دعا الرئيس اللبناني المنتخب ميشال سليمان عصر الاحد 25 ماي 2008 اللبنانيين الى الاتحاد والتضامن ، مشددا على اهمية تحديد استراتيجية دفاعية عبر حوار هادئ وعلى قيام علاقات دبلوماسية مع سوريا. وقال سليمان في خطاب القسم الذي القاه امام النواب اللبنانيين بعيد انتخابه ادعوكم قوى سياسية ومواطنين الى مرحلة جديدة نلتزم فيها مشروعا وطنيا (...) والى تفعيل المؤسسات الدستورية . وتطرق سليمان في خطابه الى سلاح حزب الله الشيعي مشيدا بالانجازات التي حققها، لكنه تدارك ان بقاء مزارع شبعا (على الحدود بين لبنان وسوريا واسرائيل) تحت الاحتلال يحتم علينا وضع استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازمة مع حوار هادئ . ودعا الى الاستفادة من طاقات المقاومة خدمة لهذه الاستراتيجية مشددا على ان لا تستهلك (المقاومة) انجازاتها في صراعات داخلية . وفي موضوع العلاقة بين لبنان وسوريا، دعا سليمان الى علاقات ندية خالية من اي شائبة (...) ضمن سيادة كل بلد واستقلاله ، مؤكدا ان العبرة هي في حسن متابعة هذه العلاقات المميزة (...) وقيام علاقات دبلوماسية بين البلدين. وكان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري اعلن بعد ظهر الاحد انتخاب قائد الجيش العماد سليمان رئيسا للجمهورية باكثرية 118 صوتا من اصل 127. وقال بري ان عمليات الفرز اظهرت حصول سليمان على 118 صوتا مقابل ست اوراق بيضاء وثلاث اوراق لم يتم الاعتراف بها كتب عليها اسما النائب السابق نسيب لحود والوزير السابق جان عبيد وعبارة رفيق الحريري والنواب الشهداء . وبذلك، يكون سليمان نال عدد الاصوات نفسه الذي ناله الرئيس السابق اميل لحود عند انتخابه العام 1998، مع فارق ان عدد النواب كان يومها 128 فيما يبلغ اليوم 127 بسبب اغتيال النائب الغالبية انطوان غانم. واثر جلسة الانتخاب، وصل امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الى مقر مجلس النواب حيث كان في استقباله رئيس المجلس. وادت له ثلة من الحرس الجمهوري التحية. ثم وصل الرئيس المنتخب الى مبنى المجلس لاداء اليمين الدستورية والقاء خطاب القسم، واستقبل في القاعة العامة بالتصفيق. وعمت الاحتفالات ساحة بلدة عمشيت (شمال بيروت) التي يتحدر منها سليمان، فيما اطلقت عيارات نارية في سماء بيروت ابتهاجا بانتخابه، اضافة الى اسهم نارية. وينتخب سليمان بعد ستة اشهر من شغور منصب الرئاسة الاولى مع انتهاء ولاية الرئيس السابق اميل لحود في نوفمبر 2007. ويأتي انتخابه تتويجا لاتفاق الدوحة الذي وقعه افرقاء الاكثرية المناهضة لسوريا والمدعومة من الغرب والمعارضة القريبة من دمشق وطهران الاربعاء الفائت، والذي انهى ازمة سياسية حادة استمرت اكثر من 18 شهرا. وفيما يلي نص خطاب الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان: دولة الرئيس، حضرة النواب، كان أحب إلى قلبنا أن نبدأ هذا الاستحقاق، بدقائق فرح، لكني واثق بأن صمتنا ستهلل له أرواح شهدائنا وهم في جوار ربّهم، كونه يؤسس لمرحلة واعدة لأبناء الوطن الذي ينهض من كبوة له بفعل وعي المواطنين، ورفضهم الوقوع في عملية قتل الذات، وعمل المخلصين والأشقاء، للتخفيف من السيئات، ومحو التداعيات. إنني اليوم، وفي أدائي اليمين الدستورية، إنما أدعوكم جميعاً قوى سياسية، ومواطنين، لنبدأ مرحلة جديدة عنوانها لبنان واللبنانيون، نلتزم فيها مشروعاً وطنياً نلتقي عليه، بذهنية متقدمة، لنصل إلى ما يخدم الوطن ومصلحته كأولوية على مصالحنا الفئوية والطائفية، ومصالح الآخرين. إن الاستقرار السياسي المنشود، يفرض علينا تفعيل المؤسسات الدستورية، حيث وجب احتضان الأفكار السياسية وتبايناتها، وصولاً إلى قواسم مشتركة، تؤمّن مصلحة الوطن وأبنائه. إن الخلاف السياسي، وما نتج منه من إشكاليات دستورية مررنا بها، ينبغي أن يشكل حافزاً لنا، ليس فقط لإيجاد المخارج، لما يمكن أن نقع فيه مستقبلاً، وإنما أيضاً لتحقيق التوازن المطلوب، في ما بين الصلاحيات، والمسؤوليات، يمكّن المؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية من تأدية الدور المنوط بها. إن لبنان، وطن الرسالة، والذي يحمل تلاقي الحضارات، وتعددية فذة، يدفعنا للانطلاق معاً، في ورشة عمل، فنصلح أوضاعنا السياسية والإدارية، والاقتصادية والأمنية، فنعيد الوطن، إلى الخارطة الدولية، في دور نموذجي يعكس فرادته، وإشراقته المعهودة. لقد اختار لبنان السير في ما اتفق عليه في الطائف، وهو مدعو إلى حماية هذا الخيار، والعمل على ترسيخه. لأنه ينبع من الإرادة الوطنية الجامعة فتحصين أي قرار سياسي، لا يتم إلا بهذه الإرادة. إضافة إلى أن ما يربط اللبنانيين، من ميثاق وطني، نتيجة إرادتهم، وهو صنو الدستور. وقد برهن أنه الأقوى والأسمى من أي توجه خارجي. إن علاقاتنا الخارجية، تبقى الأصلح والأفعل، بمقدار ما تنطلق من هذا الميثاق، فتؤمن وتحمي، مصالح لبنان وتحترم خصوصيته وتتيح له استعادة دوره الفاعل، في محيطه العربي، والمجتمع الدولي، كونه المثال الحي لتعايش الثقافات. أيها السادة النواب، إن الشعب أولانا ثقته لتحقيق طموحاته، وليس لإرباكه بخلافاتنا السياسية الضيقة. ولعل أخطر ما برز في السنوات الأخيرة، خطاب سياسي يرتكز على لغة التخوين، والاتهامات المتبادلة، مما يمهّد لحالة التباعد والفرقة، خصوصاً بين الشباب، لذا وجب الإدراك والعمل على تحصين الوطن، والعيش الواحد عبر التلاقي، ضمن ثقافة الحوار، وليس بجعله ساحة للصراعات. إن سمة الديمقراطية الأساسية، تداول السلطة، عبر انتخابات حرة. وإذا كان من الأهمية بمكان، اعتماد قانون انتخابي، يؤمن صحة التمثيل، ويرسخ العلاقة بين الناخب وممثله ويكفل إيصال خيارات الشعب وتطلعاته. فالأهم قبولنا بنتائج هذه الانتخابات، واحترامنا للإرادة الشعبية. كما أن استقلال السلطة القضائية، يكرّس العدالة، وهي مناخ يشكّل ملاذاً لكل صاحب حق، ويوفّر انتظاماً عاماً لجميع مرافق الدولة، وليس فقط للفصل بين المتقاضين، فالأيادي البيضاء، سمة العدل، والعدل أساس الملك. وإن المسؤولية تحتم علينا، تشجيع الطاقات الشابة، للانخراط في مؤسسات القطاع العام، فنمنع ترهله، ويتيح لنا الوصول إلى إدارة أكثر كفاءةً وشباباً. مع اعتمادنا على حسن الاختيار، وتعزيز لهيئات الرقابة، فيكافأ المستحق، ويصوّب المقصّر، ويعزل الفاسد. أيها السادة، إن تبديد هواجس الشابات والشبان، يكون ببناء وطن يفتخرون بالانتماء إليه، لينهض بقدراتهم، وخبراتهم، ومشاركتهم في إيجاد الحلول. ولندعهم هم، الذين قاوموا الاحتلال والإرهاب، وانتفضوا من أجل الاستقلال، يرشدونا حيث أخفقنا، فهم المستقبل، ولهم الغد, وهم من اثخنتهم الجراح فصقلتهم, وكان منهم قرابين معوقون, ينبغي تأمين حقوقهم ورعايتهم وفقا للقوانين. هذا من دون أن يغيب عن اهتمامنا، سياسة تربوية إصلاحية، تتناول مدارسنا والجامعات، وتعيد إليها تميزها في هذه المنطقة. إن جناح لبنان الثاني، يلتفت إلينا اليوم، يحدوه الأمل في أن يرى وطنه الأم، وقد تعملق من جديد، من هنا، علينا الاعتراف بحقوق المغتربين، والمضي قدماً في الإجراءات الآيلة إلى تعزيز التصاقهم، وتداخلهم بالوطن، والاستعانة بقدراتهم وتوظيفها، حتى لا يبقوا في غربة عن الوطن. إنهم الأحق بالجنسية اللبنانية من الذين حصلوا عليها من دون وجه حق. إن الخروج من حالة الركود، وتفعيل الدورة الاقتصادية، بحاجة إلى استقرار أمني وسياسي وإلى رعاية الدولة، تشجيعاً ودفعاً لعملية الإنتاج التنافسي. فجذب الاستثمارات، وتأمين بيئة صديقة لها، يؤدي إلى محاربة البطالة، ومحاصرة الهجرة. هذا الأمر يقودنا إلى حتمية الاهتمام باقتصادنا المنتج صناعياً زراعياً وخدماتياً. كما تعميم الثقافة البيئية، وإبراز الأوجه السياحية لهذا البلد. إن الإنماء المتوازن، ركن أساسي من أركان وحدة الدولة، واستقرار النظام، ونرى في تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة، عنصراً مهماً لهذا الإنماء، لرفع الغبن عنه، وإصلاح التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين المناطق. ولا بدّ لنا من إيلاء موضوع استكمال عودة المهجرين، كل اهتمام لطي هذا الملف بصورة نهائية. أيها السادة ، إن التزامنا مواثيق الأممالمتحدة، واحترامنا لقراراتها، يعود لقناعتنا الراسخة بالشرعية الدولية المستمدة من مبادئ الحق والعدالة، وإذ نؤكد مساهمتنا في قيام المحكمة الدولية الخاصة، بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وما تلا من اغتيالات، فذلك تبيان للحق، وإحقاق للعدالة. إن نشوء المقاومة، كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كياناً وجيشاً لها، ونجاحها في إخراج المحتل، يعود إلى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها، إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو الاسرائيلي لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا إستراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازماً مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الإستراتيجية. فلا تُستهلك انجازاتها في صراعات داخلية، ونحفظ بالتالي قيمها وموقعها الوطني. يتزامن هذا اليوم، مع الذكرى الوطنية، للتحرير والنصر، فلتكن حافزاً لنا، لمزيد من الوعي لما يتربص بنا، ولتجديد تمسكنا بالحرية والديمقراطية، التي ضحينا من اجلهما لنصون الوطن. وفي هذا السياق، يأتي العمل الدؤوب، لإطلاق الأسرى والمعتقلين، وكشف مصير المفقودين، واستعادة أبنائنا الذين لجأوا إلى إسرائيل، فحضن الوطن، يتّسع للجميع . لقد حرص لبنان، ويحرص دائماً، على تقوية الأواصر التي تربطه بأشقائه العرب، من هنا، فإننا ننظر بشدة، إلى أخوّة في العلاقات بين لبنان وسوريا، ضمن الاحترام المتبادل، لسيادة وحدود كل بلد، وعلاقات دبلوماسية تعود بالخير لكل منهما. العبرة هي في حسن المتابعة لعلاقات مميزة نديّة، خالية من أي شوائب اعترتها سابقاً، بحيث نعمل على الاستفادة من تجارب الماضي، وتداركها، تأميناً لمصالح ورخاء وأمن البلدين الشقيقين. أيها اللبنانيات واللبنانيون، إن الدولة لا يمكنها التغاضي عن أي عبث بالأمن والسلم، ولن تسمح بأي حال من الأحوال، أن يُستعمل البعض وقوداً للإرهاب، وأن يُتخذ من قدسية القضية الفلسطينية، ذريعة للتسلّح، لتصبح هذه المسألة مصدراً للإخلال بالأمن، كما حصل منذ عام، عندما اعتدي على الجيش اللبناني. فلنتضافر، لمعالجة تداعيات ما حصل، فنعيد وصل ما انقطع، لبلسمة الجراح واعادة الاعمار، لقد اعتصرنا الالم فلنعقد الامل. ان البندقية تكون فقط، باتجاه العدو، ولن نسمح بأن يكون لها وجهة اخرى. إن رفضنا القاطع للتوطين، لا يعني رفضاً لاستضافة الأخوة الفلسطينيين، والاهتمام بحقوقهم الانسانية، بل تأسيساً لحق العودة حتى قيام الدولة القابلة للحياة. ولهذا، فإن لبنان، يشدّد على ما ورد في المبادرة العربية، التي انطلقت من عاصمته بيروت عام ألفين واثنين 2002. لقد كسبت القوى المسلحة، وفي طليعتها الجيش، ثقة الشعب اللبناني طيلة السنوات الأخيرة، لتحقيقها إنجازات مهمة وتاريخية، من الحفاظ على الديمقراطية والسلم الأهلي، وانتشارها في الجنوب العزيز، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، والتصدي للعدو والإرهاب، وقد دفعت غالياً خيرة أبنائها. إلا أن الاحداث الامنية الاخيرة خلفت شعوراً بأن القوى المسلحة لم تقم بالأداء الكامل المأمول منها لذلك فالحفاظ على الحد الأدنى من الوفاق، وبالتالي توفير الغطاء السياسي المطلوب يساهمان في تدارك الأمر مستقبلاً. بالإضافة إلى تعزيز موقعها المعنوي على المستوى الوطني، وتجهيزها، وتشجيع الشباب المثقف الواعد للانضواء تحت راياتها. أيها السادة، في هذه المناسبة، أتوجه بالشكر، إلى جامعة الدول العربية، ومعالي أمينها العام، لاحتضانها الأزمة التي عصفت بالوطن، ولجهودها المثمرة، في بلورة الحل المناسب. وأتقدم، باسم اللبنانيين، وباسمي، بالعرفان لدولة قطر، وسمو أميرها، ودولة رئيس وزرائها، واللجنة الوزارية العربية، لما بذلوه من جهد صادق، والتزام قومي في إطلاق الحوار الوطني، واستضافتها له وإنجاحه وتتويجه باتفاق الدوحة. الشكر أيضاً للدول الشقيقة والصديقة، التي ساعدت الوطن، على تجاوز المحن، وتلك التي تشارك في عداد القوات الدولية، المنتشرة في الجنوب، تطبيقاً للقرار، ألفٍ وسبعمئةٍ وواحد، 1701، على أدائها المميز، والمتكامل مع الجيش اللبناني لحفظ الأمن، وحريّ بنا أن نسجّل اهتمامها بالنواحي الإنمائية والاجتماعية، في المناطق التي تنتشر فيها، والصدى الطيّب الذي تلقاه لدى المواطنين. أيها اللبنانيات واللبنانيون ، ينتظرنا الكثير الكثير، فقسمي هذا التزام علي، كما ارادتكم هي التزام ايضاً، لا نغرق في الوعود، بل نقارب الواقع وميادينه المختلفة بإمكاناتنا، واستثمار دعم الاشقاء والاصدقاء لنجتاز الصعاب، فلنتحد ونتضامن ونسر معاً نحو مصالحة راسخة، لزرع الأمل لدى أبنائنا، ونطلق مبادرات رائدة، إبداعية شجاعة، لتحقيق ذلك، ونعمل لبناء الدولة المدنية، القادرة، المرتكزة على احترام الحريات العامة، والمعتقد، والتعبير. لقد دفعنا غالياً ثمن وحدتنا الوطنية، فلنحافظ عليها معاً، يداً بيد، فالله مع الجماعة. عشتم وعاش لبنان