يبدو أن بركات التبادل الحر مع الولاياتالأمريكية بدأت تهب نسماتها على بلدنا، حيث أفلح العام سام في إقناع وزير الفلاحة المغربي، كما فعل بنظرائه في بعض الدول الإسلامية، بضرورة استيراد اللحم الأمريكي الأحمر غالي الثمن. ولم تخف على العم سام حيلة التسويق، مادام طابع حلال يستعمله، ودون أي رقيب، للإيهام بأن الحيوان الأمريكي مذبوح على الطريقة الإسلامية.. ومن ثمة فهو حلال طيب طعمه على مواطني هذه الدول الإسلامية، أو لنقل المواطنين الأغنياء والسياح أصحاب الجيوب الكبيرة، مادام اللحم الأحمر ستستورده المطاعم والفنادق الفخمة المخصصة لاستقبال هؤلاء، والتي تتمركز في المدن الكبيرة. ومن أجل بيان فوائد ذلك أيضا نظمت مؤخرا وزارة الزراعة الأمريكية بتعاون مع وزارة الفلاحة المغربية ندوة حول مراقبة واستيراد اللحم الأحمر الأمريكي، في إطار تنفيذ بنود اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية. وسفارة العم سام بالمغرب كلفت نفسها العناء بنشر بيان حول الندوة قالت فيه إن خبراء أمريكيين ناقشوا مراقبة جودة اللحوم الحمراء وكيف يلبي المنتج الأمريكي حاجيات اللحم الحلال لتزويد أسواق البلدان الإسلامية بهذا النوع من اللحوم، كما ناقش ممثلو وزارة الفلاحة المغربية، من جانبهم، قضية اهتمام الفاعلين الاقتصاديين المغاربة باستيراد اللحم الأحمر الأمريكي وفقا لشروط اتفاقية التبادل الحر. ما أثارني في الخبر أن اللحم الذي تذبحه أمريكا في داخلها وتصدره لنا هو لحم من لون أحمر، وهو نفس اللون الذي نجده في بلدان أخرى، لكن لم يأت من لحم حيوان، ولم يكن أبدا بالطريقة الإسلامية إذا كانت هناك أصلا طريقة إسلامية لذبح غير الحيوان، بل كما قال أحد الظرفاء على الطريقة البوشية التي أسقطت وما تزال تسقط العشرات من الضحايا يتمرغون في دمائهم كالبقر في البلاد الإسلامية بدءا من فلسطين المغتصبة بمباركة المجازر الدموية الشارونية التي تستهدف اللحم الآدمي الفلسطيني، ومرورا بشعب العراق الذي استباح العم سام دمه وجعله رخيصا جدا مقابل آبار البترول الذي جاء من أجل السيطرة عليها ولو كلفه إبادة كل شعب العراق وذبحه كالبقر، وصولا إلى أفغانستان الذي دكته جحافل جيش العم سام دكا فجعلت عاليه سافله وطحنت شعبه بلحمه وشحمه تحت أنقاض المنازل التي استهدفها القصف الجوي والأرضي بأفتك الأسلحة وأشدها إيلاما. وأنا أقرأ الخبر اللذيذ قفز إلى ذهني أيضا ما عايشته قبل أيام في مدينة مراكش المغربية مع مجموعة من الباحثين في الميدان الزراعي أثناء انعقاد الاجتماع السنوي للمجموعة الاستشارية للبحث الزراعي الدولي، والهموم التي شيبت بعض العلماء وهم يفكرون في وضع حلول للحد من الفقر في بلدانهم وفي العالم. فرئيس المجموعة انتقد سياسة بوش وأمثاله ولم ير جدوى في تحرير الأسعار غير الجدوى التي يجنيها أي بقال بدكان صغير أمام الأسواق الكبرى، واعتقد أن ملتقى منظمة التجارة العالمية المزمع عقده هذا الشهر لن يخرج إلا بنتائج تفقر الفقير وتغني الغني. إن مثل هذه السياسة، يقول الخبراء، ستؤدي حتما إلى موت 10 ملايين طفل سنويا (لن نعد ضحايا الغزو والاحتلال)، وإلى ترك 6 ملايين مدارسهم بسبب نقص الموارد الغذائية وسوء التغذية، والغريب في ذلك أن البعض يحث الدول الفقيرة على إنفاق مزيد من الأموال على البحث الزراعي العلمي من أجل تقليص نسب الفقر لديها دون طرح السؤال: كيف لهذه الدول الفقيرة أن تنفق أموالا ليست لديها، ولا يمكنها بأي حال إلا أن تنتظر سخاء الدول الغنية وبمزيد من الديون تثقلها، ولا يمكنها استيراد التكنولوجيا الحديثة ما دام أن نتائج البحوث الزراعية تتحكم فيها، حسب خبير زراعي، مافيا عالمية تهرب العقول، أو أن النتائج المحصلة عليها في البلدان النامية نادرة. والمفارقة الأكبر هي أنه في الوقت الذي تعاني فيه هذه الدول نقصا في الموارد الغذائية وتعيش أزمة شح المياه، نجد بوش وفرقته يرمون بفائض الطماطم في البحر حفاظا على استقرار الأسعار. لقد عرف لدى الجميع أيضا أن سياسة بوش وأمثاله في تحرير الأسواق العالمية لن يكون خيارا بالنسبة لهم في مكافحة الفقر، حيث يقف هؤلاء في وجه زيادة حصص الدول النامية من الصادرات العالمية، علما أن زيادة قدرها 1% في حصة أفريقيا من الصادرات العالمية سيستحق ما قيمته خمسة أضعاف حصة القارة من المساعدات وشطب الديون، والديون هي ما تريده الدول الغنية أن تراكمه على الدول الفقيرة، وفي مقابل ذلك يعمل هؤلاء الساسة أكثر من غيرهم على ترضية مزارعيهم والأصوات المطالبة بحماية المنتجات المحلية في الداخل، بل إلى تسويقها عبر العالم ومنها اللحم الأمريكي الحلال.