تتصدر بذور الطماطم قائمة المنتوجات الإسرائيلية القادمة إلى المغرب إضافة إلى بعض أنواع الفلفل والبطيخ، وبعض أنواع الأسمدة ووسائل الري والسقي. وأدى هذا التغلغل الصهيوني في أوساط المهنيين بالمجال الزراعي، إلى درجة أصبح الحديث فيها عن زيارة منتجين وباحثين مغاربة إلى إسرائيل يكاد يكون عاديا، كما أن استقبال إسرائيليين متخصصين في المجال بمؤتمرات وملتقيات تعقد بالمغرب لاسيما في الجنوب مشهد أصبح شبه مألوف. التجديد حاولت رصد تطبيع المغاربة مع الإسرائيليين في زراعة الطماطم في كل من مدينة أكادير وآيت ملول وانزكان وإقليم اشتوكة آيت بها، بعض المطلعين على خبايا ما يجري رفضوا الحديث في الموضوع بدعوى عدم وجود أدلة ملموسة على ذلك، وبعضهم استجاب بشرط عدم ذكر اسمه، وكثير من المشتغلين بالفلاحة اعتبروا أن الموضوع ليس بجديد وأن الاختراق الصهيوني للفلاحة المغربية أصبح في تزايد وأن إثارته لا تجدي نفعا في غياب مراقبة صارمة من قبل من تولوا مقاليد الأمور. تراجع في الشعبية لعل أشهر أصناف الطماطم بالمغرب التي يتم تصديرها إلى الخارج هي دانيلا وكابريلا، اسمان يحفظهما الفلاحون بالمغرب عن ظهر قلب، بل حتى النساء العاملات في شركات التصدير يعرفن أن أصل هذان النوعان من الكيان الصهيوني، غير أن شعبيتهما بدأت في تراجع خاصة دانيلا التي ظهرت بها بعض العيوب تتعلق بالجودة، حسب ما أكد أحد الباحثين في الزراعة لـالتجديد والذي فضل عدم ذكر اسمه. ويشير المتحدث نفسه، إلى ظهور أصناف منافسة للصنفين المذكورين لكنها هي الأخرى إسرائيلية الأصل ويتم استيرادها من الكيان الصهيوني عن طريق فرنسا أو هولندا ، فيما يشير محمد الزاهدي، الكاتب العام لجمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه، أن بذور الطماطم الإسرائيلية لم تعد تكتسح السوق كما في السابق، بل إن هناك بذور فرنسية أصبحت منافسة لها، مؤكدا أنه منذ خمس سنوات كانت أغلبية بذور الطماطم تستقدم من إسرائيل عن طريق شركات وسيطة، ولكن الوضع تغير الآن، فلم تعد البذور الإسرائيلية بالمغرب تشكل سوى ما يقارب 10 بالمئة. وبدوره أكد الدكتور لحسن قني، أستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بآيت ملول، أن شعبية الطماطم من نوع دانيلا وكابيريلا بدأت في تراجع بسبب ظهور أصناف أخرى منافسة، ولعدم قدرتها على المقاومة طويلا. وحول دواعي اختيار بعض المنتجين للبذور الإسرائيلية، يقول المتحدث نفسه البذور الإسرائيلية تنتج طماطم تستجيب للطلب الخارجي وتحتوي على المعايير الدولية المطلوبة والمتمثلة أساسا في أن يكون قطرها مابين 57 و67 ملمتر، كما أنها تتميز بجودة عاليةويضيف أن التطبيع لا يقتصر على البذور بل يتعدى ذلك إلى تقنيات الري وفي مجال البحث العلمي. تطبيع مكشوف لم يخف أحد الباحثين المغاربة تعامله مع الكيان الصهيوني في مجال البحث العلمي، فهو يتواصل مع باحثين إسرائيليين لأن، حسب زعمه، هدفه البحث العلمي ولا شأن له بالسياسة، وفي هذا الصدد يقول التقيت السنة الماضية بالمغرب مع باحث إسرائيلي بأكادير وكان هدفي هو ربط التواصل معه في مجال البحث العلمي، خاصة في علم الوراثة المتعلقة بالخضر، لأن هذا الباحث يعود الفضل إليه في تهجين أصناف جديدة من الطماطم تنتشر في المغرب.ويؤكد هذا الباحث أن زيارة الإسرائيليين للمغرب تكون على مدار السنة من أجل تأطير العديد من اللقاءات والمشاركة في بعض الملتقيات مثل المعرض الدولي للخضر والفواكه، إلى جانب وجود استثمارات لهم وفروعا لبعض شركاتهم بالمغرب تحت مسميات مختلفة. وأضاف أن المعرض الدولي للخضر والفواكه دائما يستضيف شركات إسرائيلية، كما شهدت دورته الخامسة، التي انعقدت في الفترة الممتدة من سادس إلى تاسع دجنبر الماضي بمدينة أكادير، حضورا واضحا لهذه الشركات، بل تعدى الأمر إلى قيام شركة نيطافيم، التي يوجد مقرها الرئيسي بتل أبيب، بتمويل شارات المشاركين شرط أن يكتب اسمها عليها.وفي تعليق لجمعية منتجي الخضر والفواكه، الداعم الرئيسي لهذا المعرض، اكتفى كاتبها العام الزاهدي بالقول إن نيطافيم متخصصة في التكنولوجيا الفلاحية وهي شركة لها فرع بالمغرب منذ زمان. ولعل لجوء المطبعين إلى الشركات الوسيطة يزيد من عدم بروز الظاهرة بشكل أكبر، وفي هذا الصدد يقول الدكتور قني لو كانت هناك شركات مغربية تستورد منتوجات إسرائيلية مكتوب عليها سلع إسرائيلية لعرفت الكساد والمقاطعة. التهريب لا تخفي بعض المصادر انتشار التهريب في مجال تسويق البذور بشكل كبير، يقول مصر مطلع، لـالتجديد دائما يأتي إسرائيليون للمغرب عبر فرنسا إلى أكادير مصطحبين معهم حقائب بها كيلوا أو اثنين من البذور ويقومون ببيعها في إحدى المقاهي لمنتجين مغاربة بثمن حوالي 20 مليون سنتيم للكيلوغرام، ويعودون من حيث أتوا دون حسيب ولا رقيب. هذا الواقع، يضيف المصدر نفسه ، يجعل هذه السلع تعفى من الضرائب مما يؤدي إلى ضرر اقتصادي ، فضلا عن الضرر السياسي الذي تحدثه مثل هذه الزيارات والمعاملات. هناك تهريب في الاتجاه المعاكس تحدث عنه محمد الزاهدي، الكاتب العام لجمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه، بقوله وقع التفريط في منتوجات وطنية تم استغلالها من قبل إسرائيل ، مثلا تمور المجهول التي تسوق باسم إسرائيل إضافة إلى التفاح الذي يسوقونه باسم هانا كما قيل لي أن منتوج أركان أيضا، والذي لا يوجد سوى بالمغرب، هرب إلى إسرائيل. وشدد الزاهدي على أنه آن الآوان لحماية المنتوج الوطني ووضع قوانين صارمة لذلك، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الدول، فمثلا أمريكا، يقول المتحدث نفسه، لا يحق للمغاربة استغلال بعض منتوجاتها إلا برخصة منها عبر اتباع مساطير وإجراءات جد معقدة. البحث العلمي البحث العلمي بالمغرب دون المستوى خاصة في مجال الخضر والفواكه، شعار يتخذه بعض الباحثين من أجل تبرير علاقتهم بالكيان الصهيوني بل شبه أحد المهندسين الأساتذة الذين يدرسون بالمعاهد الزراعية بالمغرب بـالمعلمين الذين يظلون حبيسي اجترار مقررات دراسية دون اجتهاد أو ابتكار. ومن جهته يرى الدكتور قني، أن البحث العلمي بالمغرب يفقد رؤية وطنية استراتيجية وسياسة حكومية، إضافة إلى عدم وجود متخصصين في التهجين والأصناف المبتكرة، حيث نجد باحثين بالمغرب غير متخصصين، يقول قني، علاوة على عدم وجود قسم متخصص في تحسين أصناف الخضر والفواكه على خلاف القمح والشعير الذي يلقى اهتماما. واعتبر عبد العزيز المومني، مهندس فلاحي، أنه آن الأوان للتفكير في بنك لتخزين البذور بالمغرب المحلية استشرافا للمستقبل تقوم به الوزارة الوصية عبر إشراك الجمعيات المهنية والمجتمع المدني لأن الأمر يتعلق لقضية وطنية ومطلب مجتمعي. أحد المهتمين بالميدان أكد لنا أنه خلال الثمانينات حاول المغرب تطوير برامج لتهجين الخضر والفواكه، غير أن جهات عرقلت المشروع في مهده من أجل فسح المجال أمام الشركات الأجنبية لاحتكار السوق، مضيفا أن بعض الباحثين المغاربة والذين درسوا خارج المغرب في مجال الخضر والفواكه حاولوا الاجتهاد من أجل الرقي بالمنتوج الوطني، فاعترضتهم صعوبات مما دفعهم إلى الرحيل خارج البلاد. على من تقع المسؤولية طالب العديد من المهنيين في المجال، في حديثهم لـالتجديد بضرورة تحسيس المنتج والمستثمر المغربي بخطورة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وحثه على التعامل مع دول أخرى، لأن هذه المنتوجات لا توجد فقط عند الكيان الصهيوني، بل يوجد في العديد من الدول. يقول أحد المهندسين الزراعيين، فضل عدم نشر اسمه، نجد غياب واضح للقيام بحملات تحسيسة للمنتجين في المجال الزراعي، من أجل تعريفهم فقط بأصل بعض المواد الفلاحية وحينها يمكن أن تترك لهم حرية التعامل. وفي هذا السياق يرى الدكتور قني أن الإسرائيليين لا يتحملون خطأ التطبيع، بل تقع المسؤولية في ذلك على المغاربة الذين فقدوا الشعور بالمسؤولية وغاب لديهم الحس الإسلامي والتضامني. وتساءل أحد الباحثين بالقول ماذا سيقع لو عاش المغاربة بدون طماطم فهؤلاء لا يهمهم سوى الخبز؟ غير ان المتضرر من هذه المقاطعة هم المستثمرون الذين يسعون للربح التجاري بأي ثمن. ومن جانبه يعتقد محمد الزاهدي، أن الفلاح المغربي لا يدري مصدر هذه السلع لأنه لو كتب عليها بخط العبرية أو بأي لغة أخرى عبارات توضح أنها قادمة من إسرائيل لتفادى المنتجون استيرداها واستعمالها ، وفي الوقت نفسه يؤكد الزاهدي أن المنتج لايهمه مصدر البذور هل من إسرائيل أو من دولة أخرى فالمهم بالنسبة إليه هو الربح المادي لاغير. لا أحد ينفي لا أحد يستطيع أن ينفي وجود التطبيع في المجال الفلاحي، يقول أحد المسؤولين في المجال الفلاحي، كما أن لا أحد يستطيع التخلص من ذلك بين عشية وضحاها لسبب بسيط هو أنه بالمغرب توجد 5000 هكتار من الطماطم تزرع بها حوالي 400 كيلوغرام من البذور حوالي 80 بالمئة تأتي من إسرائيل عبر شركات وسيطة.ويوضح المصدر ذاته أنه لحدود سنة 1986 كان المغرب يستورد بذور الطماطم من هولندا وكان ثمنها حينها 60 ألف درهم للكيلو ، غير أن السوق العالمية ولجتها البذور الإسرائيلية التي تتميز بالجودة، حسب قوله، مما دفع المنتجين المغاربة لاستيرادها.هذا الواقع يعرفه المسؤولون الحكوميون، وليس خافيا عنهم، يقول المتحدث نفسه، وقد سبق أن عبر وزير فلاحة مغربي سابق لأحد المسؤولين عن خوفه من أن كثرة الحديث عن التطبيع تجعل الكيان الصهيوني يوقف تصدير البذور ما يجعل المغرب مهدد في اقتصاده، حسب قوله. ما الحل ويبقى الحل ، في نظر بعض المتتبعين، هو السعي نحو استصدار قانون أو نص تشريعي أو قرار إداري يمنع التعامل مع الكيان الصهيوني من أجل محاصرة التطبيع وإغلاق الباب أمام كل الصفقات التي تجرى في السوق السوداء. فالمواقف الشعبية وإن كانت داعمة وأساسية، فإنها لا تكفي، والمواقف الرسمية المنكرة لأي تعامل مع الكيان الصهيوني بدورها لا تكفي، فلابد من سن قوانين تعكس الإرادة الشعبية والمجتمعية في تفاعلها مع الإرادة السياسية.. وما سن هذه القوانين إلا ترجمة فعلية وواقعية لمقررات منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومؤتمر وزراء خارجية العرب ولجنة القدس، القاضية بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.