عرف مشروع المنطقة الصناعية لمدينة تيزنيت تعثرا في انطلاقته، خاصة منذ بداية عرض عملية اقتناء البقع الأرضية على حرفيي المدينة الذين تبقى انطلاقة المشروع رهينة بانخراطهم فيه، لكون خطة المشروع تفرض البدء بتجهيز الجزء المخصص للحرف قبل إحداث منطقة الاستثمارات المتوسطة والكبرى، إلا أن الشروط التي عرض بها المشروع على الحرفيين لم ترق هؤلاء فلم يتحمسوا له كما كان متوقعا. وعن أسباب ذلك وخلفياته حاورنا التوفيق إدبكريم رئيس جمعية الفتح للصناعة التقليدية بمدينة تيزنيت، أحد الفاعلين الرئيسيين في مشروع المنطقة الصناعية وكان معه هذا الحوار: بداية لنتعرف على جمعية الفتح للصناعة التقليدية بتيزنيت. جمعية الفتح جمعية مهنية تأسست سنة 2002 لتنظيم وتأطير الحرفيين بالمدينة والرقي بهم وبظروفهم الاجتماعية والمهنية، عبروسائل وأنشطة تثقيفية. وكل هذا إيمانا منا بالدور الذي تلعبه الحرف والحرفيون في تنشيط الحركة الاقتصادية بالمدينة. وهي تضم حاليا 408 منخرطا من مختلف الحرف. إلى أي حد استطعتم بلوغ ما تعملون من أجله؟ منذ تجديد المكتب المسير للجمعية بتاريخ 15/08/2005 استطعنا أن نحقق منجزات مهمة في وقت قياسي، حيث نظمنا مجموعة من اللقاءات التحسيسية للحرفيين في مجالات شتى مثل التقاعد والتأمين والتمويل البنكي للمشاريع الصغرى وتشغيل الأطفال دون سن 15 سنة وقد عرفت هذه الأنشطة إقبالا كبيرا من جماهير الحرفيين. كما نشطت الجمعية اجتماعيا لبث روح التضامن والتكافل بين أعضائها. حيث نظمنا حملات اجتماعية لمساعدة الحرفيين المعوزين خلال الدخول المدرسي وعيد الأضحى وتبرع الحرفيون بالدم لفائدة بنك الدم. وأنجزنا إصلاحات بالسجن المدني للمدينة، كما للجمعية فريق لكرة القدم نشارك به في دوري فرق الأحياء حيث تأهلنا هذا الموسم إلى الدور نصف النهاية من المنافسات ونظمنا كذلك مسابقة في الصيد البحري بالقصبة، وتبقى المجهودات التي بذلتها الجمعية في ملف المنطقة الصناعية للمدينة أكبر الانشغالات التي استأثرت باهتمامنا أخيرا. عرف ملف المنطقة الصناعية تفاعلات متسارعة، فكيف جاءت فكرة المشروع في البداية؟ فكرة هذا المشروع جاءت استجابة لأمرين اثنين، أولهما كثرة شكايات السكان الموجهة للسلطات المحلية ضد الحرفيين المزاولين للحرف المزعجة والملوثة وسط الأحياء السكنية في غياب أحياء خاصة بهذا النوع من الحرف نظرا لتوسع المدينة وعدم تهيئتها وفق تصاميم تأخذ بعين الاعتبار. هناك أيضا انشغال الحرفيين أنفسهم بضرورة الاستقرار وتملك محل لمزاولة المهنة، والافتكاك من ثقل الكراء. وبالتالي ضمان مردودية أوفر للحرفة. فكان مطلب إنشاء المنطقة الصناعية منطلقا من الحرفيين أنفسهم عبر الاتصال بالمنتخبين والسلطات الإقليمية. هل لكم أن تقربونا من المشروع من الناحية التقنية؟ المشروع المرتقب يقع على مساحة تقدر ب 38 هكتار و8600 متر مربع، من الجهة الشمالية الشرقية للمدينة، سيضم 5 مرافق وهي مسجد ومقر مقاطعة ومستوصف وسوق وملحقة للوقاية المدنية، بالإضافة على بقع صناعية موزعة على 5 مجموعات حسب المساحة ونوعية الحرف والصناعات المخصصة لها وثمن المتر المربع الواحد بكل منها حصر حسب التصور الأولي للمشروع في ما بين 70 و415 درهما للمتر المربع. والغلاف المالي الإجمالي للمشروع يقدر ب 16,61 مليون درهم. ماذا تحقق من المشروع إلى حدود الساعة؟ إلى حدود الآن المشروع لم يتجاوز بعد إعداداته الكبرى، حيث تم تحديد الموقع واقتناء العقار من قبل المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء صاحبة المشروع، كما تم إعداد التصاميم والدراسات، وتنصيب لوحة إشهارية على الطريق الوطنية رقم.1 أما من الناحية العملية فلم يتم إلا جمع الحرفيين خلال شهر يونيو الماضي في اجتماع بمقر العمالة من طرف السلطات الإقليمية لإجراء قرعة توزيع أرقام 256 بقعة أرضية من أصل 454 بقعة صناعية يضمها المشروع، وفي هذه العملية تم إقصاء حوالي 147 حرفيا قبل التدخل من طرف جمعيتنا لإدماج هؤلاء ضمن المستفيدين. كما تم في نفس الاجتماع بهدف التحفيز، إخبار الحرفيين بإمكانية بناء الطابق الأول للسكن مع مجانية التصاميم والرخص. ولكن ما إن أخبر الحرفيون بالسومة الشرائية المحددة آن ذاك في 415 درهما وكذا ضرورة دفع مبلغ 00,25000 درهما كتسبيق، حتى أحسسنا بخيبة الأمل لكون هذه الشروط تعجيزية ولا تتلاءم مع القدرة الشرائية لغالبية المعنيين، إذ أن الحرفي بمدينة تيزنيت يعمل تحت وطأة الظروف المتردية للقطاعات الحرفية والركود التجاري وما يعني ذلك من سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأسرته. هل ما زالت هذه الشروط هي نفسها المعيقة للمشروع قائمة؟ لقد جعلتنا التخوفات من فشل المشروع نتحرك في جمعية الفتح لنطرق كل الأبواب ملتمسين تفهم أوضاعنا المادية والاجتماعية، وبالتالي العمل على تقليص الثمن، فتحاورنا غير ما مرة مع السلطات والجهات المعنية بالمشروع، وبعثنا ملتمسات ومراسلات، حتى تقلصت السومة المقترحة إلى 300 درهم للمتر المربع الواحد، مع فرض شروط قاسية في الأداء نص عليها دفتر الشروط والتحملات تقتضي تقسيط المبالغ إلى دفعات لا تقل عن 5000 درهم شهريا لمدة 12 شهرا وجب إتمام تسديد المستحقات للمؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء خلالها تحت طائلة زيادة 3% عن كل تأخير، وضرورة الانتهاء من أشغال البناء في حدود 24 شهرا. وهذا كله في نظرنا ما زال يبقي استحالة انخراط الحرفيين في المشروع بكل حماس. وهل الثمن المرتفع وحده هو العائق أمامكم للإقبال على المشروع؟ لا، في الحقيقة هناك أمور أخرى أكثر أهمية وأكثر جدية تهدد هذا المشروع بالفشل، وجعلت قناعة الحرفيين تجاهه تهتز، فبعد طول الانتظار ومع الإحساس المتزايد بخفوت حماس الحرفيين تجاه المشروع، حاولنا في الجمعية التفكير في أسلوب لبعث الأمل في نفوسهم، نظمنا يوم 23 دجنبر من السنة الماضية زيارة ميدانية لما يقرب 70 حرفيا إلى موقع المشروع، وذلك للاطلاع على مميزات الموقع الجغرافي للمنطقة الصناعية، إلا أنه وخلال الزيارة تم الوقوف على مجموعة من الحقائق التي صدمت الكثير منا، وفتحت لدينا الباب على تساؤلات ما زلنا ننتظر الإجابات عنها، من قبيل ما وقفنا عليه من بعد الموقع بما لا يقل عن 5 كيلو مترات عن المدينة مما يطرح التساؤل عن مستقبل الرواج التجاري الحرفي مستقبلا بهذا المشروع، كما دهلنا عندما اكتشفنا حجم عمق وادي إصوح الذي يخترق موقع المشروع في جزأين ،كما هو واضح على تصميم المشروع، وهو ما يطرح التساؤل العريض عن مدى الخطورة التي يشكلها هذا الوادي واحتمالات فيضاناته على المحلات المقرر إنشاؤها داخل منطقة فيضانه وهي واضحة على تصميم المشروع، خاصة إذا علمنا أن ثلثي صبيب واد تخسين الذي يخترق مدينة تيزنيت تم تحويلها إلى هذا الوادي (أي إصوح) بعد سلسلة من الفيضانات التي عرفتها المدينة خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وعن هذا المشكل انتهى إلى علمنا أنه كان السبب في تحفظ كل من مصلحتي المياه بمديرية التجهيز والوقاية المدنية حول المشروع. أما ما وقفنا عليها من هشاشة التربة وأرضية الموقع، فيطرح الشكوك حول مدى نجاعة وإمكانية تنفيذ الحفر الصحية (المطمورات) لتجاوز مشكل الصرف الصحي والمياه العادمة. كما أن هذه الهشاشة تطرح مشكلا آخر بخصوص عمق الأساسات الواجب حفرها لتثبيت البنايات، أي الزيادة في تكلفة البناء. هل هذا يعني أن إنشاء المشروع في الموقع المحدد له أمر مستحيل؟ للأسف فهذا ما أشارت به علينا بعض الجهات العارفة بمجال البناء والتعمير، فالتجأنا للتأكد من مدى صحته إلى وكالة الحوض المائي لسوس ماسة، وطلبنا من السيد العامل بعقد اجتماع مع كل المصالح المعنية بالمشروع لمدارسة الأمر ومآلاته. في نظركم من يتحمل مسؤولية فشل هذا المشروع إذا ما استحال إنجازه؟ أقولها بكل صراحة، الذين علموا بوجود المخاطر والمشاكل التقنية وسمحوا بأن يقطع هذا المشروع هذه الخطوات ليتوقف. وبكل حال من الأحوال لا يمكن تحميل الحرفيين أي مسؤولية في أي فشل محتمل للمشروع لأن عدم إقدام الحرفيين على الانخراط في عملية الاقتناء مبني على أمور موضوعية سبقت الإشارة إليها. كما نسجل هنا الغياب التام للغرفة المهنية للحرفيين وممثليهم في حظيرة هذه الغرفة بحيث لم يِؤدوا الدور المنوط بهم في التأطير والمتابعة حتى لا تصل الأمور إلى ما وصلت إليه. هل لديكم مقترحات حلول لتجاوز المشاكل المطروحة؟ نحن نطالب بالتعامل المشروع للظروف الاقتصادية للحرفيين ولمستوى قدرتهم الشرائية بجعل ثمن المتر المربع الواحد من الأرض لا يزيد عن 100 درهم، ونظن أن هذا ليس بالمستحيل إذا تضافرت الجهود وتوفر الدعم المادي من مختلف الفاعلين ولم لا إدراج المشروع ضمن البرنامج الوطني للتنمية البشرية، كما يجب إلغاء كل الأجزاء المهددة من المشروع بالفيضانات، وبحث حلول تقنية بديلة عن مايسمى ب الحفر الصحية لصرف المياه العادمة. ومن غير هذا فالبديل قد يكون ما أصبح الكثير من الحرفيين يقترحونه، وهو اللجوء إلى أسلوب التعاونية لإنشاء منطقة حرفية في مستوى أوضاع الحرفيين المادية.