هذه الوثيقة التاريخية التي كشفنا عنها لا تفترق كثيرا عن الشهادة التاريخية التي قدمها كل من الأساتذة أحمد المشتالي وعبد اللطيف السدراتي ومحمد الزروالي، فهناك توافق بين الوثيقة هذه الشهادات على تشخيص وضع الحركة الإسلامية إبان الفتنة، وهناك تطابق في موضوع التأصيل لفكرة التبين والنقاط التي طالب بها الإخوة في التبين الأستاذ عبد الكريم مطيع، غير أن للوثيقة فائدتها التاريخية في كونها تجمع مضمون كل هذه الشهادات بخصوص هذه الحيثية، وتلخص موقف الجماعة وأدبياتها المتوافق حولها. ذلك أن الوثيقة كتبت وقرئت من أعضاء الجماعة واعتمدت وهو ما يعطيها قوة أكبر من قوة الشهادات الثلاثة مجتمعة. ثم إنها تتضمن معطيات تاريخية دقيقة عن حقيقة الوضع التي كانت تعرفه الحركة في كل من الرباط والبيضاء، وتشرح بالتشخيص الدقيق حقيقة موقف الإخوة من الفتنة. صحيح أنها تمثل وجهة نظر إخوة جماعة التبين، وقراءتهم للوضع حينها، إلا أن الأسماء المذكورة في الوثيقة، والأدوار المنسوبة لكل اسم، والجماعات التي تذكر لأول مرة، والمواقف التي سيقت في هذه الرسالة تزيد من وضوح الصورة. ويكفي هنا أن نشير إلى حيثية بالغة الأهمية ذكرت في الوثيقة ولعلها تلخص حقيقة الوضع الذي كانت عليه الحركة، بل وتلخص المفاهيم والعقليات التي صارت سائدة وقتها. ذكرت الوثيقة أن أحد المسؤولين الجدد (تقصد الخط الثاني) لما سمع عن عزم الستة إنشاء جماعة أخرى قال: إن من صالحنا أن تكون هناك جماعتان فلما سأله أحد المستمعين متعجبا وكيف ذلك؟ أجاب: نعم حتى إذا ما قمنا خ يعني الجماعة الأصلية- بعمل مثير (كمنشور مثلا) نسبناه إليهم! تعلق جماعة التبين على هذا القول من هذا المسؤول الجديد بقولها: أهكذا ينظر إلى الأمور؟ أبهذا المنطق من التفكير تعالج النوازل؟ اللهم عن هذا منكر لعل هذه الحيثية التي ساقتها الوثيقة تكشف إلى أي مدى وصل منطق التفكير داخل الحركة؟ وكيف استبد المنطق السياسي في التحليل على حساب منطق الدعوة؟ وإلى أي وصلت الأزمة داخل الحركة؟ مهم جدا أن تقرأ هذه الوثيقة تاريخيا باعتبارها تكشف عن معطيات جديدة، وتؤرخ لموقف جماعة تشكلت ضمن هذا السياق التاريخي، لكن الأهم أنها تؤرخ للبدايات الأولى لفكر الأزمة داخل الحركة الإسلامية المغربيو . وإذا كانت الحركة الإسلامية في محطة من محطات كسبها الحركي قد تفطنت لخطورة هذه المفاهيم وهذه المسلكيات وحاولت القطع معها، إلا أن ذلك لا يعني أن المهمة قد انتهت، وأن فكر الأزمة لم يعد له موقع ضمن الكسب الحركي. إن من مهمة هذه الوثائق أن تدق الأجراس، وأن تنبه القائمين على أمر الدعوة إلى ضرورة تحصين الذات وتقوية مناعتها الداخلية ضد فكر الأزمة ومسلكياتها.