لا تيأس جبهة الإباحية من عملها الدؤوب، وسعيها المتواصل لفتح ثقوب وثغرات وأبواب تنفذ منها إلى كل المجتمعات، ولئن استطاعت الجهر بدعوتها والتمكين لها إعلاميا وثقافيا وسياسيا في العالم كله، وخاصة في العالم المسيحي بمختلف كنائسه ونحله حتى اخترقت الكنيسة البروتستانتية والأنغليكانية والكاثوليكية واضطر كبار الرهبان والقساوسة إلى التدخل والبراءة من رجال الدين الشاذين جنسيا، فإن هؤلاء الإباحيين اللاأخلاقيين لا يكتفون بتلك المنجزات والمكتسبات، بل يسعون في الأرض كل الأرض، حتى تقبل بهم الحكومات والمجتمعات قبولا قانونيا، وينظروا إليهم نظرة طبيعية. فالتطبيع الدولي والشامل غايتهم وهدفهم، تطبيع لهم ولغيرهم، ولن يرضى عنك الشاذون والشاذات حتى تقبل بهم وتتبع شذوذهم. والمغرب يعتبر بالنسبة إليهم منذ أكثر من عقد من الزمان قلعة يجب غزوها واختراقها، وإنشاء طائفة من المثليين الجنسيين، وهو الإسم المفضل عندهم، يعترف بها ويطبع معها، ويمكن لها في كل مجال وقطاع. وقد قطعوا نحو تحقيق هذا الهدف خطوات معتبرة، واستغلوا لذلك كل الوسائل الممكنة، منها المسالك الثقافية والفنية والسياحية والإعلامية والإلكترونية، وحتى المسالك الدبلوماسية. فمن الذي غض الطرف عن نشاط المنعش العقاري الفرنسي هيرفي في تنظيم الشذوذ الجنسي والاستغلال الجنسي للأطفال القاصرين مدة من الزمن، ومن وفر له الحماية والرعاية طوال الوقت، ولما ألقي عليه القبض وحجزت بمنزله وثائق ومواد جنسية كثيرة، تم حكم عليه بسنتين فقط، فمن الذي خفف عليه هذا الحكم ليكون بردا وسلاما عليه، وأخيرا من الذي تدخل له ليدرج ضمن الذين شملهم العفو الأخير، فتخفف السنتان إلى سنة واحدة. وكيف يعقل أن يتم غزونا عن طريق قانون أجنبي يبيح للشاذين الجنسيين الأجانب أن يرتبطوا ويتزوجوا بشاذين من المغرب رغم أنف القانون المغربي والدين الإسلامي للمغرب؟ وكيف يسكت الساهرون على الأمن الروحي والسياسي عن أنشطة الشواذ طوال العام ببلادنا، وخاصة في مواسم المهرجانات الصيفية؟ ويشكل هذا الاستفزاز اللاأخلاقي أحد العوامل المهمة لتجييش الانفعالات لدى المجتمعات المسلمة والانزلاق نحو التشدد والتزمت والتطرف، بل والعنف. وقد أقر بهذا الأمر كثير من المحللين والخبراء في ندوات علمية ودراسات تحليلية منشورة وغير منشورة، ويمكن الرجوع على سبيل المثال إلى أشغال الندوة العلمية التي عقدتها أكاديمية المملكة المغربية يومي 10 و11 ماي 2004 حول التطرف ومظاهره في المجتمع المغربي، وبصفة أخص عرض الخبير الدكتور عبد المجيد الصغير بعنوان مظاهر الاستفزاز الأخلاقي المحرض على التطرف كرد فعل. ويدرك المنظرون والمخططون لشيوعية الشذوذ والإباحية والتطبيع اللاأخلاقي هذا الأمر تمام الإدراك، وهم يسعون إلى هذا سعيا، ويريدونه إرادة، إذ يستعملون التطبيع اللاأخلاقي كأداة للغزو والتخريب وإشاعة الفوضى، ويقصدون قصدا الاستفزاز الانفعالي، ودفع الشباب المتحمس المتوقد إلى ارتكاب الأخطاء والحماقات، واستغلال ذلك ضد الصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية، بل ضد الإسلام نفسه. أي أنه أداة سياسية في نهاية الأمر. فعندما تعرضت الولاياتالمتحدةالأمريكية لهجمات 11 شتنبر 2001 قال قائل منهم إن الذين اصطدموا بالبرجين ليسوا من الميطوديين ولا من اللوثريين (نحلتان مسيحيتان أمريكيتان). إن الهجوم على هذا البلد قام به أشخاص ينتمون إلى الدين الإسلامي، وإذا قرأت القرآن سوف تجد آياته تدعو إلى قتل الكفار غير المسلمين، وزاد أيضا إننا لا نتهجم على الإسلام، ولكن الإسلام هو الذي تهجم علينا، ورب الإسلام ليس كربنا نحن، إنه ليس ابن الرب كما هو في عقيدتنا المسيحية واليهودية المسيحية، إنه إله مختلف، وأظن أن هذه ديانة سيئة جدا وفاسدة. أما المنفذون والساهرون على حماية مسالك الشذوذ ورعايته والتمكين له في بلادنا، فهم يستخدمون هذه الوصفة لتكون سيفا ذا حدين: حد يعصف بالتعقل والتروي لدى الشباب، ويمكن للجنون والتهور الواعي أو المتحكم فيه ليصل إلى التفجير والانتحار، وسيف يقطع الطريق أو يعرقل المشاركة السياسية للإسلاميين والحيلولة ما أمكن دون أن يتحملوا المسؤولية في إدارة الشؤون العامة لبلادهم إلى جانب إخوانهم المغاربة في الهيئات السياسية الأخرى. ولذلك يرفعون أصواتهم بعد كل تفجير انتحاري، وبعد كل إنجاز إباحي وبعد كل تطبيع مع الكيان الصهيوني، أن أسكتوا أصوات العلماء والدعاة الرسميين والأهليين، وأغلقوا أفواه الحركات الإسلامية، بل يقولون بكل صراحة: عليكم أن تصمتوا حتى لا تتحملوا المسؤولية المعنوية لكل تفجير أو انتحار، فأنتم المروجون للخطاب الإسلامي الأخلاقي، الذي يمهد النفوس ويعبئها حتى تنفجر وتنتحر. وهذه اللعبة الماكرة انكشف أمرها وظهر مصدرها ومقصدها ومبتداها ومنتهاها، وبانت أساليبها وطرائقها، فلا داعي للاستمرار فيها، ومن الأفضل أن تبحثوا عن مكيدة أخرى. فلا تقولوا لنا إذن اسكتوا عن الإنكار والاستنكار والمعارضة والاعتراض والتنديد والاحتجاج حتى لا توصموا بالإرهاب أو تكونوا مسؤولين معنويين عنه. الإرهاب صار صناعة يتقنها الدهاة والأغبياء معا، ولا يقضي على الدهاء والغباء إلا الإخلاص والذكاء.