الذي يبدو أن من بادروا إلى إطلاق نداء الحريات الفردية يختلفون من حيث الحيثيات عن عدد من الذين وقعوا، وهو فرق يعود بالأساس إلى تباين عميق في الخلفيات والأهداف البعيدة وبل حتى القراءة التي يحملها كل واحد للمرجعيات الدولية التي أطرت النداء، والواقع أن عنوان النداء عنوان فضفاض وجامع لكل شيء؛ وهنا وقفات بين يدي النقاش المطلوب. أولا يدعي النداء بأن هناك أفرادا يهدَّدون بسبب أذواقهم وآرائهم واختياراتهم المعيشية ، لكنه لم يحدد صراحة أية أذواق؟ إلا أن إحالته غير المباشر على قضية القصر الكبير تزيل الغموض، فهي قضية تداخلت فيها طقوس الشذوذ الجنسي بالشعوذة، وهنا لا بد من وقفة، ذلك أن عددا من موقعي النداء يجتهدون في إبطال حصول واقعة الزواج بين الشاذين وأن ما جرى لم يكن عرسا، لكنهم لم ينفوا حصول طقوس شعوذة تتضمن مشاهد عرس، أي أن النداء بهذا المعنى يدافع عن الشعوذة، ولم يصدر منه أي موقف حداثي ينسجم واختيارات العقلانية التي يعلن النداء أنها مرتكزهم في مواجهة من أسماهم المتطرفين. ثانيا، وجدنا أن النداء يتحدث عن الحريات الفردية وجرى السعي لجلب العديد من الموقعين لدعم ذلك وتمت تعبئة العديد من وسائل الإعلام لتكون ضمن الداعمين للنداء، لكن النداء سقط في الانتقائية الشديدة، فأزمة الحريات الفردية متعددة الأبعاد والرئيس السابق لأسبوعية نيشان رضوان الرمضاني كان صريحا في القول بأنه طرح قضية المحجبات اللواتي يمنعن من العمل بسبب الحجاب لكن لم يلتفت للقضية، أما علي عمار مسؤول أسبوعية لوجرونال فكان هو الآخر واضحا عندما قام باستدعاء موضوع الحملة الإعلامية على لوجورنال قبل حوالي السنتين، وهي مؤشرات على الانتقائية الشديدة، والتي تجعل من المشروع اعتبار قضية الشذوذ الجنسي هي القضية الأولوية بالنسبة لعدد من موقعي النداء، وأنه جاء للحد من ردود الفعل الصادرة في المجتمع ضد انتشار المجاهرة به واستفزاز المجتمع به. ثالثا إن كلاما مثل حملات الكراهية والتكفير المبطن والدعوة لممارسة العنف هي مصطلحات غير دقيقة وتتسم بالهلامية والضبابية؛ وبالحكم على النوايا؛ وبالتالي هي مصطلحات إرهابية تهدف قمع كل مخالف ، ونعته بالتهمة الجديدة الجاهزة التكفيرية، وبالتالي فالنداء يسقط فيما أراد انتقاده والدعوة لمواجهته، وهذا أمر لا ينتبه له عدد من الموقعين، ولهذا كان من الواجب تذكيرهم أن مطالبة الآخر بشيء تستلزم الالتزام به أولا. رابعا ذهب النداء للتركيز على أن الاتفاقيات الدولية تسمو على القوانين الداخلية للأمم التي وقعت عليها وهذه قضية فيها لبس كبير فحتى إذا سلمنا بهذه المقولة، لم يوضح لنا النداء ما هي القضايا التي لم يحترم فيها القانون الدولي ولم يكن القانون المغربي منسجما معها، وهذه قمة الغموض، وتفسيرها واضح ففي الآونة الأخيرة لم يصدر سوى حكم واحد هو الحكم الذي صدر في حق شواذ القصر الكبير، بمعنى أن موقعي النداء بقبولهم الإشارة إلى قضية سمو القانون الدولي تجعل من المشروع اعتبار النداء يدعو لإبطال القانون المغربي في هذه النقطة. خامسا ذهب النداء إلى إثارة موضوع الاحتجاج بالقصر الكبير وذلك للتأكيد على أن تطبيق القانون هو من اختصاص الدولة، وأن الاحتجاج غير السلمي مرفوض، والواقع أن هاتان النقطتان ليستا محط خلاف ولا يمكن لأحد أن يدعو لخلافهما، إلا أن النداء وبسبب من انتقائيته الشديدة أغفل الحديث عن مسؤولية الدولة في التراخ عن تطبيق القانون، وأغفل تقدير دور المجتمع في تنبيه الدولة لتحمل مسؤوليتها، ولا يمكن وضع ما حصل في القصر الكبير في خانة واحدة هي خانة الاحتجاج العنفي، نعم كانت هناك مظاهر للعنف وهي مرفوضة ولكن كانت هناك مظاهر للاحتجاج السلمي ضد استفزاز قيم المجتمع وأخلاقه، وكون النداء أغفل ذلك تورط من حيث قصد أو لم يقصد في استعداء الدولة على المجتمع، رغم أن عدد من الموقعين هم من نشطاء المجتمع المدني ومن دعاة تعزيز دوره في الرقابة على الدولة، إلا أنه في حالة القصر الكبير تحول النداء إلى أداة لتحجيم حركة المجتمع ؟