لا تكاد تمر من مكان في مغربنا الحبيب إلا وتصادفك فيه يد ممدودة ولسان يتوسل إليك بكلمات منكسرة طالبا شي صدقة على ربّي. في الشوارع الكبيرة والأزقة الضيقة، وأمام أبواب المساجد ومداخل البيران، وفي الحدائق العمومية والمقاهي والأسواق، وفي المحطات الطرقية والمطاعم، وفي الطوبيسات وأمام الأبناك، وفي مداخل الحمامات وأمام أبواب الصيدليات، وفي الملاعب الرياضية ودور السينما، وباختصار فين ما كاينة شي جوقة ديال عباد الله فثم من يرفع صوته مناديا عاونونا على الله، وثم من يطمع في أن يأمر قلبُك يدك وتندس في جيبك لتجود عليه ببعض الصرف الذي فضُل لك على ثمن دواء أو خضر أو كاسكروط... وإذا استمرت عندنا وتيرة التسول بهذه الطريقة، فسيكون على وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن أن تنشئ معهدا لتأطير هذه الفئة الاجتماعية، وتسميه معهد على ربّي، مادامت حكوماتنا التي توالت على هذه البلاد قد عجزت عن أن تحد من هذه الظاهرة أو تحاصرها، حتى إن آخر الإحصائيات تتحدث عن وجود حوالي نصف مليون متسول بالمغرب، طبعا هادو غير لّي حسبوهم، وعلم الله شحال فالت ليهم، ولكن حكوماتنا في واقع الأمر معذورة مادامت هي نفسها تتسول وتعتمد في الكثير من مشاريعها على برامج التمويل الدولي، وخصوصا في المشاريع المتعلقة بالجانب الاجتماعي. والمتأمل جيدا في حال المتسولين ببلدنا سيكتشف أننا معشر المغاربة مبدعون في كل شيء، فقد نمت في المغرب أشكال من التسول يصعب أن تخطر على البال، ولم يعد التسول ذلك الملجأ الذي تأوي إليه فئات غلبت على أمرها وقهرها الزمان ولم تجد بدا من أن تبيع ماء وجهها مقابل ربعة د ريال وجوج د ريال أو مقابل طوبات من السكر وكسرات من الخبز أو شنتيفات من اللحم، بل أصبحت للتسول بالمغرب مدارسه ومناهجه واتجهاته وتياراته، وربما قد نسمع قريبا في مركزياتنا النقابية عن الجامعة الوطنية لمتسولي المغرب (ج و م م) أو النقابة الوطنية للمتسولين (ن و م)، وربما تكون هناك فئة من المتسولين لم تتحقق مطالبها أو تحس بالحيف وتفقد الثقة في النقابات فتؤسس هيأة وطنية مستقلة للتسول بالمغرب وتعلن أنها هيأة مستقلة عن كل التوجهات والتيارات السياسية والنقابية والدينية، وتؤكد في وثائقها وأبجدياتها أن هدفها الوحيد هو خدمة مصالح المتسولين بعيدا عن أي استغلال سياسوي أو ركوب مصلحي على هذه الظاهرة الاجتماعية. وعملا بقاعدة اللوبيات الانتخابية التي تعتمد في كثير من دول الغرب، يمكن لمتسولي المغرب أيضا أن يفكروا بجدية في التكتل في لوبي انتخابي يتخذ أصوات المتسولين ورقة ضغط لتحقيق مكاسب للمهنة (005 ألف صوت راه ما يجمعها غير الفم)، وآنذاك ستضطر الأحزاب السياسية إلى أن تدرج في برامجها أبوابا تهتم بالمتسولين، وأن تعمل على التجذر وسط هذه الفئة فيكون في صفوفها أعضاء متسولون، وربما يكون هذا النوع من الأعضاء هو الأقدر على قيادة الحملات الانتخابية مادامت أحزابنا تغيب ولا تظهر إلا في المواسم الانتخابية لتتسول أصوات الناخبين، فيحسن بها لذلك أن تعتمد على مناضلين لهم التجربة الكافية لإنجاح هذه العملية، كما أن حقل التسول سيشكل لا محالة مجالا خصبا ومنجما غنيا إذا فكرت وزارة المالية في القانون المالي للسنة المقبلة في البحث عن موارد ضريبية جديدة تدر على الخزينة شي مليّنات، وهذا غير مستبعد طبعا، فمن كان يظن يوما أن بقشيش النوادل ستمتد إليه يد وزير المالية، ثم لم لا تفكر وزارة المالية في الاستفادة من تجربة التسول بالمغرب وذلك بأن ترسل إلى مؤسسات التمويل الدولي فئة من هؤلاء المتسولين المحترفين الذين لا شك سيعرفون كيف سيجلبون لنا التمويل الدولي. والحافلات المغربية، سواء منها الخاصة بالنقل الطرقي أو الحضري، خير مكان يقدم تشخيصا لأنواع التسول ببلادنا، فهذا يحمل شهادة طبية لمرض وتجده دائما يدعي الحاجة إلى الدواء وهو في الحقيقة يهزك ويهرب بك، وهذا مقطع به الحبل ويحدد الطريفة بأن يطلب شي عشرين مْرْضي كل واحد يعاون بعشرة ديال الدراهم، وهذا بحرا خارج من الحبس ويريد ما يأكل أو ما يكفيه للالتحاق بمدينته التي تبعد بمئات الكيلومترات، وآخر تجده كل يوم خارجا لتوه من المستشفى ويعلق في جنبه كيسا بلاستيكيا، وأصبح في حافلاتنا من يتسول بصيغة التهديد والوعيد، كأن يعلن أنه تاب عن ضرب الجيوب بالزّيزوارات ومَلّ من الكريساج ويفضل أن يعطيه الناس أموالهم عن طيب خاطر وألا يسلبهم إياها، وطبعا هذه طريقة تحمل في ثناياها رسالة مفادها جبدو الصرف بلا ما نجبد المضا. ومن المتسولات من يلبسن لباس الحداد على موت الزوج السنة كلها عوض أربعة أشهر وعشرة أيام، ومنهن من يكترين أطفالا مقابل أجرة يومية، فتجد مثلا إحداهم محاطة بأربعة أو خمسة أطفال وتقول إن الراجل خلا ليها اليتامى، وهم في الحقيقة كل واحد منهم من فصيلة ويشكلون خليطا أشبه براس الحانوت، وخلاصة القول لهلا يحوّجنا ونسأل الله لكل من ابتلاه الله بالتسول، سواء المكرهين منهم أو الراغبين، مصدر رزق يكفيه ذل السؤال.