عزز توقيع الاتفاق التجاري الأخير بين كل من مصر والكيان الصهيوني وأمريكا من القناعة في وجود تحولات متتالية في الموقف المصري في المنطقة، لصالح تنشيط العلاقات المصرية مع الدولة الصهيونية، حيث قدمت مؤشرا جديدا ينضاف إلى سلسلة المواقف المتخذة بعد إطلاق الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام يوم 5دجنبر الجاري بعد صفقة وصفتها الاسبوع المصرية بالصفقة الحرام، لما لها من دور في دعم الوضع السياسي المأزوم لشارون، و بعد يومين فقط من هذه الخطوة جاءت الحملة على إيران على خلفية قضية تجسس اتهمت فيها مصر ديبلوماسيا إرانيا كان يعمل في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة بالضلوع في ذلك، وقبيل توقيع الاتفاق التجاري جرى الإعلان عن أن وفدا أمنيا مصريا سيقوم بزيارة الضفة والقطاع بعد انتخابات 9 يناير في إطار مبادرة تهم إعلان هدنة من لدن الفصائل الفلسطينية وذلك بموازاة فتح ملف ضبط الحدود بين مصر والكيان الصهيوني. لقد اعتبر العديد من المتتبعين أن موت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات واكتفاء مصر بتنظيم جنازة عسكرية وقبله فوز الرئيس الأمريكي جورج بوش بالانتخابات الرئاسية وتعزز موقع الجمهوريين في الكونغريس الأمريكي دفعا الحكومة المصرية إلى استباق التحولات القادمة في المنطقة ومحاولة ريادتها، خاصة وأن مصر ستعرف انتخابات رئاسية في السنة القادمة تجددت معها الخشية من احتمال إقدام أمريكا على الضغط لصالح إصلاح سياسي يحول دون التمديد للرئيس المصري الحالي حسني مبارك، بما ينسجم مع مبادرتها في الشرق الأوسط الكبير، أي أن التحولات الجارية في الموقف المصري إزاء القضية الفلسطينية والعلاقة مع الكيان الصهيوني ليست سوى خطوات لتحييد الموقف الأمريكي في الانتخابات المصرية القادمة، ومما عزز من ذلك تغير التعاطي المصري مع المبادرة الأمريكية للشرق الأوسط الكبير بعد أن كان في السابق يعارضها ليصبح الآن أحد أعمدة تنزيلها حسب نتائج الاجتماع الأول لمنتدى المستقبل بالرباط. ويعد توقيع الاتفاق التجاري بين مصر وأمريكا والكيان الصهيوني نتيجة طبيعة لما سبقه من تطورات في السياسة المصرية، ذلك أن الاتفاق يقضي بإحداث منطقة تجارية حرة بين مصر وأمريكا تمكن من إنشاء ثلاث مناطق صناعية يساهم الرأسمال الصهيوني في مكوناتها بنسبة لا تقل عن 7,11 في المائة إسرائيلية ويقع تصدير منتجاتها بعد ذلك للسوق الأمريكية بدون الخضوع للرسوم الجمركية، وقد جرى توقيع الاتفاق يوم الثلاثاء 14 دجنبر من لدن كل من وزير الصناعة والتجارة المصري رشيد محمد رشيد ونائب رئيس وزراء الكيان الصهيوني ووزير التجارة يهودا اولمرت والممثل التجاري الامريكي روبرت زوليك، واثارت هذه الخطوة ردود فعل متفائلة داخل الكيان الصهيوني، حيث اعتبرت إيذانا بتنشيط العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد أن تقلصت المبادلات التجارية إلى حدود 25 مليون دولار في السنة، مسجلة تراجعا بنسبة تزيد عن النصف مقارنة مع مرحلة ما قبل الانتفاضة، بل إن التحليلات القادمة من داخل الكيان الصهيوني تشير إلى ان هذا الاتفاق سيتيح مضاعفة المبادلات أربع مرات عن وضعها الراهن لتصل إلى حدود 100 مليون دولار وذلك في أفق 250 ملون دولار في سنة ,2007 وذلك بما يخدم الرفع التدريجي من الصادرات الصهيونية. من ناحية استراتيجية تمثل هذه الاتفاقية استجابة لمشروع الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي أعلن عنه في يونيو 2003 بهدف إنشاء منطقة للتجارة الحرة في أفق 2010 تمكن تحقيق الدمج الاقتصادي للكيان الصهيوني في المنطقة، وهو المشروع الذي انخرطت فيه كل من الادرن والمغرب والبحرين من خلال توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة ثم التحقت مصر جزئيا به من خلال هذا الاتفاق، رغم أن وجود الكيان الصهوني كطرف موقع يمثل قفزة تجاوزت الدول الأخرى في اتجاه خدمة تطبيع اقتصادي يحتوي تاثيرات انتفاضة الأقصى، وهو ما يؤكد الرأي القائل باحتمال عودة السفير المصري للكيان الصهيوني، واضطلاع مصر بدور رائد في ترتيبات ما بعد ترسيم وضعية أبي مازن رئيسا للسلطة الفلسطينية. مصطفى الخلفي