من "أشبيلية" إلى "أليكانتي" تتماثل معاناة مسلمي المدينتين الأسبانيتين من قرارات للسلطات بإغلاق المسجد الوحيد بكل منهما قبل بناء آخرين جديدين؛ وهو ما اضطر مسلمو "أليكانتي" لأداء الصلاة في العراء وإقامة صلاة الجمعة على شاطئ البحر المتوسط، في وضع مرشح للاستمرار لشهور مع قدوم الشتاء. ويقول مراسل "إسلام أون لاين.نت": إن سلطات مدينة أليكانتي بجنوب شرق البلاد اقترحت موقعا لإقامة المسجد بالمنطقة الصناعية زارته الجمعة الماضي سونيا كاستيدو مسئولة البناء والتعمير في بلدية المدينة برفقة نجد خادم زعيم الأقلية المسلمة بأليكانتي. وقالت سونيا في تصريحات للصحفيين: "هناك إمكانية كبيرة لبناء المسجد الجديد في المنطقة الصناعية بالمدينة، لكن ذلك لن يتأكد إلا بعد إقراره كتابيا من طرف سلطات المدينة". وأردفت أن المنطقة المرتقب بناء المسجد الجديد فيها تقع بطريق المطار، وبعيدة عن مركز المدينة، حيث توجد مساحات أوسع من الأراضي تتسع لعدد كبير من سيارات المسلمين الذين يتوقع ترددهم على المسجد. وأضافت أن الموقع المقترح يحظى بموافقة ممثلي الأقلية المسلمة. غير أن بعض المسلمين يعارضون إقامة المسجد بالمنطقة الصناعية ولو بصفة مؤقتة؛ لأنه من الممكن أن يتحول إلى مسجد دائم؛ ومن ثم سيعاني المسلمون بشكل مستمر بسبب بعده عن مركز المدينة. ووقع الاختيار المبدئي على المنطقة الصناعية خارج المدينة، بعدما فشلت مفاوضات طويلة لتخصيص موقع أقرب؛ إذ رفض العديد من مالكي الأراضي بيعها أو حتى تأجيرها لبناء مسجد عليها لمسلمي "أليكانتي" الذين يتجاوز عددهم المائة ألف نسمة، وأغلبهم من المغاربة والجزائريين، ويعمل معظمهم بالحقول الزراعية والقطاع السياحي. الصلاة في العراء ومع عدم تخصيص موقع إلى الآن لبناء المسجد الجديد يعاني مسلمو المدينة من عدم وجود مكان لأداء الفروض الخمس؛ وهو ما اضطرهم لإقامة الصلاة في العراء. وأدى حولي 500 مسلم صلاة الجمعة الماضية 30-12-2005 على شاطئ البحر، وتوقع عدد من النشطاء بين الأقلية المسلمة الاستمرار في أداء صلاة الجمعة على الشاطئ لعدة أشهر، خاصة أن مسئولة البناء والتعمير قدرت الفترة التي سيستغرقها إقامة المسجد الجديد بثلاثة أو أربعة أشهر على الأقل. ولتجاوز هذا الوضع يطرح ممثلو الأقلية اقتراحا وسطا يقضي بالسماح لهم بالعودة مؤقتا إلى مسجدهم القديم إلى أن يتم بناء آخر جديد. وكانت محكمة أسبانية قضت بإغلاق المسجد الوحيد بالمدينة بسبب ضيق المكان، وبعد شكاوى عدد من السكان من "ترويج أفكار متطرفة بالمسجد". وكان مسلمو المدينة قد افتتحوا مسجدهم القديم للصلاة قبل حوالي 5 سنوات بموافقة شفهية من بلدية المدينة التي لم تسلم مسئولي المسجد أي اعتراف رسمي به، على اعتبار أن أماكن العبادة بأسبانيا لا تحتاج لوثائق اعتراف رسمية. أشبيلية أيضا المعاناة من عدم وجود أمكان للعبادة لم تقتصر على مسلمي مدينة أليكانتي. فقد شهدت منطقة "لوس بيرميخاليس" بمدينة أشبيلية مظاهرة في 28-12-2005 ضمت نحو 100 من أنصار اليمين الأسباني؛ احتجاجا على قرار بلدية المدينة بإقامة مسجد بالحي، في مقابل مظاهرة أخرى مؤيدة للقرار. ورفع المحتجون اليمينيون في المظاهرة -التي قادتها كونسيبسيون ريباس رئيسة جمعية سكان الحي- لافتات تطالب البلدية بالعدول عن قرارها، وأخرى كتب عليها: "مساجد أقل.. وأمن أكبر"، و"من مسجد مدريد خرجت أحداث 11 مارس"، في إشارة إلى التفجيرات التي ضربت محطات قطارات مدريد في عام 2004. غير أن آخرين من أنصار الحريات المدنية تظاهروا في الوقت نفسه ورفعوا لافتات كتب عليها: "نعم لبناء المسجد.. نعم للحرية الدينية". ويقول مراسل "إسلام أون لاين.نت": إن المظاهرة -التي شارك فيها 12 مستشارا بلديا ينتمون للحزب الشعبي اليميني المعارض- لم تستطع حشد عدد كبير من السكان، رغم الحملة الإعلامية الواسعة التي نفذها متزعمو مناهضي بناء المسجد، في مسعى لحشد سكان المناطق المجاورة. وكانت بلدية مدينة أشبيلية قررت تخصيص قطعة أرض لبناء مسجد جديد في منطقة "لوس بيرميخاليس"، بعد أن قررت إغلاق المسجد القديم بالمدينة، غير أن المساحة المخصصة أقل من المساحة التي طالب بها المسلمون. وتقدم ممثلو الأقلية بطلب للحصول على قطعة أرض تتراوح مساحتها ما بين 4 و6 آلاف متر مربع على ضفة "الوادي الكبير" بالمدينة، لإقامة مسجد، آملين أن يكون تحفة معمارية حقيقية على مستوى جمال المدينة وماضيها الإسلامي. وإلى جانب الاحتجاجات الشديدة المناهضة لبناء المساجد، يواجه المهاجرون المسلمون في عدد من المدن الأسبانية صعوبات كبيرة لإبراز هوياتهم الإسلامية عقب تفجيرات مدريد التي اتهمت جماعة مقربة من تنظيم القاعدة بتدبيرها. وتقدر أوساط رسمية عدد المساجد بأسبانيا بنحو 600 مسجد تتراوح بين مساجد كبيرة ومصليات صغيرة للغاية أسفل المنازل أو في مرائب السيارات أو أماكن العمل، وقد لا يتسع بعضها لأكثر من 10 مصلين. كما تفيد أرقام المركز الثقافي الإسلامي الأسباني بأن ما بين 700 و800 ألف عربي أو مسلم يعيشون في أسبانيا بشكل دائم، نصفهم من المغاربة.