قرر وزراء حزب الله وحركة أمل اللبنانيين تعليق مشاركتهما في الحكومة احتجاجا على قرار مجلس الوزراء، يوم الاثنين، طلب تشكيل محكمة دولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وتوسيع عمل لجنة التحقيق الدولية ليشمل سلسلة الإعتداءات التي شهدها لبنان منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر 2004 وحتى اغتيال النائب جبران تويني يوم الاثنين أو قيام لجنة تحقيق دولية جديدة مستقلة لهذه الغاية. ولم يشأ الوزراء المسلمون تحديد الخطوة التالية لقرار تعليق مشاركتهم في الحكومة بانتظار التشاور مع مرجعياتهم السياسية. وحسب مصادر إعلامية فإن المشاورات التي جرت حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية يوم الاثنين وشارك في جزء منها كل من رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه بري والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله توحي بأن الأمور تتجه نحو المزيد من التأزم السياسي. ولم تستبعد مراجع سياسية احتمال إما استمرار تعليق المشاركة فترة طويلة، أو الإقدام على الإستقالة من الحكومة في غضون الأيام المقبلة، مع ترجيح كفة الخيار الثاني. ويرفض تحالف حزب الله وأمل المشارك في الإئتلاف الحكومي تشكيل محكمة دولية في اغتيال الحريري وتوسيع التحقيق الدولي، إذ يعتبر أن الأمر سيعرض قضايا البلاد إلى مزيد من التدويل، ويفسح المجال لإسرائيل وأمريكا من أجل تطبيق مخططاتهما في لبنان وفي مقدمتها نزع سلاح حزب الله أو تصفيته. وسبق لوزراء التحالف أن انسحبوا من جلسة لمجلس الوزراء احتجاجا على التداول بشأن ما ورد في خطاب للرئيس السوري بشار الأسد إزاء رئيس الحكومة اللبنانية والتي أتهمه فيها بالتعاون مع المخططات التي تستهدف ضرب سوريا والقوى الوطنية في بلبنان. وقد اتخذت الحكومة قرارات يوم الاثنين في جلسة استثنائية تقررت الدعوة إليها فور اغتيال تويني وسبقتها تأكيدات من فريق الأكثرية الحكومية بطلب المحكمة الدولية وتوسيع التحقيق الدولي تحت طائلة تلويح الوزراء الدروز المنضوين في(اللقاء الديموقراطي) الذي يتزعمه وليد جنبلاط بالإستقالة من الحكومة. وفي رد على هذه التطورات عبر وزيرا حزب الله محمد فنيش وطراد حمادة عن الرفض القاطع للبت في موضوع المحكمة الدولية طالما أنه قيد حوار بدأ، وهو يتسم بمناخات إيجابية يمكن أن تتطور نحو الأحسن. أما بخصوص طلب توسيع التحقيق الدولي أو تشكيل لجنة دولية جديدة، فيرى الوزيران أنه عبارة عن إعلان عجز من قبل الحكومة والأجهزة، ومن غير الجائز أن يتجه البلد إلى وصاية في الأمن والسياسة والإقتصاد والقضاء، وكأننا نطالب بنوع من الإنتداب الدولي الجديد. وتساءل وزراء حزب الله وأمل خارج جلسة مجلس الوزراء حول ما إذا كان هناك قرار واضح من قبل فريق الأكثرية بدفع الأمور إلى التأزم وبالتالي الإنسحاب من الحكومة، خاصة وأن موقف فريق التحالف كان حاسما منذ جلسة الأسبوع الماضي. الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أكد بعد إغتيال الحريري بساعات أنهما تدارسا في آخر إجتماع لهما المخططات التآمرية التي تحاك ضد لبنان وخاصة ضرب رأس حربة مقاومته ومحاولات إجبار دول الاتحاد الأوروبي على اعتبار حزب الله منظمة ارهابية تحت ضغط امريكا واسرائيل. بعد مقتل الحريري وتوجيه عمليات التحقيق في الإتجاه الذي تريده واشنطن وتل ابيب، عمل حزب الله وحليفه حركة أمل على اتباع تكتيك مرن في التعامل مع الواقع السياسي اللبناني الجديد، والحكومة التي أنبثقت وتكونت تحت تأثير ضغوط وتدخلات خارجية وتوازنات داخلية جديدة. وكما ذكر أحد وزراء الحزب فإن الحد الأدنى المطلوب عندما قبل مبدأ المشاركة هو خفض حجم الضرر الذي قد يلحق بلبنان. على ضوء هذه المواقف يتبين أن تعليق مشاركة تحالف حزب الله وأمل في الحكومة اللبنانية، يعني أن الطرفين قد وصلا الى إدراك بأن استمرارهما في إتباع تكتيك المرونة داخل الحكومة لن يسمح بعد الآن بالحد من الأضرار وأن احتمال انتقالهما الى المعارضة الفعالة سيمكنهما من تحقيق نتائج أفضل. تحدي الأغلبية في الحكومة للتوافق الذي كان سائدا بشكل أو بآخر بين مكوناتها يعني أنها تريد إجبار حزب الله على البدء في تقديم تنازلات تمهيدا لتمييع مواقفه وإضعاف شعبيته وإعداده ليكون لقمة سائغة لكل الساعين للتخلص من القوة الوحيدة في لبنان التي استطاعت إقامة توازن الرعب مع اسرائيل. مصادر رصد عديدة أفادت أن حزب الله كشف أن ما يسمى بالمحقق الدولي في قضية إغتيال الحريري يتجه نحو توجيه إتهامات اليه وأجهزته الأمنية في نطاق مؤامرة حصاره، وأن الحزب وجد كذلك أن حكومة سنيورة وأجهزتها الأمنية زادت ضعفا أمام الضغوط الخارجية وتقر بإستمرار في الحفاظ على الأمن الداخلي. في بداية شهر دجنبر أفشل حزب الله محاولة اسرائيلية لاغتيال أحد مسؤوليه بتفجير سيارته في مدينة بعلبك شرق بيروت. ويعتقد أن هذا القيادي هو حسين عساف أحد مسؤولي المقاومة الإسلامية التابعة للحزب. وأفادت مصادر رصد أن الحزب سجل تراخيا من جانب الأمن اللبناني في التعامل مع هذه المحاولة وأن الداخلية لم تستجب لمطالب الحزب لاحقا بفتح تحقيقات مع قيادات يمينية لبنانية بعضها مقرب من سمير جعجع المدان بإرتكاب جرائم سياسية والتحالف مع اسرائيل. وأمام هذه السلبية في تعامل الحكومة مع مطالبه، قال حزب الله إنه سيفعل ما يلزم للدفاع عن نفسه، ووصف محاولة الاغتيال بأنها ترجمة صريحة للتهديدات المعلنة والمتواترة التي انطلقت على لسان المسؤولين الإسرائيليين في المرحلة الأخيرة. قرار الحكومة اللبنانية بالإستمرار في تدويل قضية إغتيال الحريري، وتنكرها لتراجع الشهود الرئيسيين في تقرير ميليس عن افاداتهما اعتبر من طرف حزب الله تحديا وتورطا في المخططات التي تحاك ضد لبنان. وكان حزب الله وأنصاره ووسائل الإعلام المقربة منه قد اعتبروا أن تحقيق ميليس الذي وعد اللبنانيين بالكشف عن ملابسات جريمة العصر قد انهار بالضربة القاضية الموجعة من فرط تسييسه. وذهب إلى حد تشبيه تقرير التحقيق بكائن مقعد بترت رجلاه بعد انكشاف زيف رواية شاهدين سوريين أساسيين.. زهير الصديق الموقوف حاليا في فرنسا، وهسام هسام الفار إلى دمشق.