أفاد عضو في هيئة الدفاع عن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، أن هذا الأخير أخبر المحكمة، خلال جلستها الأخيرة، التي لم يبثها التلفزيون كاملة، أن أمريكا ستلجأ إليه حين تعجز عن تهدئة الوضع في العراق.بينما زعم عضو آخر في الهيئة المذكورة، أن الولاياتالمتحدة عرضت منصبا سياسيا رفيعا على برزان إبراهيم التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام، مقابل أن يشهد ضد هذا الأخير في المحكمة، وفق ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في عددها ليوم الأحد ما قبل الماضي. وفي موضوع ذي صلة، ذكر عضو هيئة الدفاع عن صدام، المحامي الأردني عصام الغزاوي بأن لقاء تعارف جرى عقب جلسة المحكمة بين هيئة الدفاع ورئيس وأعضاء المحكمة والادعاء العام أبدى فيه رئيس المحكمة الود والاحترام والتعاون مع هيئة الدفاع. وأوضح أن الادعاء العام كان يحاول إعطاء الانطباع على أنه ودود معنا وقال أحدهم لي: دير بالك على حالك في الأردن، هناك عراقيون كثيرون، وأجبته بالقول: بالنسبة لنا في الأردن ليست لدينا مشكلة.. ولكن أنت دير بالك على حالك في العراق. هذه المغازلات المريبة لم تعد خافية على المتتبعين للشأن العراقي، خاصة في ظل ما بات يتردد، في الآونة الأخيرة، من أحاديث عن احتمال عودة صدام إلى الحكم؛ على اعتبار أن الأمريكان أصبحوا يرون فيه خيارا مفضلا، قياسا بالبدائل المطروحة على الساحة العراقية، سيما بعد العجز الذي أبداه التحالف الشيعي الكردي في الوصول إلى استباب الأمن والإمساك بزمام الأمور. حيث تهاوت كل الشعارات الزائفة، التي ظل التحالف المذكور يتباها بها، أمام القوة الضاربة للمقاومة التي أثبتت الوقائع على الأرض أنها تتمتع بسند شعبي واسع عكسه بالفعل الدعم الجماهيري الكبير الذي حظيت به قائمة جبهة التوافق في الانتخابات الأخيرة باعتبارها حاملة لواء المطالبة بالاعتراف بالمقاومة الوطنية وتحديد جدولة زمنية لانسحاب قوات الاحتلال. ملاحظات تجعلنا نعود بذاكرتنا إلى الوراء لنتأمل في السيناريو الذي حبك لهذه المحاكمة وكذا الأشخاص الذين أسندت إليهم أدوار البطولة في مسرحية لا تكاد تداري سوءة إخراجها. بدء بالهيئة القضائية التي جاء ضعفها باديا للعيان والارتباك ملازما لتدخلاتها في أثناء إدارتها للجلسات، كما أن الادعاء العام لم يكن بأحسن حال منها؛ في حين لم تمانع إدارة الاحتلال، ولا حتى المتهمون، في أن ينضم إلى هيئة الدفاع وزير العدل الأمريكي السابق رامزي كلارك، وكذا نظيره السابق في دولة قطر، حاضنة غرفة عمليات العدوان على العراق، النعيمي. في مقابل ذلك كانت الأيادي الخفية تسير بالمحاكمة في اتجاه إظهار صدام حسين بمظهر البطل الذي لايعبأ بوجوده في قفص الاتهام، ومحاولة إعطاء الانطباع على أن الأسر لم ينل من عزيمته وقوة شكيمته، خاصة عند حديثه إلى هيئة المحكمة بأسلوب ينم عن ثقة كبيرة في النفس. وهذا ما عززته الشهادات العديدة التي تم إيرادها من وراء حجاب، الأمر الذي كان يحمل في ثناياه إيحاء زائفا بأن أيادي أتباعه لازال بمقدورها أن تطول مناوئيه حتى وهم في سدة الحكم. وإن كانت الحقائق الميدانية تكذب ذلك، وقد رأى الجميع كيف عجزت المجموعات الصغيرة التي لاتزال تدين بالولاء للرئيس المخلوع عن الإيفاء بعبارات الوعيد التي أطلقتها في حق من يشارك في الاستحقاق الانتخابي الأخير، خاصة بعد تعهد فصائل المقاومة الرئيسة بحماية مراكز الاقتراع والتصدي لكل من تسول له نفسه الاقتراب منها. وكمحاولة لدغدغة عواطف بسطاء المتدينين، شاهد الجميع كيف كان صدام حريصا على اصطحاب المصحف الشريف معه إلى قاعة المحاكمة، بل وحتى أداء الصلاة أثناء انعقاد إحدى الجلسات، مع أن الرجل لايفتأ يؤكد على تشبثه بأفكاره البعثية العروبية. ولقد رأينا كيف أن المظاهرات المساندة لصدام حسين كانت تخرج في تكريت عند انعقاد كل جلسة من جلسات محاكمته، دون أن يتعرض المشاركون فيها لأي متابعة، على قلتهم وسهولة الوصول إليهم ، رغم استمرار العمل بقانون اجتثاث البعث. بل إن الأمر بلغ بصدام حد نهر أحد أعضاء هيئة الادعاء العام بقوله: أنت لا تستطيع منع حزبي، دون أن يصدر عن الرجل أي رد فعل يذكر. وحتى التهم التي يحاكم على خلفيتها فلم تكن سوى تلك المتعلقة بقضية الدجيل التي تبدو هينة إذا ما قورنت بفظائع أخرى، من قبيل مذبحة حلبجة، والقمع الوحشي الذي قوبلت به انتفاضة ,1991 ناهيك عن مسؤوليته الثابتة في تصفية العديد من العلماء والدعاة شيعة كانوا أم سنة... أما توقيت جلسات المحاكمة فقد كان اختياره يتم بعناية كبيرة، بحيث تنعقد كل واحدة منها في موعد يراد من ورائه صرف أنظارالرأي العام الوطني والدولي عن متابعة إحدى الحملات العدوانية التي تشنها قوات الاحتلال بمعية الأجهزة القمعية التابعة للتحالف الحاكم، أو للتعمية عن إحدى الفضائح التي تورط فيها الفريقين معا، كلاهما أو أحدهما. وكلنا يذكر أن الجلسة الأخيرة تمت برمجتها في وقت تفجرت فيه فضيحة تزوير الانتخابات التشريعية... كل هذه المعطيات تجعلنا نطرح أكثر من علامة استفهام حول الغرض الحقيقي من تسويق محاكمة صدام بهذه الشاكلة، وإن كان البعض سيبدي اعتراضا على ما خلصنا إليه من استنتاجات قد يرى فيها شيئا من التعسف، ولربما حتى التجني؛ غير أن اعتراضات من هذا القبيل يعوزها الاقتدار الكافي للطعن في صدقية ما بسطناه من أحداث ووقائع حظيت بمتابعة جمهور المشاهدين ولم يزد دورنا عن تأول أبعادها الخفية. وبالتالي فإن معسكر المخالفين هو من تقع عليه تبعة تفنيد ما ذهبنا إليه، ولما لا تنوير أفهامنا بمعرفة الأسباب التي دعت نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يوقع بنفسه أمر إطلاق سراح اثنين وعشرين عنصرا من عناصر البعث مؤخرا ضدا على إرادة حكومة الجعفري؛ وكذا أن يشبعوا فضولنا وينهوا استفهاماتنا عن السبب الكامن وراء إخلاء سبيل بعض رموز الحكم السابق من أمثال عدو العلوج الأول سعيد الصحاف، ورفيق درب الرئيس المخلوع ميخائيل يوحنا طارق عزيز، ومندوب العراق السابق لدى الأممالمتحدة محمد الدوري...والقائمة طويلة!؟