سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الكاتب العام لمجموعة الدراسات والأبحاث حول البحر الأبيض المتوسط الدكتور إدريس خروز لـ "التجديد": البحر المتوسط سيشهد حربا باردة بين"الكبار" في السنوات القادمة
يؤكد الباحث الجامعي ومدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية إدريس خروز أن ما تقوم به إسرائيل من عقاب جماعي للفلسطينيين إنما هو أسلوب همجي وغير إنساني، وقال خروز في حواره مع التجديد إن مشكلة الأمن باتت جد حيوية بالنسبة لأوربا وتهدد استقرارها، وهي السبب وراء فشل عدد من المبادرات، منها قمة 5+5 التي انكفأت على قضيتي الأمن والهجرة دون غيرها من القضايا الحيوية لدول الأورومتوسطي، ويشدد الباحث أن التفكك وعدم الانسجام لدول جنوب المتوسط في مقابل تكتل الأوربيين يزيد من استغلال الوضع لصالحهم، وتوقع خروز أن يشهد المجال المتوسطي في المستقبل القريب حربا باردة جديدة بسبب الصراع على النفوذ والمصالح بين أربعة قوى كبرى هي الصين وروسيا وأوربا وأمريكا، فيما يلي نص الحوار: كيف تقرؤون ما يقع اليوم في فلسطين؟ وماهي انعكاساته الأمنية والسياسية على المستوى الإقليمي؟ العقاب الجماعي ليس أسلوبا سياسيا ولا حضاريا، إنه أسلوب همجي يعاقب بغض النظر عن المسؤوليات، الفئات الضعيفة التي لا تمتلك القدرات الكافية للرد، أنا ضد التقتيل، ومع الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني كاملة، وهذا مبدأ أساسي، وضد الاستعمار الإسرائيلي كيفما كان نوعه، فالرجوع إلى حدود 1967 هو الحد الأدنى المقبول، والاعتراف بمشروعية الاختيارات الفلسطينية أساسي جدا، فالفلسطينيون اختاروا حماس وعلى الجميع القبول بنتائج الديمقراطية، كما أن محمود عباس له مشروعيته القانونية والسياسية، وعلى الفلسطينيين التعامل مع هذا الوضع بإيجابية، فحماس حركة تحولت إلى حزب سياسي له برنامجه ومشروعه، يمكن أن لا نتفق معها، لكن العقوبات الجماعية والسجن في الهواء الطلق غير مقبول، ولا يمكن لأحد أن يسمح به، وهذه الوضعية التي تسبّبت فيها إسرائيل، برضى ودعم أمريكي، أوصل الجميع إلى نتيجة عكسية، وربما حتى ضد مصالح إسرائيل نفسها، لأن الشعب الفلسطيني بكل اتجاهاته ضد هذه الوضعية، كما أن الرأي العام العربي والعالمي وقف مندّدا بهذا الوضع غير السوّي، وهذا هو السبب الذي يجعل أمريكا اليوم خلال السنة الأخيرة من حكم جورج بوش، تبحث اليوم عن مخرج للأزمة، التي يزيد منها الوضع المتدهور في العراق وأفغانستان، وكذا المواجهة مع إيران دبلوماسيا وماليا وسياسيا على المستوى الإقليمي، ويظهر اليوم أن قادة العالم ربما استوعبوا، وأظن أن جورج بوش آخر هؤلاء، أنه بدون حلّ قضية فلسطين، لا يمكن حلّ مشكلة الأمن على المستوى العالمي، هناك تحركات أوربية في الآونة الأخيرة، وللأسف في شبه غياب عربي، من أجل التوصل إلى حل وسط بين حركة فتح وحماس، لأنهم يرون أنه بدون ذلك لن يتم التوصل إلى حلّ في لبنان أيضا، فالاستقرار ومشكلة الأمن في هذا البلد الصغير مرتبط كثيرا بفلسطين. الملاحظ بالموازاة مع هذا أن هناك دينامية أوروبية متصاعدة، بعضها تجاه فلسطين، لكن يغلب عليها التركيز على ما هو أمني في المجال الأورومتوسطي، هل يؤشر ذلك على وجود توجهات جديدة في هذا الإطار؟ هناك نشاط مهم وحيوي كما أشرت من طرف الأممالمتحدة والأوربيين كدول وكتكتل اقتصادي وسياسي، منها قمة تحالف الحضارات التي كانت في مدريد برئاسة جورجي سانباوو الرئيس البرتغالي السابق، والتي هي مبادرة من رئيس الوزراء الإسباني خوسي لويس زباتيرو ورئيس الوزراء التركي طيب أردوغان، وهذه المبادرة أخذت طريقها وأضحت مؤسسة من مؤسسات الأممالمتحدة، تشتغل أساسا على الحوار بين الإسلام كظاهرة سياسية والغرب كدول، لأن المشكل في عمقه سياسي وليس ثقافي، والاتحاد الأوربي يمارس على هذا المستوى ضغطا أساسيا، وفي هذا الإطار احتضن المغرب كذلك قمة 5+5 التي باتت تعتبر أن المجال المتوسطي الغربي له أهمية كبيرة، خاصة بعد الوصول إلى قناعة مفادها أن ما يجري في المجال الساحلي الصحراوي يهدد الاستقرار لعدد من الدول، من بينها الجزائر والمغرب، كما يهدد عبر الهجرة السرية عددا من الجزر وإسبانيا وايطاليا، وهي قناعة ترسّخت خاصة مع الالتباس الموجود بخصوص الحركات الناشطة في هذا المجال.ولهذا فدول أوربا تشتكي وقلقة إزاء هذه التطورات، بالنظر إلى حاجتها الضرورية للتموين بالبترول الذي يمر من البحر الأبيض المتوسط، عبر بوغاز جبل طارق، كما أننا نعرف أن مصالح أوربا وحاجتها الحيوية للغاز الطبيعي هي أكثر من البترول، وهذا يشكل نقطة ضعف لديها، وعليه فالأمن في المجال المتوسطي حيوي بالنسبة لأوربا. هناك قمة أخرى انعقدت أخيرا في الإسكندرية بمصر بمبادرة من فرنسا ومعهد دراسات السلام، وتركزت حول مسألة بين حوار الثقافات والحضارات، حضرته شخصيات سياسية هامة عربية ودولية، وخلاله قدمت فرنسا مشروعها المسمى بـاتحاد متوسطي، حاولت الدفاع على أنه ليس ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي ولا استبعادا لدول الخليج. إن هذه الدينامية تؤكد أن دول أوربا واعية في هذه اللحظة أن سياسة جورج بوش أدت إلى مأزق، وأن هناك أزمة عالمية، كما أن الأزمة المالية في أمريكا يمكن أن تنتقل إلى أوربا إذا لم تأخذ احتياطات استعجالية، إضافة إلى أن مشكل الأمن يوجد في المتوسط بشكل أساسي، ولذلك فالمستهدف الأول هو دول جوار البحر المتوسط بما فيها أوربا. لكن الملاحظ مثلا أن قمة 5+5 تحولت عن أهدافها الأولى المتعلقة بالشراكة في مستوياتها السياسية الاقتصادية والاجتماعية إلى مجرد لقاء تنسيقي حول قضايا أمنية تتصل باستقرار الأوربيين؟ قمة 5+5 منذ انطلاقتها في دجنبر 1990 كانت مبادرة سياسية، لكن بعد مشروع برشلونة سنة 1995 الذي أخد على عاتقه معالجة المشاكل السياسية والأمنية، والمشاكل الاقتصادية والتقنية والمالية، ثم المشاكل الإنسانية والثقافية، وقع نوع من الاندماج بينهما، لكن خلال السنتين الأخيرتين تبين أن هذا المجال تلاشى ويعاني من مشاكل، حاول الأوربيون بمساعدة عدد من الدول الأخرى، تجاوزها عبر مبادرات تكميلية، بما فيها تجديد مجال قمة 5+,5 إلا أن هذا لم يتسع ليأخذ الصبغة التي كانت مأمولة منه. واليوم هناك عدد من الدول الأوربية تعيش مشاكل انتخابية ولا أقول سياسية، فما كان يقوله ساركوزي قبل وصوله إلى منصب الرئاسة غير الذي يفعله اليوم، وبعد شهور من الحكم تبيّن أن بين الخطاب والممارسة هنالك فوارق مهمة، مما جعل ردود فعل الساحة الفرنسية والدولية إزاء أطروحاته متحفظة. كما أن إسبانيا مقبلة على الانتخابات التشريعية وقد يهزم فيها الحزب الاشتراكي، كما وقع في إيطاليا التي تعيش مشاكل أدت إلى فقدان رومانو برودي لأغلبيته، وفي انجلترا نذكر الكيفية التي غادر بها توني بلير رئاسة الحكومة، إن هذه التطورات الداخلية لدول الاتحاد الأوربي وأمام مشاكل جنوب غرب المتوسط، المتمثلة بالنسبة إليه في الأمن والهجرة، ثم المنافسة الأمريكية على النفوذ والمصالح، هي التي تدفع اليوم إلى تركيز الوجود الأوروبي وتقويته. وهنا ارتأى أن يجمع قمة 5+5 في دورتها السادسة. إلا أن هناك مشاكل أخرى تطرح، أبرزها مشكل الطاقة والبترول، فالتموين بالبترول هي حاجة أوربية ومغربية كذلك، وهناك مشكل الصحراء، حيث مقترح المغرب للحكم الذاتي أخذ طريقه على مستوى الأممالمتحدة. لكن الأوربيين ينتظرون أن يلقى دعما على المستوى المغاربي، لأنه في غياب اتحاد مغاربي فإن قمة 5+5 ستراوح مكانها. هناك أيضا الضبابية التي تلف الواقع السياسي في الجزائر، نظرا لوجود العنف من جهة، وعدم وضوح الخريطة السياسية وموازين القوى من جهة ثانية. لا أقول إن هناك مشكلا في الاستقرار بالجزائر، ولكن يمكن القول أن الفاعلين السياسيين في الجزائر لم يتفقوا بعد على مشروع مجتمعي. إن هذه الديناميات المختلفة والمعقدة هي التي جعلت قمة 5+5 ينكفئ على دراسة قضايا الأمن والهجرة، وبالتالي لا يمكن أن تناقش لا التحالف الاقتصادي ولا السياسي ولا الاستراتيجي. وفي آخر المطاف فإن الاتحاد الأوربي ارتأى طرح نقطة وحيدة هي مشكل الصحراء بين الجزائر والمغرب، ذلك أنه بدون الوصول إلى حلّ مع الجزائر فإن المشكل سيستمر، لأن البوليساريو لا تأثير لها. خلال هذه القمة تم الاتفاق على انضمام مصر واليونان كأعضاء جدد في القمة لتصبح 6+6 ما خلفيات هذا التوسع العضوي؟ إنه مرتبط بالصراع بين المغرب والجزائر وتأثيره السلبي على القمة، إن ما يجري كذلك على مستوى الساحل الصحراوي من تهريب وهجرة سرية، وكذا استغلال المجال من قبل عناصر القاعدة، يجعل المنطقة مهددة ككل. وانضمام كل من مصر واليونان إلى قمة 5+5 من شأنه توحيد دول جنون المتوسط، لأنه لا وجود لمجال أورومتوسطي بدون تكوين تكتلات اقتصادية جنوبا. فالاتحاد الأوربي متكتل ومنسجم سياسيا واقتصاديا لكن أمامه دول متشتتة وغير منسجمة، وتعمل بشكل فردي. وأوربا اليوم وصلت إلى قناعة مفادها أن التعامل مع كل دولة على حدة يطرح مشاكل كثيرة. وهذه القناعة تترسخ لدى الأوربيين مع عودة العلاقات مع ليبيا إلى مجراها الطبيعي، على إثر زيارة ساركوزي إلى ليبيا وزيارة رئيس هذه الأخيرة إلى فرنسا واسبانيا. واليوم تبين أنه لا يمكن أن يكون هناك مسلسل برشلونة واتحاد متوسطي و5+,5 دون توحيد هذا المجال في مشروع مجتمعي سياسي شامل ومندمج من المغرب إلى تركيا. وهذا أصبح رهانا لدى الأوربيين، تقوّى أكثر بعد شهور من تعامل ساركوزي لوحده. والمؤكد اليوم أن هناك وعيا متزايدا يدفع باتجاه التدخل كتكتلات وليس كدول. هذه الرغبة في بناء مجال أورومتوسطي من المغرب حتى تركيا ألا يمكن أن تصطدم بملف الصحراء كعائق أمامها؟ ما أراه هو أن التقدم على مستوى الاندماج المغاربي قد يكون حلاّ لقضية الصحراء، لأسباب منها أولا الوعي المتزايد بأن المغرب ليس لديه رغبة في الاستيلاء على الثروات المفترضة في المنطقة المتنازع عليها، لأن هذا غير موجود ولا واقعي، وثانيا هناك مشكل الساحل الصحراوي الذي بات يشكل خطرا على دول الجوار. وإذا لم يتم التوصل إلى حلّ لمشكل الصحراء فالضحية الأولى لذلك ستكون هي الجزائر وليس المغرب، بالنظر إلى عولمة الإرهاب الذي تتزعمه حركات بدون هوية واضحة ولا مرجعية وطنية. وهذا يجعل المشكل خطيرا بالنسبة لجميع الدول. والدليل على ذلك أن الجزائر تبدل مجهودات كبيرة من أجل حماية البنيات التحتية وحقول البترول، لحساسيتها بالنسبة للاقتصاد الجزائري. وبدون استقرار سياسي في المنطقة لن تستفيد الجزائر من ثرواتها، خاصة وأن الشعب الجزائري لا يستفيد من ثرواته، التي تنفق أساسا على التسليح والتجييش والأمن، في حين أن الأمن العسكري لا يمكن أن يحل المشكل إذا لم تحله السياسة. أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن مشروع جديد هو اتحاد متوسطي، ألا يعني ذلك فشلا لمشروع مسلسل برشلونة؟ ساركوزي رجل ذكي وطموح، ولكنه غير واقعي، فالمشروع الذي اقترحه كان بنيّة أن يفرغ مسلسل برشلونة من مضمونه. وهذا هو السبب الذي جعله يلقى تحفظات صريحة من عدة دول أوربية في مقدمتها ألمانيا واسبانيا، مما جعله يتراجع نسبيا. وخلال حملته الانتخابية للرئاسة كان يعلن صراحة أنه ضد انضمام تركيا للاتحاد الأوربي، مما جعلها ترفض المشروع مند البداية. وساركوزي انطلق من خلاصة مفادها أن مسلسل برشلونة فشل، وهذا غير صحيح، فمسلسل برشلونة إن لم يحقق نتائجه وأهدافها كلها، إلا أنه وفّر إطارا على الأقل بفاعلين ومشاريع ومجال، وحقق بعض المنجزات فقط، لكن هذا لا يبرر إلغاءه، فساركوزي حاول استغلال التعثرات التي حصلت على المستوى الأمني والعسكري وعلى المستوى الاقتصادي. وهي الزاوية التي أراد العبور منها إلى طرح مشروعه اتحاد متوسطي، الذي لاحظنا أن خطوطه الكبرى المعلن عنها يتقدمها ما هو أمني واقتصادي. ألا يمكن القول أن المرامي البعيدة وراء هذه المشاريع تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل ما دامت الإرادة السياسية للأوربيين غير متوفرة لتنمية المنطقة فعلا؟ هذا ممكن، لكن يبقى أننا أمام مشروع، وعلينا أن ندرك أن الطبقة الحاكمة في فرنسا لا تتقاسم نفس الاتجاه السياسي مع ساركوزي، وترى أن إسرائيل لا يمكن أن تبقى معزولة عن هذا المشروع لكن ليس بحلتها الحالية، خاصة بعد عودة وتنامي روح الانتقام و والكراهية والقتل، وتنامي تيار التطرف الديني فيها، فهذا يشكل خطرا على جميع الدول، بما فيها الأوربية. واليوم هناك قناعة شاملة تؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار وأمن في المنطقة بدون حلّ قضية فلسطين، ولذلك أعتقد أن المشروع الأوربي لا ينطلق من أن إسرائيل ستدخل كما هي إلى المشروع، بل بعد حلّ قضية فلسطين، وهذا ما يجعل مصر والأردن طرفين أساسيين في هذه المعادلة كلها، خصوصا وأن الصراعات والتوترات في المنطقة تساهم في اتساع دائرة عدم الاستقرار بها. وهذا تخوف حاضر لدى الأوربيين، خصوصا أمام القوى الجديدة القادمة، ممثلة في الصين التي تزايد نفوذها بشكل كبير في إفريقيا، وعودة النفوذ الروسي إلى المجال المتوسطي، فضلا عن النفوذ الأمريكي القوي، وكل هذا يتم على حساب النفوذ الأوربي الذي بدأ في التراجع منذ 20 سنة الماضية.