في بلد تسكنه جالية كبيرة من المسلمين، لا يستغرب الزائر أن تصادفه في كل أركان المدينة عبارة «حلال»، سواء تعلق الأمر بالطعام والشراب، أو حلوى الأطفال، بل وانتقلت العدوى إلى عالم المعلوميات والكمبيوتر، حيث ابتكرت مؤسسة هولندية أول محرك بحث إلكتروني حلال. وفي بعض الأحيان، يتحول ذلك الشعار إلى وسيلة جديدة في التسويق وكسب زبناء معينين، حتى أنني وجدتني ذات مرة في مطعم صيني، وعندما لم أجد في قائمة الطعام إشارة إلى كلمة «حلال»، سألت النادلة إن كانوا لا يقدمون وجبات حلال، فقالت إن كل ما علي فعله هو اختيار الطعام الذي أريده، وسيعدونه بطريقة حلال. أخبرتها أن الحلال مرتبط أيضا بطريقة الذبح، فاستدركت بسرعة وأكدت أن المطعم يأخذ ذلك بعين الاعتبار ويتوفر على لحم يحمل طابع «حلال». والأكيد أن موجة الحلال ما كانت لتستثني المشروبات الروحية، إذ تصر المطاعم «الإسلامية» على تقديم خمر وجعة «حلال»، أي أنها خالية من الكحول. والأطفال بدورهم لهم نصيبهم من الحلال، فقد أصبحت أمامهم إمكانية الحصول على حلويات يوشحها بدورها رمز «حلال»، على اعتبار أنها خالية من بعض الشحون والذهون الحيوانية التي من المعتقد أنها مستخلصة من الخنازير. وأمام هذا الزحف الإسلامي على بعض مناحي الحياة في هولندا، لا يتردد المواطنون المحليون في التعبير عن توجسهم من هذه الموجة، لأنهم يرون في ذلك تهديدا لهيمنة الطابع الهولندي على بلدهم، بل وذهب بعضهم إلى التشكيك في الأهداف الكامنة وراء اعتماد شعار «حلال» في المطاعم والمتاجر، حيث لم ينفوا أن تكون الدوافع مادية بالدرجة الأولى، على اعتبار وجود جالية إسلامية مهمة بالبلد. لذلك فإن تقديم أي منتوج يُشعر تلك الفئة بالانتماء لمعتقدها سيلقى نجاحا في السوق، بغض النظر عن مدى احترام ذلك المنتوج للمعايير الإسلامية. وذهب آخرون إلى اعتبار الانتشار الواسع لموجة الحلال، سيما تلك التي تستهدف الأطفال، قد تترتب عنها آثار في المستقبل على قابلية أولئك الأطفال على الاندماج في المجتمع الهولندي، لأنها، على حد قولهم، ستكرس لديهم ذلك الشعور بالاختلاف عن الآخرين. وفي المقابل، فإن قسما آخر من الهولنديين يعتبرون هذا التنوع المرتبط بالأصول العرقية أو الدينية يساهم في غنى المجتمع الهولندي، ويجعل من مسألة التعرف على الآخر عملية سلسة وذات طابع شمولي، بحيث لا يقتصر ذلك على الأفكار المسبقة التي تتوقف عند شكل اللباس وطريقة التعبد. وليس من الغريب أن تجد هولنديين أنفسهم يحجزون مقاعدهم في مطاعم «حلال». والجديد في مسألة الحلال، والتي أثارت، ولا تزال، نقاشا في هولندا حول الجدوى منه، يتمثل في إحداث محرك بحث حلال. ويحمل هذا المحرك، الذي توجد المؤسسة التي تشرف عليه في هذا البلد، اسم Imhalal، أو «أنا حلال». ويقول المشرفون على الموقع إن هذا المحرك قادر على تجنيب مستعمليه كل ما من شأنه أن يتعارض مع الشريعة الإسلامية، بحيث يقدم مستوى الحرام الذي يندرج فيه موضوع البحث أو النتائج التي يمكن أن يقود إليها ذلك البحث. ورغم الانتقادات الواسعة التي لقيتها الفكرة، لكونها تفرض نوعا من الرقابة المقنعة على مستعملي الإنترنت، إلا أن عدد مستعملي الموقع تجاوز في الأشهر الأولى مئات الآلاف. وتماشيا مع رياح «الحلال» التي تهب على هولندا، سيتم منتصف شهر نونبر المقبل عقد أول منتدى إقليمي للحلال بأوربا في العاصمة الهولندية لهاي. وهو الحدث الذي ستشارك فيه مؤسسات متخصصة في الصناعات الغذائية لتدارس آفاق هذه السوق، ووضع معايير عالمية للمنتجات التي يمكن أن تحمل شارة «حلال». كما سيشهد المنتدى حضور مفكرين وأكاديميين ليدلوا بدلوهم في المسألة.