رغم مظاهر التمدن والعصرنة التي يوحي بها منظر الشباب المغربي، ورغم تحمسه لقضايا المرأة وقناعته بضرورة إنصافها وتساويها في الحقوق مع الرجل، إلا أن العديد يرفض أن تذهب أخته أو زوجته أو ابنته ليكشف عليها طبيب رجل بحجة أن ذلك يتنافى مع الدين والقيم والعادات. لكن كيف يكون رد فعلهم عندما يتعلق الأمر بطارئ مستعجل كالمخاض والولادة المفاجئة. سؤال حملته «المساء» إلى عدد من الشبان والأزواج وخرجت بهذه الشهادات. رفض رجالي قاطع يؤكد علي الدوسري، الذي يعمل مدرسا بالتعليم الابتدائي، أنه لن يقبل إطلاقا بأن يكشف طبيب «رجل» على زوجته أو بناته في تخصص لا يعتبر نادرا أو صعبا وتعمل به عدة كفاءات نسائية، لأن هذا يتعارض مع تعاليم ديننا وتقاليدنا، لذلك يرى أنه من الواجب على وزارة الصحة توفير طبيبات في تخصصات أمراض النساء والولادة، وأنه لا مانع من استبدال العناصر الرجالية بالنسائية، مستدلا على ذلك بأن نجاح غالبية المستوصفات والعيادات الخاصة راجع إلى توفرها على طبيبات متخصصات في أمراض النساء والولادة، نافيا في الوقت ذاته المزاعم التي تشير إلى ندرة الطبيبات المتخصصات في هذا المجال بالذات. ويضيف الممرض محسن السماعيلي أن جل الرجال يتمنون استبدال طبيب أمراض النساء والولادة في المراكز الصحية التابعة لأحيائهم بامرأة، ولكن هذا لا يحدث للأسف الشديد لأن المشكل متمثل في سيطرة العنصر الرجالي على المستشفيات الخاصة بتوليد النساء. ويوضح الصديق الحدبي، وهو فاعل جمعوي أن الحاجة أصبحت ماسة لزيادة عدد النساء في تخصصات أمراض النساء والولادة، وإيجاد الحوافز لهن لدخول هذا التخصص بغية سد حاجة المجتمع من الطبيبات المتخصصات بما يتفق مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وقواعده الأخلاقية، وتوفير كل ظروف الاشتغال الجيد حتى لا ينفرن منه. ويضيف زميله أحمد قائلا: «التخصصات المرتبطة بأمراض النساء والولادة ليست صعبة أو معقدة، ولا تستوجب الحصول على درجة علمية متقدمة «كالدكتوراه»، كما أن غالبيتها تنحصر في عمليات الولادة الطبيعية أو القيصرية أو متابعة الحمل، ولذلك لا بأس من إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المتخرجات في المجال قصد توظيفهن في المراكز الصحية والمستشفيات، والاستعانة بهن في متابعة الحمل وأمور الولادة» . ويقول مواطن فضل عدم ذكر اسمه إن مصاريف العلاج أثقلته بسبب الأعباء المالية المضاعفة من جراء توجهه إلى عيادة خاصة تتوفر على العنصر النسوي، لاسيما أنه من ذوي الدخل المحدود، مشيرا إلى أن أسعار الكشف والعلاج في تلك العيادات مرتفعة جدا وتكبده مبالغ مالية طائلة تتجاوز 1500 درهم ، تشمل فاتورة قيمة الكشف والأدوية والتحاليل الطبية، والتصوير بالأشعة، لكن رغم كل ذلك يضطر لقبول الأمر الواقع لأنه يحرم على زوجته دخول عيادة بها عناصر رجالية. نقص الأطر النسائية المتخصصة من جانب آخر يؤكد محمد موحى، وهو أستاذ جامعي، وجود خصاص في المولدات والمتخصصات في أمراض النساء في المستشفيات، وخاصة العمومية، ويتساءل قائلا: «لماذا نحرص دائما على تقليد الغرب في السلبيات أكثر من الإيجابيات؟ لماذا تضطر نساؤنا للكشف عن عوراتهن أمام أطباء رجال في المستشفيات التابعة للدولة، بينما يمكن للمرأة اختيار طبيبتها في المستشفيات والعيادات الخاصة التي تحرص معظمها على توفير العنصر النسائي، وتسعى لجذب التخصصات النسائية لاستقطاب النساء الحريصات على عدم كشف أجسادهن أمام الرجال، وبذلك فهي تحرص إلى حد ما على قيم المجتمع أكثر من المستشفيات التابعة للدولة، وكلنا يعلم أن غالبية من يجرون عمليات البواسير والتوليد للنساء هم رجال..؟ فماذا تفعل المرأة وليس لديها خيار؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر تكون المريضة عارية أمام الأطباء وأخصائيي التخدير والممرضين والممرضات، وأحيانا أمام طلاب متدربين حتى لو كانت ستجري عملية جد بسيطة . وهنا يجب أن نتساءل عن دور وزارة الصحة في تغطية حاجيات المجتمع من الأطر النسائية المتخصصة في أمراض تجعل جل النساء يقعن تحت رحمة طبيب، وأحيانا عرضة لمواقف محرجة تصادفهن وقد تخدش حياءهن. أما محمد زيداني، وهو طالب جامعي، فلا يخفي اعتراضه على الموضوع بالقول: «لن أقبل بأن يكشف طبيب «رجل» على زوجتي أو بناتي في تخصص سهل ومتوفر بكثرة، لأن ذلك يتعارض مع مبادئ تعاليم ديننا وتقاليدنا، ومن جهة ثانية فأنا لم أسمع يوما عن طبيبة تخصصت في أمراض الرجال الجنسية، وأستدل بذلك على آخر إحصائية قامت بها إحدى المنظمات النسائية العالمية والتي تؤكد بأن 65 % من الرجال يتلذذون بكشف النساء عليهم، ولمس أعضائهم. فكيف الحال حينما يكشف الرجال على نسائنا؟ رأي علم الاجتماع تخوف الأزواج نابع من جرائم ارتكبها بعض الأطباء لحظة الولادة استثنائية، ولا تتكرر كل يوم وتأخرها يشكل خطورة على حياة المرأة الحامل، لكن جل الرجال يصرون على موقفهم المتشدد حتى في حال عدم وجود طبيبة في المستشفى وقت الولادة، ويطالبون باستدعاء الطبيبة لإجراء العملية. وسبب إصرار هؤلاء راجع إلى ما ترسب لديهم من أفكار قديمة فرضها العرف السائد والعادات والتقاليد، حيث يحضر الزوج زوجته الموشكة على الولادة خلال دقائق، ثم يصر على حضور طبيبة لمعاينتها وإجراء العملية لها بغض النظر عن إمكانات هذه الطبيبة أو استعدادها، وهذا التخوف نابع في كثير من الأحيان مما نسمعه كل يوم من جرائم ارتكبها بعض الأطباء، وإن كانت مجرد حالات استثنائية. ويبدو أن إصرار البعض على إبعاد الذكور عن القيام بعمليات توليد النساء راجع إلى نظرة تقزيمية لدور الطبيب المتمثل في أدائه لرسالة سامية تتمثل في معالجة الناس بغض النظر عن جنسهم، بما في ذلك توليد المرأة الحامل، وهذه النظرة تختلف من شخص إلى آخر، بل حتى عند المرأة ذاتها، حيث ترفض بعض النساء كشف جزء من أجسامهن على طبيب رجل ويفضلن بالمقابل امرأة. لكن اليوم تغيرت هذه النظرة نوعا ما، وأصبح هناك وعي وإدراك لدور الطبيب في المحافظة على صحة المرأة الحامل وصحة الطفل المولود، ويمكن القول إن الرجل المغربي أصبح أكثر تفهما ووعيا بالصحة وتشخيص الداء أكثر من اهتمامه بجنس الطبيب المعالج، رجلا كان أم امرأة، لكن هذا لا يعني عدم وجود من يرفضون أن يسعف زوجاتهم رجال في حال حاجتهن إلى إجراء عملية توليد في حال عدم وجود طبيبة.