واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    اعتقال موظفين ومسيري شركات للاشتباه في تورطهم بشبكة إجرامية لتزوير وثائق تسجيل سيارات مهربة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأصالة والمعاصرة في الحكم
نشر في هسبريس يوم 02 - 02 - 2008

أمام توالي الانتكاسات والهزائم التي تعرض ولا يزال يتعرض لها الوطن العربي ، حيث فشلت جميع المشاريع الإيديولوجية التي جربت ، قومية اوقطرية في تقريب الفجوة والمسافة مع الاخر ،الذي وظف الحداثة والتكنولوجية المغلفتين بتعاليم الكنيسة بروتستانية (جورج بوش ) او البرتستانية الكاثوليكية ( اوربة )،اصبح الحديث يدور عن مشروع بديل يجمع بين الاصالة وبين المعاصرة ، مع امكانية الاحتفاظ بالخصوصية الوطنية ، على غرار اروبة الموحدة رغم اختلاف الاثنيات والاجناس والديانات ، ورغم اختلاف التضاريس الجغرافية. هذا المشروع هو مانطلق عليه وفي ظل الظرف المتازم للوضع العربي :مشروع النهوض العربي الاسلامي، كبديل عن المشروع القومي الخالص ، والمشروع الماركسي كما تم توظيفه من طرف العديد من الحركات الماركسية والاحزاب الشيوعية العربية ، والتي كانت تجربة اليمن الجنوبي قمة ما استطاع ذاك المشروع الوصول اليه، ثم المشروع الاسلامي الذي جاء على انقاض افلاس المشروعين معا . افلاس المشروع القومي بهزيمة الطبقة البرجوازية العربية في حرب 1967 ، وافلاس المشروع الماركسي باندحار وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق مع ما تبعه من مخلفات كسقوط جدار برلين ، واندثار قيم وفلسفات وظفت في اطار الصراع الذي كان يدور بين المعسكرين المتقابلين. وللاشارة فان المشروع الاسلامي بدوره لم يتمكن من انجاز القفزة النوعية للوصول الى سدة الحكم ، وبفعل العديد من العوامل والاخطاء لايزال هذا المشروع والى الان يتعثر في جلبابه ،دون ان يتمكن من التخلص من المفردات الشعبوية التي إذا لم تسيء للعمل السياسي ،فانها لا تخدمه. فهل يمكن ان نتحدث الان عن مشروع عربي اسلامي بديل ، يقلب الموازين ويصحح الصورة ،ومن ثم تقليص الفجوة التي تفصلنا عن الغرب العنصري والااخلاقي؟. ""
قبل الاجابة عن الاشكالية لابد من طرح بعض الاسئلة الضرورية، لرفع الالتباس ، ولتوضيح الصورة ، واقفال الباب على التفسيرات المغرضة التي تصطاد دائما في المياه العكرة.
المشروع : المشروع الايديولوجي العربي الاسلامي ، يعني نهوض العرب والمسلمين في مرحلة يمكن ان نعرفها بانها مرحلة الخروج من السيطرة الاستعمارية الخارجية ، ومن الجمود التاريخي الذاتي للدخول الى عصر تشكلت قسماته العالمية الاساسية في سياق الاحداث الاجتماعية والسياسية التي حصلت في الغرب المسيحي) العصرنة ) ، ثم التغييرات التي عرفها الشرق على اثر الهبات والثورات التي قادتها شعوب تلك المنطقة من العالم ( المبادئ الانسانية والكونية )، الى تفجر بلدان العالم الاسلامي بحركات الرفض والثورة والاصلاح مستفيدين من جميع الاختيارات ليبرالية، اشتراكية واسلامية .
اما القسمات الحضارية للمشروع فيمكن ان نجسدها في الشعار التالي: حرية ، مساواة ،عدالة.
توجهات المشروع العربي الاسلامي : مر المشروع العربي الاسلامي بثلاثة ازمنة متناقضة نلخصها كالاتي: 1 زمن المصالحة بين الليبرالية والاصلاحية الاسلامية . 2 زمن المد القومي . 3 زمن الصحوة الاسلامية . يلاحظ ان ايا من هذه المشاريع الثلاثة لم يحمل في زمنه الخاص كل هذه التوجهات والقسمات الحضارية مجتمعة ، بل لقد انفرد كل مشروع في التركيز الاحادي على جزء من هذه التوجهات واغفل الاجزاء الاخرى ، او اعتبرها ثانوية وسلبية.
في زمن الليبرالية والاصلاحية الاسلامية جرى التركيز على البرلمانية وحدها حتى اصبحت في نظر المقابلين مرجعية رجعية تركز على البرلمانية من اجل البرلمانية لتصريف الكلام والهاء العامة وتفويت الوقت وتعطيل النهوض او الاحتجاجات . وفي المشروع القومي جرى التركيز على الاشتراكية الانسانية التي اضحت مع مرور الوقت عبارة عن بيروقراطية دولة مفصولة عن القاعدة ومكبلة بتعدد المساطر والقوانين التي تحولت مع ظهور البوادر الاولى للفشل الى ترسانة قامعة للحريات ، فساهم هذا في احداث الشرخ بين القمة والقاعدة ، وكان سببا في جميع الهزائم التاريخية المتوالية التي حصدها هذا المشروع ، ولا أذل على ذلك فشل الوحدة العربية، هزيمة حرب اليمن، النكسة العربية في حرب الستة ايام ، وضياع ما تبقى من فلسطين والاراضي العربية التي احتلت في تلك الحرب الخاطفة. اما في المشروع الاسلامي فقد جرى التركيز على الموروث الايديولوجي الحضاري بتقديم الاخر الطاغية في صورة الشيطان الذي لايبحث لنا الا على الشر والهزيمة ، وقد تحول هذا الاسلوب في العمل لذا حركات الاسلام السياسي الى اصبح عبارة عن نرجسية اكثر منه تقويما علميا لطبيعة الاخر المسيحي اليهودي . والاخطر ان ايا من هذه المشاريع لايعترف لسابقه بفضل اوميزة ، حتى بدا ان كل مرحلة تكاد تبدا من الصفر ، او تعود الى ٌ تاريخها الخاص ٌ الذي تبحث عنه في حقبة او في اتجاه او في موقف او نص من النصوص .
إذا السؤال الذي يمكن ان نطرحه هو هل هناك ثمة استراتيجية حضارية بديلة لكل الاخفاقات والانتكاسات والانهزامات التي طبعت تاريخينا المتخن دائما بالجراح ؟. ان الجواب سيبقى دائما معلقا على اساس من الاقتناع ان الاستراتيجية لايبنيها كاتب او باحث اومفكر ، بل تبنيها حركات الشعوب في نضالها وجهادها وعطائها على كل المستويات. الفلاسفة يتظرون فقط للثورة، والثوار السياسيون يقومون بها ، والجبناء المنافقون يستمتعون بها .
هناك استقطابان منهجيان تجادبا المشروع العربي الاسلامي:
1 اتجاه يركز على منهج الثورة والعمل السياسي اليومي الدائم والمستمر . ان لهذا التوجه منطقه ومبرراته وتحليلاته التي يمكن ان نقراها عبر مفاهيم يزخر بها خطاب ( الثورة )... مثل مفاهيم التشديد على الجهاد والتغيير والرفض والمواجهة والكفاح المسلح ، واستخدام العنف الثوري في مواجهة العنف الامبريالي ... الخ. كما ان لهذا المنطق مبرراته التي تستقي التجارب من التاريخ والاحداث حيث فشلت ثورات توقفت او أجهضت ، وحيث تعبت قوى مناضلة فتخلت او إستراحت ، كما له رؤيته التاريخية والمستقبلية التي تستلهم الثورات من التاريخ الاسلامي و تتطلع نحو استمرار الثورة حتى التغيير الشامل ، واحيانا حتى الحلم بتغيير العالم .
2 اتجاه يركز على بناء الدولة العصرية القوية ، وما يزخر به هذا الخطاب من مفاهيم الانماء و المعاصرة والتحديث . ان لهذا الاتجاه مبرراته المستقاة من التجارب التاريخية التي اثبتت اهمية المؤسسات والاجهزة والادارات والخطط والبرامج للخروج من حالات التأخر والجمود الحضاري . أي الانخراط حاضرا ومستقبلا في النظام العالمي القائم . مطالب عصرنة الدولة وتحديثها .
ان هذين التوجهين يحملان عنصر التداخل والتشابك على مستوى القوى السياسية والاحزاب والنخب والكتل الحاكمة . فبعض هذه القوى كانت تقول بالثورة وانتهت في حضن السلطة وغرقت في خطاب الدولة وتوجهاته ، وبعضها فهم الثورة من خلال مصالح الدولة . ولما كانت الدولة العربية والاسلامية قد اضحت دولة وطنية ، فان اختلاط المنظور الوطني والاسلامي اضحا اختلاطا يشوبه الكثير من التوظيف السياسي لمصالح هذه الدولة او تلك. إذا اضحت الايديولوجية القومية ، كما الايديولوجية الاسلامية ، ايديولوجيات دول تعبر عن مصالح وطنية لكل دولة في غالب الاحيان ، وان كان التوظيف قوميا او اسلاميا. ان الرؤية المتجاوزة لهذا الواقع المأزوم ، تدعو لاعطاء الاولوية لتحقيق هذه النزعات الانسانية الثلاث والتي يمكن تلخيصها بكلمات ثلاثة : حرية ،عدالة ،مساواة في الدولة الوطنية وللامة على حد سواء .
اطراف المشروع العربي الاسلامي: هناك ثلاثة اطرف في المشروع العربي الاسلامي. الثورة بما هي طموح تغييري . الدولة بما هي ضرورة اجتماعية، والانسان بما هو عنصر الفعل والانفعال المتجادب في هذا التغيير والاصلاح .
ا – الثورة : من المتعارف عليه عالميا ومن خلال التجارب الانسانية المتنوعة ، فان كثيرا ما يقع اصحاب الثورة في الفوضى العارمة ، وفي اشكال من الرفض العدمي ، او المسلك النخبوي الاستبدالي او الحزبي ، وذلك على حساب نظام الجماعة ومصالحها ، وعلى حساب شوروية الامة وشرعيتها ، بل اكثر من ذلك تتحول الثورة من مبررات قيامها في سبيل الحرية والعدالة ، الى نقمة وديكتاتورية واستبداد ضد الاخر المعارض، فيتحول الثوار الكتبة على حد وصف الشاعر العراقي مظفر النواب الى نخبة مستبدة قامعة تتكلم باسم الامة فتستبدلها بحزبها وتحل محلها في تصريف شؤنها اليومية والمعاشية. استبدال الحزب عن الشعب ، واستبدال القيادة عن القواعد. أي الانتهازية والعسكرتارية والاستبداد المجسد في القمع بشكليه المادي والايديولوجي.
ب – الدولة : من اخطاء هذا التيار ، انهم يقعون في احادية الراي والمسلك ، فيقمع الراي والاجتهاد والاختلاف في المجتمع قمعا ، بدل ان يحل حلا.ان ضرورة ضبط التناقضات في المجتمع وغرائزه وباسم تجنب الفتنة بين افراده وجماعاته يعتبر ضرورة قسرية مشرعنة للاستبداد والقمع وسلب الحريات ، مع ان الضرورة لاتنفي الحوار والتحاور والجدل .ان النبوة القائمة على الوحي الإلهي التزمت منهج الحوار والجدل ، واكتفت وفقا للامر الإلهي بمهمة النذير والبشير وامتنعت عن موقف السيطرة والتغلب والانفراد بالراي.
فهل يمكن ان يحمل مشروعنا العربي الاسلامي الذي هو مشروعنا الحضاري الاصيل ، فهما مختلفا لمسالة الدولة السلطانية في ثراتنا ، ولمفهوم الدولة البيروقراطية الحديثة في عصرنا وحاضرنا؟.فهل يمكن ان تتوازن العلاقات بين الدولة والمجتمع في صيغة مؤسسات لايطغى فيها المجتمع بتناقضاته وبتوجهاته وبغرائزه المختلفة على الدولة ، فتنفجر الامة او الجماعة او الوطن ، ولا تطغى فيها الدولة بوحدانيتها وقسريتها على المجتمع فنقع في الاستبداد او الانظمة التوتاليتارية ؟. انه تساؤل عما اصاب مختلف التجارب السابقة من انتكاسات عطلت مسيرة التنمية والديمقراطية ، فكان الخاسر الوطن والمواطن الذي تتقادفه تناقضات الدولة والاحزاب بمختلف تشكيلاتها الايديولوجية المتناقضة.
ج – حقوق الانسان :بمقارنة تاريخنا بتاريخ الغرب الااخلاقي العنصري، المملوء حقدا ودما وعنفا ،سنجد هناك عدة نصوص واحاديث تتحدث عن المساوات التآخي وحقوق الانسان قبل ان تفطن لها التشريعات الغربية، وتستعملها بشكل انتقائي غاية في المكر والتضليل ، فيدفع بنا هذا التراث من قيمنا ومن دون ان نشعر ان نحس بالزهو والراحة على اننا حقيقة كنا ولازلنا خير امة اخرجت للناس . لكن ومن دون ان نشعر كذلك ننسى الانتباه الى ما يسمى بحقوق الانسان في الغرب الااخلاقي في كيفية الاعتناء بمواطنيه بمنحهم المساوات في الاستمتاع بحقوقهم التي يعطيها لهم التاريخ وتعطيها لهم القوانين ، وان كان كل ذلك يتم على حساب تعاسة الشعوب الاخرى التي تستنزف ثرواتها ، لتحقيق الرفاهية لشعوب العالم المسمى متحضر. إذا قمنا بمقارنة بسيطة بين قيمة الانسان عندنا وعندهم سنجد فروقا شاسعة في العديد من الخدمات الاساسية التي يجب ان يتمتع بها المواطنون كخدمات الصحة ، التعليم ، الشغل ، السكن الائق ، حرية التعبير وحرية التنقل ... كما نجد فرقا شاسعا في مستوى الخدمات التي تقدمها دول المحيط مقارنة مع دول الغرب لمواطنيها على مختلف المستويات. إذا السؤال : كيف يمكن تجدد قيمة العمل في الإسلام على مستوى الفرد والجماعة معا ؟. أي تخليق العمل بتحميل المسؤلية للمسؤل عن العمل ، وهو مايعني المحاسبة وعدم الافلات من العقاب . انه باستثناء بعض الكتابات التي حصلت في الماضي ممثلة في ما كتبه محمد عبده، حسن البنا،مالك بن نبي..تحض على العمل وقيمته واخلاقيته من وجهة اسلامية ، فان المشروع الاسلامي المتمثل في خطاب الدولة اوخطاب الثورة على حد سواء ،قلما يتنبه الى اهمية هذه القيمة في الاسلام،فيسعى الى تجديدها نصا وسلوكا ونظرية، أي استدخالها في النفس كقيمة.
مشروع الاصالة والمعاصرة بين الدولة الوطنية والدولة القومية: من خلال مختلف التجارب التي مر بها العالم العربي والى الان ، لم تعد المسالة المطروحة للنقاش بين المفكرين والمحللين كامنة في السؤال التالي: كيف نثور ؟ وما هي الطرق المؤدية الى الثورة؟. ولكن السؤال الان هو: كيف نستطيع الجمع بين مختلف الايجابيات التي راكمتها مختلف التجارب الانسانية عبر مختلف العصور والازمنة؟ اس كيف نعي تاريخا وكيف نصنع مستقبلا بعيدا عن التشنج والتعصب والتطرف المؤدي الى الاهلاك والمسبب في تعطيل قاطرة التطور والتقدم التي حققها الاخر وجعلته يختصر تاريخنا في ( محدودية انتاجية العقل العربي المأزوم والمهزوم ).ان هذا السؤال يهم الجميع وبدون استثناء . الثوار والحاكمين . الوطنيين والقوميين . العلمانيين والاسلاميين. أي الجميع.
ا – الجمع بين الدولة الوطنية والدولة القومية: لااشكال في ان الدولة الوطنية والدولة القومية ، يمكن ان يلتقيا على اكثر من صعيد ، واعتقد ان تجنيب الاختلاف السياسي والايديولوجي لصالح التعاون الاقتصادي والمشاريعي ، يمكن ان يسرع في تحقيق او على الاقل تقريب الافق نحو الاندماج التحتي في افق تحقيق الاندماج العلوي ، مع الاحتفاظ بالخصوصية والتراث المحلي .ان تجربة الاتحاد الاروبي في الوحدة والتكامل مع الاحتفاظ بالاختلافات العرقية والمذهبية واللغات والاعراف والتقاليد ... يبقى مثلا شامخا امام هذا الانجاز العظيم للدولة الوطنية والدولة القومية . وفي هذا الباب يبقى التركيز على وسائل النقل والمواصلات بين مختلف الدول العربية والاسلامية ، انجع طريقة تساهم في هذا الانجاز الدي تنتظره الملايين من العرب والمسلمين، لتحقيق سمة اساسية من الحلم المعجزة في بناء المشروع العربي الاسلامي .
ب – مابين الثورة والدولة : عندما يدرك الحاكم ان الشعوب لا تساس بالقوة ، والتفرد والاستئثار وبواسطة الاجهزة السرية ، بل ثمة مؤسسات وقنوات يجب ان تشكل وسائط لابد منها بين الدولة والمجتمع . وعندما يقتنع الداعون الى الاصلاح او الثوار بالمبدأ الفقهي الاسلامي الداعي لتجنب الفتنة المرادفة للحرب الاهلية بين ابناء نفس الشعب ،وان يدركوا تماما الحد الفاصل بين الثورة والفتنة ،بين مصلحة الامة وسفك دماء ابنائها ، فتفهم الثورة على انها تغيير في النفس وتغيير في القوم ، تربويا واخلاقيا واجتماعيا ..آنذاك يسهل ردم الهوة الفاصلة بين المكونات الاساسية للمجتمع ، أي الحاكمون والثوار او المصلحون . إذا كيف نوازن بين الدولة والمجتمع كي لايطغى احدهما على الاخر؟. طغيان اهل الدولة على المجتمع طغيانا استبداديا . ويطغى اصحاب الثورة او الداعون الى الاصلاح على الدولة والنظام العام للجماعة فيسبب ذلك في الفتنة والعنف.
ج – مابين العلمانية والاسلامية السياسية :لقد بلغ الاختلاف بين " العلمانيين" و " الاسلاميين" درجات قصوى ، خاصة بعد تحميل احدهما للاخر المسؤلية المباشرة عما آلت اليه اوضاع الامة من مدلة واهانة وحضيض ، كان ابرزها هزيمة الانظمة التي لوحت بالائيكية في حرب الستة ايام، وفي ارجاع التاخر الى المنظومة الفكرية لكل مجموعة.ان هذا الجدل الذي يتخذ شكل استنزاف فكري وسياسي ، خاصة بعد ان رفع القوميون ، الشيوعيون والماركسيون اللينينيون شعار علمنة الدولة ، او فصل الدين عن الدولة .وبعد ان رفع الاسلاميون شعار تطبيق الشريعية ، في عملية استعجال للوصول الى السلطة ، جعل الجدل العقيم بين المجموعتين يتخذ شكل حوار خارج التاريخ وخارج السياق الفكري وخارج حقل الصراع الفعلي .
في اروبة كان الصراع كالاتي : العلمانية مقابل الكهنوت .الدهرية مقابل اللاهوت او الغيبي . وكان الصراع تعبيرا عن صراع افكار بين قوى ومؤسسات واتجاهات : الليبرالية مقابل الكنيسة . الديمقراطية مقابل التحالف الاقطاعي الكنسي . البرلمانية مقابل الاستبداد . إذا بهذا الجدل يمكن ان نفهم موقف اسلاميي النهضة من الاتجاه الاصلاحي الاسلامي " محمد عبده، رشيد رضا ، الكواكبي ، النائيني ..." لماذا خاض هؤلاء المعركة الدستورية في كل من ايران والدولة العثمانية جنبا الى جنب مع الليبراليين والديمقراطيين البرلمانيين المحليين ، معتبرين ان كل هذه الافكار والمؤسسات هي افكار ومؤسسات اسلامية الاصل .وان المؤسسات السلطانية الاستبدادية وان توسلت بالدين ، فهي مؤسسات غير اسلامية ، فمشيخة الاسلام في الدولة السلطانية ، واخر تجلياتها الدولة العثمانية والدولة الصفوية القاجارية ،كانت قد اضحت شبه مؤسسة اكليركية ، رغم التاكيد العام ان لاكنيسة في الاسلام . لهذا راينا الكواكبي يتحدث عن الاسبداد السياسي والاستبداد الديني في الدولة العثمانية ، وراينا نائيني يتحدث عن شعبتي الاستبداد في الدولة القاجارية : الشعبة الدينية المتمثلة بعلماء السوء ، والشعبة السياسية المتمثلة بالسلاطين. انه صراع بين الاتجاه الاسلامي السلطاني والاتجاه الاسلامي الشوري.
ان حقل الصراع بين الاتجاه " العلماني " وبين الاتجاه " الاسلامي "،فانه الى جانب الاستعارة اللاتاريخية فيه، فانه يترجم حاليا حالة الصراع السياسي بين نخب تستعجل الوصول الى السلطة . هذه باسم تطبيق الشريعية ، وتلك باسم الحداثة وفصل الدين عن الدولة. وفي الحالتين تستعيد الدولة العربية ( الحديثة ) لنموذجها السلطاني القديم ، فتعود الى الدين لاستخدامه ايديولوجية سلطانية، اوفقها سلطانيا.
لقد سلبت الدولة السلطانية خلال القرنين الماضيين عبر نمط علاقتها بالدين المعاني السامية والنبيلة التي كان يمكن للقيمة الدينية ان تزخر بها ، وتشجع لتستقيم علاقة متوازنة بين الدين والسياسة ، وبين الفقيه والسلطان ، وبين المجتمع المتدين والدولة . ثم اكملت الدولة ( الحديثة ) سواء كان خطابها اسلاميا او علمانيا ما قامت به الدولة السلطانية. كذلك فعلت بعض الاحزاب الاسلامية المعارضة .مهمة ما بداته الدولة السلطانية القديمة ، فتم اقبار ما تبقى من القيمة الدينية في المجتمع ، حتى انعدم الحد الفاصل الضروري بين الدين وبين السياسة . فغرق الفقيه في حقل السياسة حتى اضحى سلطانا او مشروع سلطان ، وابتذل الحاكم الدين حتى اضحى ممثلا فولكلوريا للتراث الديني .
والمفارقة اللافتة للعيان ان حاملي خطاب العلمانية (في موقع المعارضة ) تناسوا ان السلاطين المسلمين كانوا اكثر علمانية منهم بالمعنى المدني والدنيوي والزمني، كما انهم لايدركون انه في حالة وصولهم الى السلطة، سيكتشفون كما اكتشف بعض زملائهم اهمية الاستخدام الديني في تثبيت السلطان الزمني ، ولو كان ذلك عن طريق الارتضاء بتطبيق الشريعة في باب الحدود.
وبالمقابل ينكشف العمل الاسلامي الحزبي انكشافا سريعا عندما يرتضي محالفة الحاكم على اساس هذا الشعار ، وبمعزل عن السياق العلائيقي بين المجتمع والدولة ، وبغض النظر عن القيم الدينية والاخلاقية والسلوكية التي يزخر بها الاسلام ، فلا يسال اين هي في نصاب الدولة ومسلكها؟ واين هي في نصاب المجتمع ومسلكياته ؟ و اين هي في مسلكيات العمل الاسلامي واخلاقياته توجها وممارسة؟.
ان التجديد الحضاري الاخلاقي ليس خطابا في الاصالة ، اوخطابا في المعاصرة . انه ليس تقليدا لماض يخص الذات وحدها ، او لماض يخص الاخر وحده. ان التجديد الحضاري اولا وقبل كل شيء جواب على تحديات راهنة محورها وقطبها الانسان اولا واخيرا. الانسان في زمن قطعت فيه حركة التاريخ العالمي خلال القرنين الماضيين اشواطا هائلة من الانجازات والنظريات والتجارب والانظمة السياسية والاقتصادية ، كما قطعت فيه حركة التاريخ العربي الاسلامي المعاصر منذ منتصف القرن التاسع عشر والى الان اشواطا من التجارب الفنية من ليبرالية وقومية وماركسية وصحوة اسلامية كما مرت باشكال من التجارب الوحدوية والوطنية و المشاريع الاتحادية والاقليمية ، والان وبعد كل هذا الغنى التاريخي المركب والمعقد ، لم تعد المسالة محصورة ولايمكن ان تنحصر في سؤال : ماذا نختار من هذه التجارب ؟ لكن السؤال الفعلي هو : هل استوعبنا هذه التجارب ؟ وكيف نتجاوزها في مسيرتنا الراهنة؟
ومن اولويات العمل الجاد في هذا الباب ، انه لا يكفي ان نشير اشارة سريعة الى ازمة النظام الراسمالي العالمي ومأزق الحضارة المادية لنستدل على فشلها ، ولا يكفي ان نشير الى انهيار النظام الاشتراكي وعجز الشفافية في انقاده ولنصل سريعا الى البديل الاسلامي كنموذج حضاري محقق وناجز ، ذلك انه مع صحة الدعوة الى البديل الاسلامي ، فان النظرية الاسلامية المعاصرة اذا لم تستوعب تجارب التاريخ العربي الاسلامي ، قديمة وحديثة ومعاصرة ، ستبقى عاجزة عن ايجاد البديل الحضاري الاسلامي. وسيبقى البديل مجرد نص وخطاب مؤمل ، وفي احسن الاحوال ثورة هنا اوانتفاضة هناك . مقاومة هنا او معارضة هناك ، تقوم جميعا باسم الاسلام الشعبي طالما كان سلاح حماية ودفاع بيد الحركات الجماهيرية في مواجهة الاخر او الطرف المعارض. فعلى ضوء هذا الاعتبار يتشكل الوعي التاريخي الذي يتواصل مع الحاضر ويتصور صورة المستقبل ، بدل ان يقى العرب والمسلمون اسيري تواريخ فرق وسير وتراجم، كما هم اسيروا احكام فقهية لمذاهب انتجت في مراحل تاريخية سابقة ، وهم يحلمون الان بصناعة مشروع حضاري معاصر لامة وعالم اسلامي يقبض عليها نظام راسمالي عالمي جائر.
لق فشلت جميع المشاريع الايديولوجية التي جربت في الوطن العربي . فشل المشروع الدولتي لتحوله الى مشروع استبدادي ، وتحول الدولة من دولة ديمقراطية الى دولة قامعة باسم الدفاع عن الشعاراتية ، فتحول النظام من نظام المجتمع والتعددية ، الى الكليانية والتوتاليتارية. وفشل المشروع الماركسي العلماني لتركيزه على ديكتاتورية طبقة " العمال" ونفي او الغاء باقي الطبقات المكونة للمجتمع. وفشل المشروع الاسلامي للحركات الاسلامية لاعتماده النرجسية اكثر من الازم ، واقتصاره على مخاطبة الحواس والشعور ، دون تعمقه في بحث اصل الداء ، بغية طرح الحلول المعقولة والمقبولة . والمستغرب له ان القاسم المشترك بين كل هذه التصورات ، هو تبادل التهم ونفي أي مزايا عند الاخر المعارض دولة او احزاب.
ان البديل لكل هذا الفشل المتعاقب،يكمن في الجمع بين ثوابت الدولة الوطنية والدولة القومية الوحدوية. أي الاحتفاظ بالخصائص الوطنية لكل دولة من تراث ومقدسات وطنية تحافظ على التمايز والاختلافية ، تم الاسلام كمرجعية تستجيب للرغبات والاحاسيس الروحانية لمواطن العادي، الى جانب التفتح على ما راكمته الانسانية من ابداع في مختلف المجالات من فنون ، فلسفة، رسم ، علوم واشكال الحكم ونظمه المختلفة والمتنوعة لاغناء التجربة بغية الدفع بالانطلاقة نحو اتجاهها الصحيح، ولتفادي كل اشكال الاحباط اوالهزائم في المسيرة نحو بناء المشروع المجتمعي العربي والاسلامي . وهنا فان الاطار لمزج كل هذه الشروط وتنظيمها يبقي الدولة العصرية التي تجمع بين الاصالة والمعاصرة ، بين الاصل والتجديد. ودون افراط اوتفريط . اما القطع مع الماضي باسم " الحداثة" او الارتماء في الماضوية باسم تحصين الذات ،او التركيز على الدولة الاستبدادية القامعة ،باسم مجابهة الفتنة والاضطراب ... فلن يزيد المشكلة الا تعقيدا والازمة استفحالا . ويقى احسن مثالا يقتدى به في هذا الباب ،دول الاتحاد الاروبي التي تركز على الاقتصاد والعلوم مع احتفاظ دولها بخصوصيتها المختلفة . لغات ، ديانات كاثوليك بروتستانت يهودية اضافة الى مجموعات دينية متنوعة، عادات وتقاليد ، واحتفالات دينية ووطنية تختلف من دولة اروبية الى اخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.