بنتائج انتخابات الثلاثاء الماضي والتي شملت 22 ولاية وما تلاها نهاية الآسبوع الماضي من ثلاث ولايات أخذت صورة السباق الرئاسي الأمريكي تتضح بشكل كبير بين ثلاثة اقطاب من جهة جون ماكين كمرشح للحزب الجمهوري بحيازته ل197مندوب يمثلون 13ولاية ولاية مقابل خصميه المورموني رومني والإنجيلي هاكابي، حيث حصل الأول على 298 مندوب يمثلون 11 ولاية وحازالثاني 234 مندوب يمثلون8ولايات، وفي المقابل استمرار التأرجح بين هيلاري كلينتون وخلفها باراك أوباما اللذين تقاسما ما مجموعه 1902 مندوب بحيازة كلينتون ل1095 موزعين على 12 ولاية، وأوباما ل1095 موزعين على 18 ولاية، وذلك بحسب أخر المعطيات المتوفرة لغاية يوم الأحد الماضي على الصفحة الخاصة بالانتخابات في موقع الواشنطن بوست. يمكن القول إن جولة أولى ومصيرية قد انتهت باجتيازالمرشحين الديموقر ا طيين ل27 ولاية والمرشحين الجمهوريين ل29 ولاية ، وتفيد عملية تحليلها في فهم تحولات الناخب الأمريكي من جهة أولى، ودور قضايا السياسة الخارجية في هذا التحول من جهة ثانية، وستقدم هذه المقالة عناصر أولية فيها من خلال ملاحظتين: الملاحظة الأولى برزت على الصعيد الجمهوري، فقد تبين أن نزعة التخلص من رصيد بوش وما يرتبط به من تراث إنجيلي أصبحت عاملا مهيمنا، وهو ما بدا من خلال التراجع المستمر للمرشح الإنجيلي البارز هاكابي وتقدم المنافس القديم لبوش ماكين، فضلا عن احتلال المرشح المورموني للموقع الثالث، ثم إعلانه عن انسحابه من السابق يوم الخميس الماضي، وهذا مؤشر عن تحول عميق في دور القاعدة الإنجيلية الناخبة للحزب الجمهوري، وتدل على عدم رضى هذه القاعدة على سجل الحزب في ولايتي بوش، وهي مسألة ظهرت بوادرها في الانتخابات النصفية للكونغريس في نونبر2006 وتعززت الآن في هذه الانتخابات، وستكون لها آثارها في الصراع الانتخابي الشامل في نونبر القادم، من حيث تفكك وتشتت ما يطلح عليه بالقوة الانتخابية للوبي الإنجيلي والذي يتقدم بشكل كبير عن اللوبي المؤيد لإسرائيلي، إلا أنها لا تؤشر لتراجع الموضوع الديني من أجندة السياسة الداخلية للرئيس القادم، بل على العكس من ذلك نجد أن الحملات الانتخابية ونزول جل المرشحين للكنائس من أجل التعبئة والتواصل وتحول موضوع الأسرة وحمايتها ودعمها إلى مشترك انتخابي لا يقل أهمية عن قضايا البطالة والعراق والطاقة، وهذا في حد ذاته يرتبط بأسباب عدة أبرزها النمو الكبير للهيئات العاملة في مجال الأسرة والتي يبلغ عدد المؤسسات المانحة ضمنها أزيد من 36 ألف مؤسسة برصيد مالي يفوق 200 مليار دولار، هذا من ناحية، كما أن الانفصام بين القوة الانتخابية الإنجيلية وتأثير اللوبي الإنجيلي لن تؤثر على فعالية هذا الأخير، بل ستصبح وضعيته مشابهة لوضعية اللوبي المؤيد لإسرائيل، فهذا الأخير التف حول إدارة بوش، لكن الكتلة الناخبة اليهودية دعمت في غالبيتها الكبيرة مرشحي الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية لسنتي 2000 و,2004 وهذا التمايز بين دور اللوبي والذي يعتمد آليات الضغط السياسي والإعلامي والمالي وبين القاعدة الانتخابية والتي تؤثر بصوتها تمايز هام ومؤثر، حيث سيضعف من سطوة هذا اللوبي الذي صادر ولعقود تمثيليته للناخبين الإنجيليين، إلا أنه سيوسع من شريحة العاملين لقضاياه على مستوى الحزبين، وخاصة منها القضايا المشتركة ذات العلاقة بالأسرة والدور الاجتماعي والخدماتي للمؤسسات الدينية ضمن ما عرف بمبادرة المنظمات ذات الأساس الديني والتي أحدث لها مكتب خاص في البيت الأبيض وميزانية سنوية فاقت 700 مليون دولار، أي أن النزوع الديني داخل المجتمع الأمريكي سيتعزز برغم رحيل بوش عن موقع الرئاسة. أما الملاحظة الثانية، وترتبط بالمأزق الحاد الذي نجم عن سجل رئاسة بوش على مستوى الحزب الجمهوري، حيث لم يتمكن من فرز قيادة سياسية جديدة وشابة، واضطر أمام ذلك إلى اللجوء في عمومه إلى قيادة سبق لها منافسة بوش في الانتخابات التمهيدية لـ2000 هي السيناتور جون ماكين والذي استطاع طيلة السنتين الماضيتين أن يتمايز وبشكل كبير عن الرئيس الأمريكي جورج بوش، وبلغ الأمر حد الاصطدام معه في قضية احترام حقوق الإنسان في ما يسمى بالحرب الأمريكية على الإرهاب، في مقابل ذلك نجد أن عامل الشباب داخل القاعدة الانتخابية للحزب الديموقراطي ساهم بشكل كبير في الفرز الانتخابي، بل أخد يتنظم بشكل دال خلف المرشح الثاني باراك أوباما والذي فاز بأكبر عدد من حيث الولايات رغم مجيئه ثانيا في الترتيب لغاية انتخابات الثلاثاء الأخير، وكان من آثار هذا التنظيم تكتل معارضي الحرب على العراق عبر تنظيم انتخابات في صفوف المجموعة الرائدة ضمنهم gro.noevom . وشارك فيها أزيد من 100 ألف شخص وصوت أزيد من 70 في المائة منهم لصالح دعم بارتك أوباما، بمعنى أن المستقبل الانتخابي للحزبين معا أصبح يتحدد بمعطى الانفتاح على الشباب، وأن هذا الانفتاح أصبح رهينا بقضايا السياسة الخارجية وبشكل لا يقل عن حساسية قضايا السياسية الداخلية، وهي وضعية تفضي إلى القول بأن كل من قضايا الأسرة مضافا لها قضايا الشباب والسياسية الخارجية احتلت موقعا متقدما في تحدجدمآل السبا ق الانتخابي بعد أن كانت ولعقود قضايا من الدرجة الثانية. لا يعني ماسبق أن الأمر قد حسم لكل من ماكين كمرشح جمهوري وأوباما كمرشح ديسموقراطي، بل إن على العكس من ذلك يساعد على عدم تمكن أي مرشح من حسم ترشيحه في انتخابات ما يسمى بالثلاثاء العظيم.