عندما خططت أمريكا لعولمة العالم ،وفرضت قانون الإرهاب ،كانت تعي جيدا أن زلزالا عظيما سيهز الكثير من القناعات والمبادئ الأخلاقية والدينية والسياسية.ذالك أن الحرية بالمعنى العام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي أضحت أول الضحايا مع قانون الإرهاب الأمريكي ،حيث تساوت الدول الديمقراطية والديكتاتورية في خنق الحرية ،وانعدامها أمام الخطط الأمنية لمكافحة الإرهاب. - ازدواجية المعايير سعت أمريكا إلى ترسيخ فكرة انطلاقا من الفكر الغربي، ليس هناك وعي اجتماعي أو قانون مجتمعي وإنما المجتمع مجموعة أفراد لا يخضعون لضوابط اجتماعية.وبهذا يصبح المجتمع قطيع حسب منظومة عولمة الحقوق الفردية،من اجل تجاوز الدولة القومية وخصوصا دول العالم الثالث ومنها الدول الإسلامية ذات الأنظمة السياسية الهشة. ولنفهم العقل الأمريكي في مجال الحريات الفردية لابد من ذكر دعامتين في تشكليه: -1ليس هناك صراع بين الخير والشر،حيث القيام الأخلاقية يتحكم فيها مبدأ المنفعة. -2 كل تحركات المجتمع الإنساني من صراع وتجاوب تنطلق من مبدأ المصالح ،وهي في الأساس مصالح فردية لا جماعية .ولهذا ليس هناك مجال سياسي و اقتصادي واجتماعي وأخلاقي يلتزم بمبدأ خارج منطق المصلحة الفردية. انطلاقا من الفلسفة البرجماتية وباعتماد التفسير السلوكي للحرية الفردية يرى أصحاب هذا الفكر أن الحرية الفردية تلغي كل ماهو عقلي مقابل المعرفة الحسية المباشرة،المبنية على الصواب والخطإ وبعبارة أدق المحاولة والخطأ. إذن القاعدة الفلسفية للعقل الأمريكي في نظرته للكائن الإنساني أي الفرد انه مجموعة من العادات السلوكية والتي يمكن عن طريق تعزيزها بسلوك بديلة تصبح تعبيرا عن أخلاق وقناعات وعقائد أساسها مصالح فردية. ولهذا جندت أمريكا كل الوسائل من الفكر إلى الاقتصاد إلى السياسة إلى الإعلام لتغير القناعات والمبادئ العقلية والدينية ليصبح العالم المستهدف كان إسلاميا او غيره، كقطيع ينشد مصلحته أو ما يعتقد انه مصلحته .في طريق جعل هذه الدول تجمعات أفراد أو مجموعة أفراد وليس مجتمعات تعيش وفق عادات وتقاليد واعتقاد ديني. وللتوضيح سأعطي بعض الامثلة عن مفهوم الازدواجية 1-اثناء الحرب السوفياتية ،كان العالم الإسلامي يطبل للمجاهدين العرب بدعم من أمريكا ،وكانت وسائل الإعلام الدولية تتابع بطولة المجاهدين ،وعملت الدول الإسلامية على تسهيل الهجرة إلى ارض المعركة.وبمجرد انقلاب المجاهدين على أمريكا أصبحوا إرهابيين ،أغلقت كل الدول العربية حدودها ،واعتقلت كل من ساهم في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي. واضحى العالم كله في تعقب المجاهدين .حيث أصبحت قناعة العالم أن المعركة بين أفغانستان والاتحاد السوفياتي كانت حربا و جهادا،لكن ضد أمريكا فهي إرهابا. 2- نفس الشيء بالنسبة للحرية الفردية حسب المفهوم الغربي ،ولنأخذ قضية الحجاب. ولنطرح السؤال أليس الحجاب من الحريات الفردية ؟ أليس مسألة تحجب المرأة أو عدمه هو قناعة وخيار فردي؟. فان كان خيار فردي فلماذا يمنع ضد الحرية الفردية؟ بل ضد المواثيق الدولية كما نجد في المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص في المادة الثامنة عشر "لكل شخص حق في حرية التفكير والوجدان والدين،ويشمل هذا الحق حريته في تغير دينه أو معتقده،وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة وأمام الملإ......". 3- يظهر أن العقل الأمريكي يسعى دائما وفق مبدأ المنفعة أن يجعل أبناء الوطن الوحيد في المواجهة ،كما نجد في ارض العراق مغاربة انتحاريين أو يحاربون إلى جانب المقاومة العراقية، وفي الجانب الأخر مغاربة مجندين مع القوات الأمريكية . والحصيلة النهائية منهم من يتفجر هناك بدون عنوان ومنهم من يموت من المجندين فينقل جثمانه للمغرب،كلاهما يحارب تحت قناعة مختلفة ومصيرهما واحد والمستفيد هي أمريكا. منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والذي عمل على ترسيخ الحقوق الفردية والجماعية.اختلفت الأنظمة السياسية في العالم في المقاربة بين الحقوق التي تخدم مشروعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،والحقوق السلبية في نظر هذه الأنظمة. والحرية الفردية كلمة تحمل أشياء مختلفة المعاني حسب التوجه العام للأنظمة، بين مفاهيم متعددة من حرية التفكير إلى حرية التعبير وحرية الاختيار..... . - النداء وأصحابه بتاريخ 18 يناير 2008 أصدرت وسائل الإعلام نداء مجموعة من المثقفين المغاربة، دعا فيه النداء تدخل الدولة لمواجهة "الإرهاب الفكري"الذي يشيعه الإسلاميون، وأطلقوا على هذا النداء" من اجل الدفاع عن الحريات الفردية" وذلك على خلفية ظاهرة الشواذ بالمغرب. قبل الحديث عن النداء وأصحابه لابد من ذكر ملاحظتين: 1- منذ اندلاع هذه الأحداث ولأول مرة يظهر السيد وزير الداخلية بن موسى يدافع قبل نطق المحكمة، فسقط في فخ الدفاع المجاني من ناحية ،ومن ناحية أخرى كان تصرفه غريب في إعطاء تبريرات واهية ،لدرجة أن المعلومات التي نقلها إلى نواب الأمة ،سيتم تكذيبها من طرف أخ المتهم الرئيسي في القضية ،في إحدى برامج القناة الثانية حول الواقعة نفسها. 2- في هذا البرنامج ظهر السيد عبد الإله بن كيران البرلماني وقيادي حزب العدالة والتنمية،في تدخلاته كأنه فرض رقابة قبلية وبعدية على عقله ولسانه وهذه الرقابة فوتت عليه فرصة الانتباه إلى السيدة المشاركة في البرنامج عندما قارنت بين ما وقع في مدينة القصر الكبير و ما وقع للفيلسوف ابن رشد. كأن ابن رشد من طينة أصحاب فضيحة الشواذ؟. وبخصوص النداء الموقع من طرف بعض المثقفين المغاربة فهو ينطوي على مغالطات فكرية، فكان من الواجب أن يكون ندائهم واضحا ماذا يقصدون بالحريات الفردية ؟ ومن المقصود بالإرهاب الفكري؟. ثم كيف يمكن للدولة أن تتدخل لحماية الحريات الفردية من تطرف الإسلاميين، و مؤسستها تقر بالإسلام كدين للدولة؟. هل معنى هذا إن الإسلام يقر ويعترف بظاهرة الشواذ عرسا كانت أو حفلا، حتى يطلب من الدولة التدخل؟. هل المطلوب تغير أخلاق المجتمع أم الدين الإسلامي أم الدستور، لفرض الظاهرة أمام غياب العلماء؟. استغرب عندما أجد من يدافع عن الحريات الفردية أو حريات الشواذ، ولا يستطيع أن يشير بصراحة إلى الجهة المعنية بالنداء.بل لم يستطيع كمثقف أن يؤسس جبهة للحوار حول إشكالية حدود حرية الفرد مقابل حرية المجتمع أي بين الحرية الشخصية وحرية المجتمع هل هي علاقة تعارض أم تكامل؟. بمعنى كيف يمكن صيانة حرية الفرد وحماية حقوق المجتمع والحق العام؟. استغرب عندما أجد من يدافع عن الحريات الفردية في المغرب، وهناك معتقلين في السجون بتهمة إهانة المقدسات، ومعتقلي الرأي والعقيدة، واستغرب أكثر عندما ترفض مصلحة الحالة المدنية تسجيل اسم شخصي بدعوة ما،وهو ابسط الحقوق .أو قمع تظاهرة المعطلين مقابل حق العمل، والجز بالمطالبين بتحسين الوضعية الاجتماعية والمعيشية في السجون مقابل الحق في العيش الكريم. أليس كل هذه الحالات هي حقوق مهضومة ومعترف بها كونيا حسب المواثيق الدولية والحقوقية؟. فمن يمارس الإرهاب الفكري؟. وأين انتم أصحاب النداء من قضايا الشعب المغربي؟. [email protected]