نظم أول أمس بالعاصمة الأفغانية كابول حفل تنصيب الرئيس المنتخب حامد كرزي رئيسا لأفغانستان وهو حفل لم يتخلف عن حضوره ضيفان من العيار الثقيل هما ديك تشيني، نائب رئيس الولاياتالمتحدة ووزير الدفاع الأمريكي، رامسفيلد الذين يعتبران رمزين كبيرين لليمين المسيحي المتطرف بالولاياتالمتحدة، ودعامتين أساسيتين للتوجهات العدوانية في السياسة الأمريكية الخارجية تجاه العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر بالولاياتالمتحدة. هذا الحضور الوازن في هذه المناسبة ذات الصلة بتنصيب كركوزة أمريكية على رأس أفغانستان بعد انتخابات حملت الديموقراطية بوصفة أمريكية لها دلالتها الرمزية. فأفغانستان هي التي شهدت انطلاقة ما يسمى بالحملة على الإرهاب، والتي اتخذت شعارا لها القبض على بن لادن وضرب القاعدة الكبرى لالإرهاب، لكن بن لادن هو وصاحبه أيمن الظواهري ظلا حرين طليقين لم تطلهما يد المخابرات والقوات العسكرية الأمريكية، رغم كل يقال عن قدراتهما التجسسية البشرية والتكنولوجية، يطلقان من حين لآخر تصريحات تعطي تبريرا للحملة الأمريكية على الإرهاب وللنفقات الكبيرة في هذا المجال، بل إنها من العوامل التي كان لها تأثير في إعادة انتخاب جورج بوش، إذ زكت في شعور الأمريكيين الشعور المتواصل بالتهديد. لم يقع القبض إذن على بن لادن، ولا أفلحت القوات الأمريكية في تدمير حركة طالبان ولا في تدمير القاعدة، بل إن الضحية الكبرى لتلك الحرب المجنونة وما جرب فيها من أسلحة محرمة دوليا هو الشعب الأفغاني وبسطاء المواطنين الأفغان. كما أن الحرب لم تجلب لأفغانستان الاستقرار، بحيث أصبحت القوات الأمريكية والقوات الأفغانية لا تتحكم إلا في العاصمة كابول وفي بعض المدن الأخرى، بل إن أمن كرازي نفسه ظل مرهونا بحرس أمريكي خاص، إذ لا حركة له ولا سكنة إلا في كنف وصحابة ذلك الحرس. كما أن الانتخابات الأخيرة التي جرت، والتي تقدم نموذجا للديمقراطية الأمريكية التي تسعى أمريكا لفرضها في المنطقة، أي الديمقراطية المحمولة على الدبابات الأمريكية، والتي لم يكن لها أن تفرز إلا حامد كرازي، باعتباره عميلا صنع على عين أمريكا وجيء به لأداء مهمة تندرج في إطار الرؤية الأمريكية لإعادة ترتيب أوراق المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر بنيويورك. ولا تخرج الحرب التي شنتها الولاياتالمتحدة في العراق عن دوافع وسياق الحرب التي شنتها في أفغانستان، بل إنها جاءت كي تكشف دوافع وأبعاد وأهداف الحملة الأمريكية على ما تسميه بالإرهاب. فإذا كانت أمريكا قد بررت حربها على العراق بإيواء طالبان لزعيم تنظيم القاعدة، ورفض تسليمه، على اعتبار مسؤوليته عن هجمات نيويورك، فإن الحرب على العراق قد كشفت لدى الخاص والعام تهافت الذرائع الأمريكية التي استندت عليها الولاياتالمتحدة، وعلى رأسها ذريعة امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وعدم تعاون النظام العراقي السابق مع المجتمع الدولي، والعلاقات التي كانت تربط صدام حسين بتنظيم القاعدة، وذلك يعني أن هجمات الحادي عشر من شتنبر إنما اتخدت هي الأخرى ذريعة لتنفيذ مخطط أمريكي معد سلفا، ونحن لا نستبعد مسؤولية القاعدة كما ذهب إلى ذلك تيري ميسان في كتابه الخدعة الكبرى، ولكن نشكك في كون أجهزة الاستخبارات كانت تجهل وقوعها أو أنها أخذت على حين غرة، مما يعزز فرضية تغاضيها عن وقوعها أو اختيارها للمجموعات المنفذة، إذا بالغنا في إحسان الظن. إنها استغلت كما لا تزال تستغل تصريحات بن لادن لتنفيد أجندة سياسية في المنطقة، وإعادة ترتيب خريطتها وفق مخطط كان جاهزا لإحكام السيطرة على ثرواتها ومنابع النفط وترتيب الأوضاع السياسية فيها بما يصب في خدمة المصالح الأمريكية، ومواجهة وإضعاف الحركات والحكومات التي تسعى إلى ضمان استقلال المنطقة، وتؤمن ببناء علاقات شراكة حقيقية تقوم في الوقت نفسه على احترام إرادة الشعوب والمحافظة على المصالح المشروعة للولايات المتحدة والدول الغربية، كل ذلك في نطاق الحوار والاحترام المتبادل وبعيدا عن لغة الإملاءات والضغوط. أما تنفيذ المخطط المذكور، فقد اعتمد على آليتين اثنتين: العسكرية المباشرة، كما حدث في أفغانستان والعراق، وتنصيب أنظمة عميلة للولايات المتحدة تجسد النموذج الأمريكي للديمقراطية، الذي تسعى إلى أن تسوقه في المنطقة، والثانية سياسية تتمثل في التدخل غير المباشر من خلال الترويج لما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، وإرغام باقي الأنظمة بعد أن لوحت لها بالعصا الغليظة، على إجراء تغييرات سياسية داخلية، والإذعان للمطالب الأمريكية في هذا الصدد، وما منتدى المستقبل المنعقد ببلادنا سوى آلية من آليات التدخل السياسي لتنفيذ الرؤية السياسية الأمريكية لمنطقة ما يسمى بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. علاويون وكرازيات مدنية لا يخفي مسؤولون أمريكيون الدور المرسوم لما يسمى بالمجتمع المدني في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير. سفقد كشف مسؤولون أمريكيون قبل انعقاد منتدى المستقبل بالمغرب أن مجموعة دول الثماني ستؤمن حماية لمن تسميهم بالإصلاحيين في المنطقة وممثلي مؤسسات المجتمع المدني من الضغوط والتهديدات الحكومية. ويعتبر تنظيم مؤتمر مدني على هامش منتدى المستقبل إحدى آليات فرض التغيير الأمريكي بأدوات محلية على وزن علاوي وكرزاي. في هذا الصدد أعلن مسؤول أمريكي أن دعوة هذه المنظمات للمشاركة في المنابر الحوارية تشكل نوعا من الحماية، لأنه يصعب على أي حكومة الإقدام على عمل سيورطها مع حكومات مجموعة الثماني، وذلك على غرار ما حدث في قضية سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون. المؤتمر المذكور ينظمه كل من معهد القاهرة لحقوق الإنسان بالتعاون مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان وشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، ومن المغرب تحضر المؤتمر المنظمات التالية: منتدى المواطنة، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، جمعية بدائل، مجموعة الديموقراطية والحداثة الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب، جمعية آفاق، جمعية جسور. وإذا كان نمط من هذه الجمعيات معروفة خلفياته الإيديولوجية وتبشيره بالحداثة على النمط الأمريكي، فإن سؤالا عريضا وكبيرا يطرح حول مشاركة صنف آخر من الجمعيات. ومهما يكن من أمر، فإننا نذكر ضمائر المشاركين، سواء من الصنف الأول أو من الصنف الثاني، بمجموعة من الحقائق، منها ما تؤكده تقارير بعض المؤسسات البحثية المخترقة من لدن اللوبي الصهيوني، ومنها ما ورد في تقرير مؤسسة راند من تسخير بعض من تسميهم بالحداثيين والعلمانيين المناهضين لالأصوليين، وما ورد بوضوح في محاضرة روبرت ساتلوف (انظر التجديد عدد يوم أمس ص 4) التي يظهر منها أن المستهدف ليس بعض مجموعات الغلو والتطرف، وإنما توجهات معتدلة تعمل في إطار الشرعية، بدليل أنه جعل حزب العدالة والتنمية ضمن ما سماه بالمجموعات الراديكالية، وذلك من خلال صنع خلفاء وتوظيف آليات التمويل في دعم هذا النمط من الكراكيز التي يجري تحضيرها وتهيئتها كي تقوم بعمل شبيه بالعمل الذي قام ويقوم به كل من حامد كرزاي وإياد علاوي. غير أن الموضوعية تقتضي منا أن نؤكد أن الأمر هذه المرة لا يتعلق ضرورة بتنصيب عملاء على شاكلة الكركوزتين المذكورتين، ومن ثم لا ندعي أن أمريكا ستخوض حروبا جديدة في العالم العربي والإسلامي، كما حدث في كل من أفغانستان والعراق، فالتجربة الأمريكية في المستنقع العراقي حبلى بعشرات الدروس، التي لا شك أن الولاياتالمتحدة قد أخذتها بعين الاعتبار. ولكن الأمر يتعلق باستخدام آلية جديدة في الضغط على الأنظمة السياسية وفي مواجهة حركات التحرر الوطني، تتمثل في استخدام بعض المجموعات المحسوبة على المجتمع المدني وبعض المتساقطين من المناضلين السابقين الذين اختاروا لأنفسهم تسميات جديدة براقة مثل الحداثيين والعلمانيين والليبراليين الجدد، والواقع أن الحداثة والعلمانية والليبرالية، باعتبارها قيما فكرية وسياسية واختيارات مبدئية قد نختلف مع بعضها أو مع فهم البعض لها، بريئة براءة الذئب من دم يوسف من هؤلاء الذين يتاجرون بها ويستجدون بها دولارات أمريكية ممزوجة بطعم العمالة والخيانة. ونحن ننزه بعضا من شرفاء بعض الجمعيات المدنية المغربية، التي استدرجت للمشاركة في ما يسمى بالمنتدى المدني المنعقد على هامش منتدى المستقبل، أن يقعوا في هذه الخطيئة التاريخية!! محمد يتيم