هل يعد تغيير الطبقة السياسية عاملا مهما في التحولات التاريخية؟ وهل يؤدي إلى بداية حقبة تاريخية جديدة؟ وما أهمية سقوط طبقة وكلاء الاحتلال في مسار الثورة العربية والتغييرات التاريخية؟ ربما يكون وضع طبقة وكلاء الاحتلال في المنطقة العربية والإسلامية، هو مفتاح التحولات التاريخية الجارية، فمصير هذه الطبقة، سوف يحدد مسار التحول التاريخي العالمي. يمكن القول: أن بقاء طبقة وكلاء الاحتلال في المنطقة العربية والإسلامية، يؤدي إلى استمرار حقبة الهيمنة الغربية، وسقوط هذه الطبقة هو الذي يفتح الباب أمام حقبة تاريخية جديدة. طبقة وكلاء الاحتلال، هي أداة الغرب في مرحلة ما بعد الاحتلال العسكري المباشر لإدارة العالم، لذا فإن كل تغيير في الطبقات التابعة الحاكمة، يمثل تحولا في مسار حقبة الهيمنة الغربية. طبقة وكلاء الاحتلال في المنطقة العربية والإسلامية، تشكلت أساسا من قيادة الدولة القابضة على السلطة، ومن طبقة رجال الأعمال القابضة على الثروة، وكلاهما وكيل في مجاله للغرب. طبقة الوكلاء، والتي لم تقدم أي إنجاز، سوى الالتزام بشروط الوكيل الغربي، أصبحت تحمي مصالحها ومصالح الغرب، مما غيب عامة الناس عن أي حسابات، فضاعت مصالحهم. لم تتشكل طبقة الوكلاء تعبيرا عن المجتمع، فظل المجتمع غائبا عن السلطة والثروة، ولم تكن وكيلا عن المجتمع لإدارة الصراع مع الخارج، ولم تتمكن حتى من تحقيق مصالح عامة الناس في ظل الهيمنة الخارجية. شروط الانضمام إلى طبقة وكلاء الاحتلال، تعد واحدة من أبرز معالم تلك الطبقة، فمن يصل لمقاعد السلطة أو يملك المال ينضم لها، ولكن لا يمكن لأحد أن يصل لهذا الموقع، دون موافقة الطبقة الحاكمة عليه. شبكة المحسوبية، هي كلمة السر في تشكل طبقة وكلاء الغرب الحاكمة، لأن شبكة المحسوبية تمثل بنية الطبقة السياسية، وتحدد شروط الانضمام لها، مما يجعل الطبقة الحاكمة شبكة مصالح خاصة. كل الطبقات الحاكمة المستبدة، تحاول تحقيق بعض المصالح لعامة الناس، حتى تبقى في السلطة، ولكن في المراحل الأخيرة للنظم المستبدة، تضيق الفئات المستفيدة لأقصى حد. أحد أهم مؤشرات السقوط لأي طبقة حكم استبدادي، هو تحولها لحكم أقلية ضيقة للغاية، مما يعني أن عامة الناس والأغلبية الكاسحة تكون خارج حسابات تلك الأقلية الحاكمة. بعد الانقلاب العسكري، وكل الانقلابات على الربيع العربي، شهدت الطبقة الحاكمة التابعة للغرب تحولات مهمة، فهي أصبحت طبقة أقلية محدودة، تعمل ضد مصالح الأغلبية، وتتميز بالقمع الوحشي. كلما ضاقت الدوائر المستفيدة من الحكم، وأصبح الحكم أكثر شراسة في الدفاع عن مقعد السلطة، تتجه السلطة أكثر إلى القمع، كما تصاب بحالة تجاهل شامل لمصالح عامة الناس. الحكم العسكري، خاصة بعد تجربة تحول ديمقراطية، يمثل أشد أنواع حكم الأقلية، والذي يفتقد لأي قدرة على الشعور بحالة المجتمع، بل وينعزل عنه تماما، مما يجعله لا يدرك أي تحولات اجتماعية. يصل حكم الأقلية للمرحلة التي يفقد فيها قدرته على إدراك أن هناك مجتمع يوجد، فلا يرى عامة الناس، ولا يدرك أزماتهم، بل ويتجاهل وجودهم أصلا، وكأنهم عبئ عليه. تسدد طبقة الوكلاء فواتير تجاه صاحب التوكيل، مما يجعلها تنفذ ما يطلب منها، من شروط مالية واقتصادية رغم أي أثر لها، وهي بهذا تنقاد لصاحب التوكيل الغربي، الذي لا تهمه مصالح الأغلبية. الحكم العسكري يحاول أن يكون أفضل وكيل للغرب، وفي نفس الوقت يحاول أن يكون الوكيل الوحيد المتاح، حتى لا يكون له أي بديل، مما يجعله يسرف في تنفيذ ما يطلب منه. مع تزايد الاحتقان المجتمعي وتفاقم الوضع الاقتصادي، لا تحدث أي تحولات حقيقية من داخل الطبقة الحاكمة التابعة للغرب، لأنها وصلت لأقصى درجات التطرف في القمع والتبعية. لم تعد الطبقة التابعة للغرب، والحاكمة للمنطقة العربية والإسلامية، قادرة على تجديد نفسها أو تجديد قدرتها على البقاء، فلم يعد متاحا لها إلا أن تدافع بشراسة عن بقائها في السلطة. تبدو الطبقة الحاكمة التابعة للغرب، وكأنها تمثل الحلقة الأضعف في منظومة الهيمنة الغربية على العالم، أي مشروع الغرب لقيادة العالم، لأنها تدفع المنطقة لحالة من الاضطراب المزمن. لم يعد الغرب قادرا على تحديث الطبقة الحاكمة التابعة له، وليس لديه أدوات لتحسين وضع الطبقة الحاكمة التابعة له في البلاد العربية والإسلامية، حتى تبقى في الحكم. في كل الأحوال فإن أي تحولات في الغرب، لا تشمل أي تحول في توجه الغرب لقيادة العالم، لأن فكرة تفوق الغرب وحقه في قيادة العالم، تمثل حجر أساس في الحضارة الغربية. تراهن الطبقة الليبرالية الحاكمة في الغرب، على أنها إذا لم تتمكن من تبديل الطبقة الحاكمة التابعة لها في المنطقة العربية، فسوف تحميها من السقوط والانهيار والمفاجئ. يراهن الغرب كثيرا على أن شعوب المنطقة لن تقدم على الثورة، حتى بعد ثورات الربيع العربي، فمازال الغرب يراهن على أن أي هبة جماهيرية سيتم كسرها واستمرار الأوضاع على ما هي عليه. تحولات الطبقات السياسية في العالم، يمثل أحد أهم مؤشرات نهاية حقبة تاريخية وبداية حقبة أخرى، ولكن تلك التحولات ليست واحدة في مختلف دول العالم. في جنوب شرق أسيا، حالة من التمرد على التبعية للغرب داخل الطبقة الحاكمة، ولأن هذه الطبقة حققت تقدما اقتصاديا مهما، لذا فهي تعتمد على إنجازها للخروج من التبعية للغرب، بل والتمرد عليها. الطبقة الحاكمة التابعة للغرب في المنطقة العربية والإسلامية، لم تحقق إنجازا، لذا فهي لا تملك أي مقومات تجعلها قادرة على الخروج من الهيمنة الغربية، والدول الإسلامية التي حققت إنجازا لم تتمكن بعد من كسر التبعية والخروج منها. الطبقة السياسية الحاكمة في الغرب، وهي وريثة الطبقة البرجوازية، قامت بتحقيق النهوض الغربي، وامتلكت شرعية تمثيل المجتمعات الغربية بما حققته من إنجاز، ومع ذلك تمر بأزمة، وتواجه تمردا. الطبقة الليبرالية الغربية الحاكمة، تمر بأزمة لأنها لم تعد تمثل كل الرأي العام، بل جزء منه فقط، وهو ما جعل قطاع من المجتمعات الغربية لا يجد من يعبر عنه داخل الطبقة السياسية الحاكمة. ظهور اليمين القومي أو اليمين المتطرف في الغرب، يعد دليلا على وجود قطاع في المجتمع الغربي يبحث عمن يعبر عنه من خارج الطبقة السياسية الحاكمة. الطبقة الليبرالية الحاكمة في الغرب تواجه احتمال تبديلها أو تغييرها من الداخل أو تغيير تركيبتها أو تغيير قواعد الانضمام لها، حتى تصبح أكثر تعبيرا عن المجتمعات الغربية. الطبقة الليبرالية الحاكمة في الغرب، تعمل من أجل تدعيم حكومات تابعة لها في المنطقة العربية والإسلامية، وتهتم بتحسين صورة هذه الحكومات الخارجية، لتجميل الشكل. اليمين القومي في الغرب، والذي يتمرد على الطبقة الحاكمة، يهتم أيضا بالحكومات التابعة للغرب، ولكن لا يهمه صورتها الخارجية، فهو يفضلها تابعة ومستبدة بصورة فجة. مع كل تحولات الطبقة السياسية الحاكمة حول العالم، يظل وضع طبقة وكلاء الاحتلال يمثل حجر الزاوية في أي تحولات عالمية مهمة، خاصة وأن هذه الطبقة هي سند الهيمنة الغربية. في الغرب هناك هذا الصراع بين التيار الليبرالي والتيار القومي، ولكن هذا الصراع العميق، والذي أدى إلى انقسام المجتمعات الغربية، قد لا يؤدي إلى تحولات تاريخية كبرى وحده. إذا وضعنا في تصورنا، حالة التمرد القومي أو تمرد اليمين المتطرف في الغرب، وحالة التمرد الأسيوي على الهيمنة الغربية، والتمرد الروسي أيضا، مع الثورة العربية، نعرف أن العالم دخل مرحلة تغيير تاريخي. النظر لخريطة العالم يكشف على أن أكثر المناطق التي تشهد حكم طبقة الوكلاء التابعة للغرب، هي المنطقة العربية والإسلامية، وتحولات تلك المنطقة، لها دلالة خاصة. معارك الثورة العربية في كل البلدان، تكشف عن طبيعة المعركة مع الطبقة السياسية الحاكمة والتابعة للغرب، فكل تحول حقيقي أو تحرر حقيقي، ينحي هذه الطبقة عن الحكم. معركة الثورة العربية في واقعها، هي مع طبقة الوكلاء التابعة، والتي لا يتحقق التحرر الحقيقي إلا بسقوطها وخروجها من السلطة بالكامل، وهي ما يستلزم ظهور طبقة سياسية جديدة. معركة التحرر، هي معركة ضد الوكيل التابع للغرب أو الاحتلال الخارجي، من أجل تحويل النظام السياسي إلى نظام تصبح فيه الطبقة السياسية، وكيلا عن السواد الأعظم. سقوط طبقة الوكلاء يغير المعادلة السياسية الداخلية، ويجعل الحكم يعمل من أجل مصالح الأغلبية والسواد الأعظم، وليس من أجل أقلية أيا كانت، فيكون الحكم للأغلبية لا للأقلية. نهاية دور الطبقة الحاكمة التابعة الغرب، هو ما يؤدي إلى تحولات كبرى في العالم، ويبدأ مرحلة تحول وتغير الطبقات السياسية في العالم، بشكل عميق ومؤثر، وهو ما يدشن لحقبة تاريخية جديدة.