هل يجوز للأزواج المسلمين المطالبة بأن تتولى طبيبات، وليس أطباء من الذكور علاج زوجاتهم؟ إحدى المطبوعات الهولندية المتخصصة في الشؤون الطبية نشرت قبل أسابيع مقالا يطرح الموضوع للنقاش. الحصيلة المؤقتة للنقاش: يمكن للنساء أن يخترن الطبيب المعالج، ولكن أزواجهن يجب ألا يتدخلوا في الأمر. "" امرأة مسلمة أدركها المخاض، ونقلت على وجه السرعة إلى قسم الولادة في مستشفى هولندي، ولكن حين رأى زوجها أن طبيب التوليد ذكر رفض السماح له بالكشف عليها وطالب بطبيبة بدلا من الطبيب. كان سلوك الزوج يتسم بالعدوانية إلى درجة اضطرت معها إدارة المستشفى لطلب سيارة أجرة لنقل المرأة التي كانت على وشك الولادة إلى مستشفى آخر توجد فيه طبيبة امرأة. تمييز على أساس الجنس أصبحت هذه الواقعة التي نشرت في العدد الأخير من المجلة الطبية "مديكال كونتاكت" الصادر في الأسبوع الماضي، موضوع الغلاف على الجرائد الهولندية. يقول رئيس تحرير المجلة "بين كرول" إن مثل هذه الحالة في تزايد في اغلب المستشفيات الهولندية، وهو أمر أصبح يثير قرف العاملين في المجال الطبي. أثارت هذه القصص الرأي العام الهولندي، ورسخت الانطباع الذي بدأ يروج في الآونة الأخيرة بأن المسلمين الهولنديين لا يحترمون المكاسب التي حققها المجتمع الهولندي على صعيد الحقوق المدنية والمساواة بين الجنسين، وأنهم يريدون إحياء النقاش حول تلك الحقوق، وهو نقاش تجاوزه الهولنديون منذ عقود. من مكان استجمامها خلال عطلتها الصيفية في المغرب، عبرت عضو البرلمان الهولندي عن حزب العمل خديجة عريب عن خشيتها الحقيقية من تنامي مظاهر الفصل بين الجنسين في هولندا. ويعتقد رئيس تحرير مديكال كونتاكت بن كرول بأن ما يحدث هو نوع من التمييز على أساس الجنس، ودعا العاملين في الحقل الطبي إلى رفض الاستجابة لمثل هذه الطلبات. إن العاملين في الحقل الطبي، وفقاً لرأي السيد كرول، ملزمون بمساعدة من يأتي طلباً للعلاج وفقاً لمبدأ المساواة ولا يحق لهم ممارسة التمييز مطلقاً، فلماذا يسمح للمريض، بسبب معتقده الديني أن يرفض الطبيب المعالج فقط لكونه رجلاً، أو زنجياً أو مثلياً أو يهودياً؟ حرية الاختيار بعد أسبوع من هذه الضجة تبدو ردود فعل كهذه مبالغ بها بعض الشيء. فالنساء الهولنديات يفضلن أيضاً، في حالات كثيرة، أن تعالجهن طبيبة، وليس طبيباً، خاصة إذا ما تعلق الأمر بأمراض نسائية. ولم يعترض أحد يوماً ما على حريتهن في اختيار الطبيب المعالج. هذه هي حرية الاختيار التي يفتخر بها الكثير من الهولنديين. فالمرأة التي تراجع عيادة طبية يمكنها دائماً أن تعلن تفضيلها للمعالجة من قبل طبيبة امرأة، وعلى المستشفى أن يلبي هذه الرغبة قدر الإمكان أو أن يبلغ المريضة بأن عليها الذهاب إلى مستشفى آخر. ولكن ما يواجه باعتراض شديد في هولندا هو أن رفض الطبيب الذكر لا يأتي غالباً من قبل النساء المسلمات أنفسهن، ولكن من قبل أزواجهن، آبائهن أو إخوتهن الذكور. فصحيفة "ان أر سي هاندلاس بلاد" واسعة الانتشار خصصت افتتاحيتها لهذا الموضوع وجاء فيها إن جوهر المشكلة يكمن في "استبداد الرجل المسلم." وأضاف كاتب الافتتاحية واصفاً الرجل المسلم "يعتقد هذا الرجل أن من حقه التحكم بما يجوز أن تفعله زوجته أو أخته وما لا يجوز، وكيف تتصرف بجسدها، ليس خلف باب المنزل فحسب، بل أيضاً في غرفة الانتظار لدى الطبيب، وفي غرفة المعالجة." يبدو من هذا النقد أن هناك تمييزاً واضحاً بين حالتين: حين تختار المرأة طبيبة للعلاج بدل الطبيب، يسمى هذا حرية اختيار، أم حين يقرر الزوج ذلك فهو على العكس منع للمرأة من ممارسة حريتها. لكن المشكلة هنا هي كيف لنا أن نعرف ما إذا كان اختيار المرأة لطبيبة معالجة، هو رأيها الشخصي، أم هو مفروض عليها من قبل زوجها. في السعودية يختلف الأمر بالطبع حين يتعلق الأمر بحالة طبية عاجلة كما في الواقعة التي أوردتها مجلة "مديكال كونتاكت". في مثل هذه الحالات يمكن اللجوء إلى الإمكانيات التي يتيحها القانون لإدارة المستشفى لكي ترغم الأسرة المعنية على تقبل العلاج، إذ أن الحفاظ على صحة الأفراد له الأولوية. الطبيب الأخصائي هانس هندريكس الذي يعمل في المملكة العربية السعودية، شارك أيضاً في النقاش الدائر في هولندا. ففي مقالة نشرها على صفحة الرأي في صحيفة "أن أر سي هاندلس بلاد" قال هندريكسإنه لا يفهم هذه الضجة التي يثيرها المسلمون هنا في هولندا. فطوال سنوات عمله كأخصائي تخدير في مستشفيات السعودية لم يواجه يوماً مشكلة في معالجة النساء المسلمات. حتى أكثر النساء تشدداً في زيها الإسلامي تسمح له بالكشف الطبي عليها دون أي اعتراض. وحسب ما اطلع عليه الدكتور هندريكس حتى الآن من معلومات حول الإسلام فإنه لا يوجد أي اعتراض ديني على ذلك. وحتى لو كانت هناك مذاهب إسلامية معينة تمنع ذلك، فإن ذلك المنع لا ينطبق على حالات الضرورة. ويقول الدكتور هندريكس "هناك في الإسلام خيارات كثيرة." ويضيف "الاستنتاج الذي توصلت إليه من تجاربي هنا في السعودية هو أن المرأة هي التي تقرر في نهاية الأمر ما يفعله بنفسها." عن إذاعة هولندا العالمية