان الثابت الذي لا يتزحزح بعدالة القضية. سيكون أمرا في باب المكابرة أن يقال إن خسارة هذا القائد الكبير الفذ قابلة للتعويض.
لكن الذي لا مراء فيه أن المقاومة لم تَقُم على أكتاف رجل أو رجلين أو أكثر وإلا ما استطاعت أن تكسب معاركها ضد من خسرت جيوش أمامها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.