شيء جميل أن يعترف مدير مجلة نيشان في افتتاحية عددها الأخير أن ممارسة الجنس سواء كان مثليا أو بين رجل أو امرأة في الفضاء العمومي هو مس مرفوض بالحياء العام وهو ممنوع قانونيا في جميع بلدان العالم مسملة كانت أو غير مسلمة، لكن المشكلة أن نداء الحريات الفردية لم يتضمن هذه الفقرة المهمة، وكان الأولى أن يدعو الدولة إلى السهر على تطبيق القانون في هذه القضية المهمة، مادام الأمر مرفوضا بمقتضى الحياء العام وممنوع بقوة القانون. سيكون من العبث أن يتفضل أحمد بن شمسي مرة أخرى ليقول لنا إن هذه الفقرة المهمة تم نسيانها أو أغفلت لأنها من باب تحصيل الحاصل، فهذا غير مقبول أخلاقيا، لأن الأمر على القصد بدليل القرائن المقالية الكثيرة الواردة في النداء. الغريب أن أحمد بنشمسي يذهب أبعد من ذبك، فيسمح لنفسه بوصف الانتقادات التي توجهت إلى نداء الحريات الفردية بأنها مغلوطة ومشبوهة لأنها حسب زعمه تختزل مضمون البيان في المثلية الجنسية، وكأن النداء لم يتضمن عبارات واضحة في هذا المعنى، وكأنه أيضا لم يشر من قريب أو من بعيد لما وقع في القصر الكبير، ولم يجعل ذلك مندرجا ضمن الأذواق والمعتقدات وأنماط العيش الخاصة بالأفراد. انتقاد أحمد بنشمسي كانت تكون له وجاهة لو خلا النداء من أية عبارة في هذا الاتجاه، لكن المشكلة أن النداء محشو بالكامل بعبارات كلها تدور حول هذا المعنى. أصل المشكلة أن بن شمسي لا يرى في موضوع الحريات الفردية، وبخاصة في موضوع حربة التعبير، إلا جانبا واحدا من الموضوع، إذ يمهمه أن يصف بالتكفير والإرهاب الفكري الذين ينتقدون السلوكات المستفزة القيم الإسلامية وللحياء العام وللقانون ، لكنه لا يتحدث بكلمة عن الذين يمارسون الاختلاف بأسوأ من هذه الطريقة، فيعتبرون كل منتقد للمتشبهين بعبدة الشيطان والشذوذ الجنسي متطرفا وإرهابيا. المشكلة أن أحمد بنشمسي يتحدث فقط عن الذين يفرضون على النساء أن يتحجبن، مع أن ذلك نادر، ولا يتحدث عن الذين يمنعن من الحجاب، ويفرض عليهن نزعه في أماكن العمل مع أن هذه حالة تكاد تكون مطردة في العديد من الشركات وقطاعات الشغل، وهو ما كان من الفروض أن يشير إليه النداء ويؤكده، مادام يدخل في صلب الحريات الفردية المتفق حولها. من جانب آخر، يقع الزميل بنشمسي في الخلط حين يعتبر أن حرية التعبير مطلقة وأن الذي يقول بغير ذلك محسوب بالضرورة ضد الحريات الفردية، في حين أن الواقع ليس بهذا الإطلاق والتبسيط، فيكفي أن نشير إلى أن وزير العدل في لوكسمبورغ لوك فرايدن صرح مؤخرا بأن حرية التعبير لا يمكن أن تكون مطلقة وكان ذلك ردا منه على رغبة زعيم حزب الحرية النائب الهولندي غيرت فايلدرس إعداد فيلم مناهض للإسلام يصف فيه القرآن الكريم بأنه كتاب رهيب وفاشي. حيث اعتبر وزير العدل هذا العمل مفتقرا إلى المسؤولية وأنه من الواجب الأخلاقي يفرض تنبيه الرأي العام إلى ضرورة عدم المبالغة في استخدام حقوقهم الأساسية.. نورد هذا الموقف من أوربا حتى نؤكد بأن لحرية التعبير في كل بلاد العالم سقوف، وأن هذه النظرة لا يتبناها فقط من يعتبرهم بن شمسي مهددين للحريات الفردية، وإنما يطالب بها من يعيشون في عمق الحداثة. بقيت نقطة ثانية في هذا النقاش نصوغها في شكل سؤال، فإذا كان النداء يركز على أن تسمو المواثيق الدولية على القوانين الخاصة للبلدان، وإذا كان بنشمسي يعترف بأن ممارسة الجنس سواء كان مثليا أو بين رجل أو امرأة في الفضاء العمومي مرفوض بالحياء العام وممنوع بالقانون، فما هي النقاط الواردة في المواثيق الدولية التي يريد النداء أن يكون لها السمو على قوانيننا الداخلية؟ وأي جديد ضمن المواثيق الدولية أغفله القانون المغربي في هذا الموضوع؟