عادت الأزمة الوزارية في لبنان الى عنق الزجاجة، بعد مضي 48 ساعة على إشاعة أجواء من التفاؤل بقرب التوصل الى صيغة نص يصدر عن مجلس الوزراء يطمئن حزب الله الى بقاء سلاح المقاومة حتى تحرير مزارع شبعا المحتلة، كي يعود الوزراء المشكلين لتحالفه عن قرارهم تعليق مشاركتهم في جلسات مجلس الوزراء على خلفية الخلاف مع الغالبية على الطلب من مجلس الامن قيام محاكمة دولية للمتهمين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وتوسع التحقيق الدولي في كل الجرائم السياسية منذ بداية العام الماضي. وقد سعى حزب الله وحركة أمل وحلفاؤهم الى طرح حل وسط أمام الحكومة يسمح بتجنيب البلاد أي وصاية أجنبية أو تدخل في شؤونها تحت غطاء التحقيق في إغتيال رفيق الحريري أو الهجمات الاخرى. وكان النص الذي وضعه حزب الله يوم الجمعة 23 ديسمبر، ليتبناه مجلس الوزراء كمخرج لعودة وزراء الحزب وحركة أمل الى الحكومة، قد لقي خلافاً حين دعا قادة الاكثرية النيابية والوزارية الى اضافة عبارة اليه تشير الى الاغتيالات المتواصلة ضد رموز قادة 14 مارس، وهو ما يعني أن المستهدف فقط هم خصوم سوريا والمحسوبين على الجناح المسيحي الماروني اليميني. وقد رفض حزب الله هذا التعديل مذكرا بأن حملة الاغتيالات في لبنان استهدفت كذلك قادته والمحسوبين على المعسكر المساند لسوريا، وغالبيتهم نجت بسبب الحماية الأمنية المشددة خاصة لحزب الله. وقد حاولت بعض القوى الحكومية إدخال تعديلات جديدة على النص تشير الى استمرار المقاومة حتى تحرير مزارع شبعا المحتلة وإخلاء الأسرى اللبنانيين من سجون اسرائيل ووقف عدوانها على لبنان، كرد على ما يسمى المطالبة الدولية بنزع سلاح الميليشيات أي حزب الله. ودعا قادة الغالبية حزب الله الى الأخذ بهواجسهم بالنسبة الى ما يعتقدونه مسؤولية سورية عن استهدافهم بالاغتيال عبر اضافة ذلك في النص، مقابل الأخذ بهواجس الحزب إزاء سلاح المقاومة، لكن الحزب اعترض على ذلك لرفضه المقايضة بين المسألتين، فضلاً عن عدم قبوله باتهام سورية قبل انتهاء التحقيقات. كما وجد حزب الله في التعديل الخاص بنزع سلاحه بعد توفر شروط معينة فخا، حيث أن اسرائيل التي تريد التخلص من سلاح الحزب وخاصة 14 الف صاروخ أرض أرض وتوازن الرعب الذي أقامه معها مستعدة كما لمحت واشنطن للانسحاب من مزارع شبعا وإطلاق سراح الأسرى. ولكن السؤال المطروح بعد ذلك هو من يضمن عدم شن إسرائيل هجمات على لبنان بعد أن يكون حزب الله قد أصبح بدون سلاح. الاقتراحات كثرت بعد عدم الوصول الى حل، اقتراحات كثيرة جاءت من جانب الاكثرية الحكومية بعد سلسلة مشاورات أجراها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري مع الوزراء والقوى المنضوية في لقاء 14 مارس، وبعد تصريحات لجنبلاط هاجم فيها الأمين العام ل حزب الله السيد حسن نصر الله، وشكك في لبنانية الحزب، كما اعتبر فيها ان المطلوب من الذين حرروا الجنوب من اسرائيل الولاء للبنان أولاً. وقال: ان سورية خرجت من لبنان لكنها باقية من خلال أدواتها وعملائها. وقد كشفت مصادر في ثنائية حزب الله وحركة أمل للصحافة اللبنانية انه كان يفترض الاعلان مساء يوم الأحد 25 ديسمبر، عن عودة وزراء التحالف الى جلسات مجلس الوزراء، بعد اجتماع بين السنيورة ومعاون نصر الله حسين الخليل والنائب علي حسن خليل من أمل، لكنه تأجل نظراً الى الاتصالات التي اجراها الحريري بهما وبرئيس الحكومة طالباً المزيد من الوقت للتشاور مع سائر الأطراف في الحكومة، وان قيادتي أمل والحزب استجابتا. قيادة حزب الله رفضت التعليق على تهجمات جنبلاط، ولكن مصادر أكت أن هذا الأمر كان وراء تعليق الاعلان عن الاتفاق بسبب اصرار الأغلبية على ربط الموقف من سلاح المقاومة بموقف ضد استمرار مسلسل الاغتيالات. ويسجل أن حزب الله حاول بطرق شتى الوصول الى تسوية عادلة وهكذا زار وفد من الحزب الرياض حيث التقى الحريري. وذكرت مصادر عديدة انه على رغم اللهجة الهادئة لنصر الله في مقابلته التلفزيونية يوم الجمعة الماضي فإنه طرح احتمال استقالة الحكومة، واحتمال اجراء انتخابات نيابية مبكرة. ورجحت هذه المصادر ان ثمة سيناريو يعد لتطبيقه لاحقاً يقضي باستقالة نواب أمل و حزب الله وكتلة العماد ميشال عون من المجلس النيابي (حوالى 50 نائباً) بحيث تجرى انتخابات بتحالفات جديدة تعدل في موازين القوى داخل البرلمان بالنسبة الى الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية المقبل، مقابل مطالب قوى 14 مارس باقالة رئيس الجمهورية اميل لحود. وكان نصر الله قد استقبل يوم الأثنين 26 ديسمبر وفداً من كتلة نواب المستقبل برئاسة الوزير أحمد فتفت وامتدح في اللقاء دور سعد الحريري وجديته، لكنه انتقد مواقف جنبلاط بعتب، وقال: احترنا معه، يوم يريد سلاح المقاومة حتى القدس وآخر بالكاد يقبل بتحرير مزارع شبعا، وأكد انفتاحه على الحوار مع الجميع. وذكرت مصادر مطلعة ان استمرار الأزمة الوزارية حتى عقد مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الجمعة المقبل قد يؤدي الى تكليف وزير آخر غير الوزير فوزي صلوخ بتمثيل لبنان (باعتباره بين المعتكفين عن حضور جلسات مجلس الوزراء) وذلك في شخص وزير الثقافة طارق متري. العديد من المراقبين في لبنان يرون أن إجراء انتخابات مبكرة ستعزز قوة تحالف حزب الله في حين يرى آخرون أن العكس هو ماذا سيحدث.