انتهى مؤتمر جبهة البوليساريو الثاني عشر دون البت في موضوع العودة لحمل السلاح وعوضا عن ذلك فوض القيادة الجديدة باتخاذ موقف للبت في هذا الخيار بعد انتهاء الجولة الثالثة من المفاوضات والمقررة من 7 إلي 9 يناير الجاري في مانهاست بالولايات المتحدةالأمريكية، وهو ما يعني أن التهديد كان ورقة سياسية خاصة وأن التقرير الذي قدم للمؤتمر تحدث عن تراجع التجنيد وضعف الانخراط فيه، كما أن أي توجه نحو استئناف العمليات العسكرية يحتاج بداية إلى إعداد قوات مسلحة كافية العدد والعتاد تكون قادرة على ممارسة القتال، بعد أن تجاوز من قاتلت بهم الجبهة في الماضي سنوات الخمسين من عمرهم وفقدوا اللياقة البدنية. والواقع أن الذين يمكن لمحمد عبد العزيز تجنيدهم هم بعض الشباب العائد من اسبانيا وكوبا بعد إتمام دراساتهم وهم قلة تجعل الجبهة لا يملك احتياطيا بشريا،كما أن مدة الستة أشهر التي أعلن عنها كمدة قبل اتخاذ قرار نهائي غير كافية لتدريب عسكري له فاعليته على أسلحة حديثة مهما كان مركزا، فضلا عن أن الجيش ليس فقط قوات مقاتلة وإنما يشمل خطوط إمداد وتموين ونقل واتصالات ودفاع جوي وقوات إسناد وعمق استراتيجي ونقل وعلاج الجرحى.... الخ. وهو ما يحتاج إلى عدد كبير من القوى البشرية لا تتوفر عليه البوليساريو. كما لا تمتلك البوليساريو أيضا موارد مالية كافية تمكنها من شراء أسلحة حديثة وتجهيزات وما تحصل عليه من معونات أغلبها معونات غذائية وإنسانية تضطر قيادة البوليساريو إلى الاستيلاء علي بعضها وإعادة بيعه في الأسواق المحلية الجزائرية للحصول علي مال تغطي به نفقاتها، وهو ما أصبح موثقا بتقارير أممية ودولية حقوقية. ويعرضها هذا المسلك للاتهامات ويفقدها ثقة الصحراويين المحتجزين لديها ويزيد من نقمتهم عليها. وهذا يعني أن المصدر الوحيد لتزويدهم بما يحتاجونه من أسلحة وتجهيزات خلال الشهور الستة القادمة هو الجزائر، ويجعل بالتالي من قرار العودة إلى الحرب قرار تتحمل الجزائر القسط المعتبر منه. وإلى جانب العنصرين البشري والمادي، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن البوليساريو تعرضت للتآكل والاستنزاف البشري والنفسي والسياسي على مدى ثلاثين عاما وتحولت إلي كيان شبه محطم يتغدى من تعاطف استمرار تعاطف أو تأييد دول ومنظمات غير حكومية لأطروحته، لحسابات يختلط فيها المبدئي بالمصلحي، إلا أن جزءا كبيرا منها انتعش بسبب البعد الإنساني، أما في حالة الحرب فإن آثارها السياسية على الجبهة ستكون كارثية، وسيكون من المبالغة توقع إقدام الجبهة على اتخاذ قرار الحرب وهي تدرك حجم الخسارة السياسية والإستراتيجية الناجمة عنه. في هذا السياق، ينبغي الانتباه إلى محاولة توسيع مفهوم المواطن الصحراوي لكي يشمل الصحراويين في الجزائر والمغرب وموريتانيا عوض أن يقتصر على سكان الصحراء التي كانت تحتلها أسبانيا، وهو ما قد يترتب عنه السعي لتوسيع نطاق التجنيد للعمل العسكري وإيهام المناصرين لهم أو الذين مازالوا يقفون على الحياد مع قناعتهم بأن المنطقة لا تحتمل دويلة جديدة فيها، بأن دولة البوليساريو التي يحلمون بها ليست كذلك وإنما هي عديدة السكان وواسعة المساحة، وهو معطى كشف هو الآخر حجم المأزق الذي تعيشه الجبهة، ويمكن أن يساعد على فهم عدم جديتها في العودة إلى الحرب، فتوجهها نحو مجالات صحرواية إضافية زاد من مخاوف موريتانيا منهم خاصة بعد الهجمات التي تعرضت لها ثكنات عسكرية في أقصي الشمال الشرقي لموريتانيا على الحدود مع الجزائر وفي منطقة لا توجد فيها سوى مخيمات البوليساريو، وبما يفقدها ما تبقى من مصداقية. الواقع أن مؤتمر البوليزاريو والخطابات التي تم تداولها بمناسبته يكشف وجود مأزق كبير في جبهة البوليساريو يجعلها غير قادرة عن التقدم نحو التسوية السياسية لكن البديل المهدد به والمتمثل في العودة إلى الحرب ليس سوى خطابا قد يفوق العجز عن تطبيقه العجز عن الوصل للتسوية السياسية.