شكلت نازلة "شبكة بليرج"، أول فرصة سانحة فعلا لتطبيق مقتضيات قانون الإرهاب، وفي ذات الوقت كانت فرصة أيضا لتفعيل أمر المطالبة من جديد بإعادة النظر في هذا القانون الذي تم الإقرار به في ظروف خاصة وبسرعة فائقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المغرب التشريعي. ومن دواعي المطالبة بإعادة النظر في قانون مكافحة الإرهاب، من الوجهة الحقوقية على الخصوص، أن البعض أضحى يجهر بالفكرة القائلة بأن حقوق الأظناء، أمام خطورة الوضع، لا تعدو أن تكون مجرد شكليات غير ذات أهمية، في حين ترى جهات أخرى أن إعادة النظر هذه هي للمزيد من تشديد مقتضيات قانون الإرهاب. من المعلوم أن هذا القانون صودق عليه في يونيو 2003، بعد أحداث الدارالبيضاء الدامية لتوفير آليات قانونية مجدية وفعالة لمتابعة ومحاكمة المتورطين في الأعمال الإرهابية. وفكرة مراجعة هذا القانون، حتى وإن كانت من مطالب عدد من الفعاليات الحقوقية، إلا أنها مازالت في بدايتها في صفوف السياسيين، ولم تتبلور بعد إلى مقترح أو مشروع قانون. ويذهب البعض إلى أنه سيكون من المفيد جدا إغناء النقاش بهذا الخصوص، موازاة مع الجدال القائم حاليا، فيما يتعلق بكيفية مواجهة الإرهاب وتحصين المغرب من مخاطره. فإذا كان الأصل في اعتماد قانون مكافحة الإرهاب هو مواجهة هذا الأخير، فيرى الكثيرون أن الاعتقاد، باسم التصدي للإرهاب ومكافحته، تقوم به الأجهزة التنفيذية بشكل متزايد للحد من اختصاص القضاء، وبالتالي من المحتمل أن يؤدي تفعيل قانون مكافحة الإرهاب إلى العديد من التجاوزات والانتهاكات، لذا وجب إعادة النظر فيه، هذا في وقت يرى فيه البعض، أنه على العكس من ذلك، وجبت إعادة النظر في هذا القانون في اتجاه المزيد من التشديد لصيانة البلد من خطر الإرهاب المتزايد والذي لا يمكن التساهل معه. الجميع مع إعادة النظر لكن في اتجاهات متناقضة بعد الكشف عن "شبكة بليرج" دعا شكيب بنموسى، وزير الداخلية إلى مراجعة قانون مكافحة الإرهاب، اعتبارا للتطور الحاصل في أنشطة الإرهابيين وسرعة تكيف تنظيماتهم ونهج عملهم مع التدابير الأمنية الرامية لمحاصرتهم ومراقبتهم، سيما ابتكارهم لطرق غير مسبوقة لاختراق مؤسسات الدولة والركح السياسي وتنظيمات المجتمع المدني، إلا أن هذه المراجعة، التي يطالب بها الوزير تسير في اتجاه مخالف لجهات أخرى تسعى هي كذلك إلى إعادة النظر في هذا القانون. فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان تعتبر أن المطلوب ليس هو مراجعة قانون مكافحة الإرهاب الحالي بقدر ما أن المطلوب هو إلغاؤه، باعتبار أن المغرب يتوفر على ما يكفي من العقوبات للتصدي للإرهاب في ترسانته القانونية، سيما وأن وجود قانون مكافحة الإرهاب يتعارض مع حقوق الإنسان ما دام أضحى ذريعة سهلة للتراجع عن حقوق المتهمين والمشتبه فيهم. وفي هذا الصدد يقول عبد الإله بن عبد السلام، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بأن هذا القانون شكل انتهاكا لحقوق الإنسان، معتبرا أنه تم اعتماده من خلال إملاءات أمريكية، ولم يأت انطلاقا من حاجة مغربية موضوعية، مشيرا إلى أنه أعتمد خلال ظروف أسرعت بالإقرار به، بعد أن تمكنت أغلب مكونات المجتمع المدني من تأخر إصداره منذ الإعلان عنه. ولم تغير الفعاليات الحقوقية موقفها، إذ مازالت تعتبره تراجعا عن مبادئ حقوق الإنسان، وبالتالي لازالت الحاجة للمطالبة بإلغائه قائمة. أما النهج الديمقراطي، فقد سحبت لجنته الوطنية الاختطافات والحراسة النظرية الطويلة المرتبطة ب "شبكة بليرج"، وطالبت من جديد بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، الذي يطلق اليد في نظرها للأجهزة الأمنية لممارسة التعسف والبطش. كما نددت كذلك بإطلاق اتهامات وأحكام مسبقة ضد المعتقلين في هذه النازلة من قبل أجهزة الدولة وبعض وسائل الإعلام قبل أن يقول القضاء كلمته فيها. في حين ذهب مصطفى الرميد (العدالة والتنمية) إلى القول، إن المشكل القائم حاليا يكمن في عدم تطبيق فحوى قانون مكافحة الإرهاب واحترام مقتضياته، خصوصا فيما يرتبط بشروط وشفافية الاعتقال، اعتبارا أنه تمت ملاحظة بعض الأشخاص في نازلة "شبكة بليرج" قد احتجزوا أكثر من شهر دون أن يعرف ذويهم شيئا عنهم. ويؤكد أحمد الزيدي (الاتحاد الشتراكي) أن فكرة مراجعة قانون مكافحة الإرهاب قد أثيرت في النقاش بين النواب، إلا أنه مازال لم يظهر بعد في أي اتجاه وجب أن يسير التعديل. ويعتبر أحمد حرزني (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) أنه من الصعب التوفيق بين محاربة الإرهاب واحترام القانون وحقوق الإنسان، رغم أن المغرب قد حسم الأمر بخصوص المصادقة على البروتوكول الاختياري حول التعذيب، والتي لا محالة أنها ستتم قريبا جدا؛ وفي رأيه، إذا كان لا يمكن التساهل مع الإرهاب، بأي وجه من الوجوه، فإنه لا يجب أن تكون محاربة الإرهاب ذريعة لخرق القانون والدوس على حقوق الإنسان. إن التوفيق بين عدم التساهل مع الإرهاب وعدم السماح ليكون ذريعة لخرق القانون واقتراف انتهاكات، معادلة صعبة جدا، لكنها تظل معادلة ممكنة التحقيق شريطة حضور اليقظة من طرف الجميع.. عبد العزيز النويضي/ رئيس جمعية "عدالة" المطلوب ليس تغيير القوانين وإنما معالجة أسباب الإرهاب يرى عبد العزيز النويضي أنه إذا كان لابد من إصلاح "قانون مكافحة الإرهاب"، يجب أن يكون هذا الإصلاح في الاتجاه الذي يضمن ويحمي الحقوق بشكل أكبر، لأنه في ذات الوقت يساعد حماية الحقوق على محاربة الإرهاب، وذلك لأنه إذا لم تحترم الضمانات وتم اللجوء إلى استخراج بعض الاعترافات بطرق غير مشروعة، سيؤدي بنا هذا المسار إلى خطأ أدهى. وعموما ليس تغيير القوانين، في هذا الاتجاه أو ذاك، هو الذي سيقضي على الإرهاب، وإنما القضاء عليه يكون بمعالجة أسبابه. فبعد أحداث 2003 الدامية، أعلن الملك في خطابه عن مقاربة شمولية تعنى بالجوانب الأمنية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية، والمقاربة الشمولية وحدها كفيلة للحد من هذه الظاهرة، بعد أن توبع المتهمون في الأحداث الإرهابية لسنة 2003 بالقانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب فيما بعد. وقد سبق لعبد العزيز النويضي أن أكد سابقا بأنه من الضروري التدقيق في تعريف الجريمة الإرهابية مع إحاطة حقوق المشتبه فيهم بضمانات كافية، وهذا ما يتطلب تطوير وسائل عمل الأجهزة الأمنية، وفي هذا الصدد يعتبر النويضي أن مدة الحراسة النظرية (96 ساعة قابلة للتجديد) مدة طويلة، كما أنه ليس هناك اهتمام من طرف المشرع بخصوص تعمد عدم إخبار عائلات الأظناء أو تجاوز المقتضيات المرتبطة بعملية تفتيش الإقامات والمساكن في حالة اعتقال أصحابها أو حضور أي اشتباه بخصوصهم. سعيد لكحل / باحث في الحركات الإسلامية المراجعة ينبغي أن تتم في اتجاه تشديد العقوبات وتوسيع مداها يرى سعيد لكحل أن تعدد الخلايا الإرهابية التي تم اكتشافها وإفشال مخططاتها، واعتبارا لطبيعة هذه المخططات التي تزداد خطورتها وأبعادها كلما أعلن عن اكتشاف خلايا جديدة، كل هذا يجعل مراجعة قانون الإرهاب أمرا ضروريا. طبعا المراجعة ينبغي أن تتم ليس في اتجاه التخفيف، وإنما بغرض تشديد العقوبات وتوسيع مداها ليشمل الإفتاء بتكفير المجتمع أو المواطنين أو الأحزاب أو الدولة والنظام والقوانين والتحريض على الخروج عن النظام العام ، أو تأييد رموز الإرهاب وشيوخ التطرف وأمراء الدم أو مناصرتهم كمعتقلي رأي ، أو الإصرار على التشكيك في نتائج التحقيقات التي تنجزها الأجهزة الأمنية واتهامها بفبركة الملفات . فالإرهاب ليس فقط حمل متفجرات وأسلحة ، بل هو كذلك عقائد تكفيرية متطرفة، أساسا، تحبب قتل الأبرياء وتحرض عليه بعد أن تجعله على رأس الفرائض التي تقرب إلى الله تعالى . وإذا تمت المراجعة في هذا الاتجاه ، فإنها بالتأكيد ستكون منسجمة مع قرار مجلس الأمن رقم 1624 الذي تم اعتماده بتاريخ 14 سبتمبر 2005، والذي يدعو كافة الدول ال 191 الأعضاء في المنظمة إلى "الحظر القانوني للتحريض على ارتكاب عمل أو أعمال إرهابية"، وكذلك إلى "منع إيواء" أي شخص يشتبه حتى في تحريضه على الإرهاب. للأسف أصبحت للإرهاب بنيات حقوقية وإعلامية يستند إليها في ابتزاز الدولة وإحراجها كلما اعتقلت عناصر مشتبه فيها بالانتماء إلى خلايا إرهابية أو متعاطفة معها ، فضلا عن البنيات التنظيمية والتمويلية التي تشكل القاعدة الأساس للإرهابيين . أحمد عصيد/باحث أمازيغي قانون الإرهاب أشبه بحالة طوارئ تسمح للسلطة بأن تدوس على مبادئ كثيرة مما يجعلنا أمام إرهاب الدولة يرى أحمد عصيد أن قانون الإرهاب كانت حوله تحفظات كثيرة من طرف القوى الديمقراطية الحقوقية منذ أن طرح للمناقشة، وسبب ذلك هو اشتماله على مواد يمكن أن ينجم عنها شطط وتجاوزات في عمل السلطات الأمنية، وهذا ما حدث بالفعل، ففي غياب الأسس الراسخة للديمقراطية، تلك التي تكرس لدى كل الأطراف مبادئ احترام الإنسان في كرامته وحرياته، وكذا الإقرار باستقلال القضاء وبكون كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته، في غياب هذه القيم قد يصبح أي قانون مطية لهضم الحقوق والتطبيع من جديد مع عادات سيئة يريد المغاربة اليوم القطع النهائي معها. لقد جاء قانون الإرهاب في سياق معروف طبعته الأحداث الخطيرة ل 11 شتنبر الأمريكية ثم 16 ماي المغربية و11 مارس الإسبانية إلخ، مما يظهر معه بأن العالم أمام معطى جديد، هو الإرهاب المعولم الذي يمكن أن يضرب في أي مكان، لكن قانون الإرهاب ارتبط خاصة بالمخطط الأمريكي للرد على القاعدة ومعاقلها بأفغانستان والعراق، فبعد محو نظامين سياسيين من الوجود كان لا بدّ من تحسب العواقب واستباقها في مختلف البلدان الحليفة، والتي من ضمنها المغرب، غير أن أسلوب التعامل مع قانون الإرهاب لا يمكن أن يكون هو نفسه في بلد أوروبي وفي بلد كالمغرب، ذلك لأن هذا الأخير يتمتع بتاريخ وثقافة غنيين في الاختطاف والاعتقال والتعذيب، مما من شأنه أن يجعل قانون الإرهاب مجرد ذريعة إضافية لإعادة إنتاج ماض معيب ودموي، وهو ما لا نقبل العودة إليه بأي حال من الأحوال. ف"العهد الجديد"، وإن كان شعارا للسلطة ينتظر التنفيذ في كل القطاعات، فهو حلم للديمقراطيين المغاربة الذين هم مستعدّون لبذل المزيد من التضحيات حتى ينتقل المغرب إلى مصاف الدول التي تحترم القانون وكرامة الإنسان. إن قانون الإرهاب، في نظر عصيد، أشبه بحالة طوارئ تسمح للسلطة بأن تدوس على مبادئ كثيرة، مما قد يجعلنا أمام إرهاب الدولة بعد أن كنا نحارب إرهاب تنظيمات التطرف الديني. ومن ثم يرى أحمد عصيد ضرورة التفكير، بشكل جدّي، في تعديل بعض بنوده حتى تكون ثمة ضمانات لاحترام الحقوق والقوانين، إذ لا يحق لأية جهة أن تقتحم البيوت بدون ترخيص قانوني، أو تنصّب نفسها بديلا عن سلطة القضاء، كما لا يحق لأية جهة أن تتدخّل في عمل القضاة بالتعليمات أو الضغوط أو أي شكل من أشكال التوجيه المسبق الخارج عن شروط المحاكمة العادلة. والغريب، يقول أحمد عصيد، إن الكثيرين يتحدّثون عن السرعة التي تحصل بها المصالح الأمنية على معلومات من المعتقلين، مع العلم أنّ الجميع يدرك بأن ذلك مرتبط بأساليب التعذيب التي سادت من قبل والتي لم تتغير. و يختم عصيد حديثه مؤكدا رفضه للإرهاب الظلامي الأعمى ذي المرجعية الدينية أو غيرها من مرجعيات الإقصاء والكراهية، لكننا بالمقابل نرفض إرهاب الدولة وانتهاز الفرص من أجل العودة إلى أساليب أساءت إلى سمعة المغرب في المنتظم الدولي ولدى الرأي العام العالمي. أحمد حيداوي ضرورة مراجعة قانون الإرهاب أصبحت مسالة حتمية عندما نتحدث عن قانون الإرهاب ،يجب أن نتحلى بالشجاعة الفكرية لنسمي الأشياء بمسمياتها،فقانون الإرهاب، ماهو إلا قانون الرئيس الأمريكي السيد بوش الابن. هذا القانون الذي انعكس سلبا في هذه الحرب على الإرهاب في الدوال العربية والإسلامية بالخصوص من خلال السمات التالية: - اعتماده على تعريفات فضفاضة للجريمة الإرهابية ،إلى درجة لايمكن فصل الجريمة الإرهابية عن التفكير أو التعبير أو إبداء الرأي.بمعنى أن قانون الإرهاب حسب هذه التعاريف لايجرم فقط الأفعال الإرهابية بل يذهب إلى حد تجريم الخواطر والنوايا والأفكار.مما يعطي للمصالح الأمنية الحرية في اعتبار الفعل الإرهابي حسب تأويلها وربط التهمة بالمس سواء بالأمن الداخلي أو الخارجي وهي نفس التهم التي كانت تلصق بالمعارضين السياسيين كانوا يساريين أو غيرهم في السنوات الغابرة. -جل الدول العربية بفضل هذا القانون وقعت في إشكالية خطيرة، ذلك أنها أصبحت الخصم والحكم في نفس الوقت، بخلاف أمريكا التي وضعت نفسها في حرب مفتوحة ضد ما يسمى الإرهاب الإسلامي، أي الخطر الأخضر بعد هزيمة الخطر الأحمر.لكون الإرهاب لاصق بالإسلاميين وبالتالي فهو نابع من المعتقد الديني. هذه النظرة الأمريكية في تفسيرها للصراع الدائر بينها وبين الخطر الأخضر، جعل الدول العربية والإسلامية تعيش إشكالية سياسية وليست دينية ،حيث الاحتكام إلى الكتاب والسنة جعل الجميع يقوم بالتأويل خارج النصوص الدينية،وقطع الطريق عن كل محاولة لإقامة حوار سياسي وديني. وفتح مجال للمراجعات من الطرفين. جل الدول العربية جعلت من قانون الإرهاب أسمى قانون ،وكل السلط ومنها السلطة الرابعة في دعم الدولة الأمنية أي البوليسية،حيث أصبحت كل مكونات الدولة في هذه الحرب وراء الإستراتجية الأمنية.حيث سعت جل الدول العربية والإسلامية في الانتقال من قانون الإرهاب إلى قانون الصمت من خلال الوثيقة التي أصدرها مجلس وزراء الإعلام العرب من مقر الجامعة العربية.هذه الوثيقة التي جمعت بين المطلب الشعبي و المطلب الرسمي،هذا المطلب الأخير الذي حاول في عباراته الفضفاضة تجنيب الحكام العرب من الانتقادات السياسية و التجريح. وكما أعلن المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة المصري أن المقصود بقانون الإرهاب هو إحكام قبضة البوليس وتكميم الأفواه. إذن في أي اتجاه وجب أن تكون مراجعة قانون الإرهاب؟. ""