فضيحة جديدة تضاف إلى فضائح المحافظين الجدد، وعلى رأسهم القائد جورج بوش، فقد وصل به الحال حد التفكير في قصف مكاتب الجزيرة في مدينة الدوحة القطرية وبعض مكاتبها الأخرى أيضاً لولا أن طالبه رئيس الوزراء البريطاني بالتعقل خوفاً من التداعيات السيئة التي قد تجرها خطوة كهذه على سمعة الولاياتالمتحدة. لم نعرف بالطبع كيف كان الجنرال بوش سينفذ خطوته تلك، وما إذا كانت الصواريخ ستنطلق من قاعدة السيلية القطرية، أم من دول الجوار حيث تربض البوارج الأمريكية، أم من طائرات ستنطلق من إحدى العواصم العربية الأخرى!! وإذا كانت قرار قصف مبنى الجزيرة القديم، أو علبة الكبريت، بحسب تعبير الرئيس المصري حسني مبارك، قد ألغي أو لعله تأجل، فإن قراراً بقصف مكتبها في كابول قد جرى تنفيذه، ومن بعد ذلك اعتقال أحد مصوريها ووضعه في غوانتانامو، وصولاً إلى مساومته على العمل مخبراً على القناة لصالح الأجهزة الأمريكية. بعد قصف مكتب الجزيرة في كابول جاء قصف مكتبها الذي أسفر عن استشهاد طارق أيوب، وبعد أن نجا تيسير علوني من قصف المكتب الأول والثاني، فقد جرى الإيعاز إلى الحليف الإسباني كي يعتقله بتهمة سخيفة أكدها القضاء من دون حياء. الآن تتبدى الفضيحة، ويأذن الله أن تخرج إلى العلن، فيما يحاولون لملمتها من خلال الحديث عن مجرد مزحة، الأمر الذي كان سيبدو صحيحاً لولا السيرة القديمة في بغداد وكابول إلى جانب حشد من التهديدات الواضحة، فضلاً عن التصريحات المعربة عن مدى الضيق من القناة ومراسليها وإصرارها على كشف بعض، وأقول بعض، الوقائع هنا وهناك، من ذلك اللون الذي يفضح بعض، ومرة أخرى بعض، جوانب الهمجية الأمريكية في التعاطي مع دولنا وأبناء أمتنا. ليس لدينا الكثير مما نعلق به على هذه الفضيحة، فقد قيل الكثير وسيقال أيضاً، لكننا نعيد التأكيد على عبثية شعارات الحرية والديمقراطية والإصلاح التي يتشدق بها المحافظون الجدد، ومعهم المتحالفون مع واشنطن، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني نفسه الذي رفض له البرلمان قانوناً لمحاربة الإرهاب عالمثالثي النكهة لا ينسجم مع عراقة الحرية والتعددية في المملكة المتحدة. مقابل هذه العبثية الأمريكية التي تنتمي إلى لغة الغطرسة والعنجهية، ومن ثم الإصرار على إذلال هذه الأمة، في ذات الوقت الذي يتساءلون فيه عن السبب الذي يدفعها إلى كراهيتهم، هناك ما يمكن الحديث عنه بشأن الإعلام وسلطته ودوره في العالم العربي. إن حقد الأمريكان على الجزيرة رغم مجاملتها الدائمة لهم وتحريها للكثير من الموضوعية في تغطياتها، هذا الأمر يؤكد ما يمكن للإعلام أن يلعبه من دور طليعي في الأمة، في ذات الوقت الذي يدين فيه الكثير من وسائل الإعلام العربية التي ما كان لها أن تحظى بالرضا لولا انتمائها إلى لغة تنسجم مع المصالح الأمريكية أكثر من انسجامها مع تطلعات الأمة في الحرية والكرامة. أليس من المعيب أن تحظى الجزيرة بكل هذا الحقد الأمريكي فيما تتبرع دول عربية بتمويل فضائيات وصحف ومواقع إنترنت لا لهم لها سوى مهاجمتها بدعوى أنها قناة إثارة وفتنة، إلى جانب ترويج الخطاب الأمريكي على صعيد صراعات الأمة وقضاياها هنا وهناك؟ من هنا لم يكن غريباً أن يأخذ الناس موقفاً منحازاً ضد تلك الجهات وتلك المحطات والمواقع مقابل انحيازهم إلى الجزيرة، فنحن إزاء جماهير تعرف بوصلتها وتدرك حقيقة من يقف معها ومن يقف ضدها وضد قضاياها. خلاصة القول هي أن الجزيرة لم تفضح غطرسة الولاياتالمتحدة فقط، ولو في الحد الأدنى، بل فضحت أيضاً دولاً عربية كثيرة ناهضتها بوسائل مختلفة، من إنشاء فضائيات وصحف ومواقع إنترنت منافسة، إلى منعها من فتح مكاتب في عواصمها (تمنع الجزيرة في عشر دول عربية)!!